الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول موقف اليسار العربى من تديين قضية فلسطين

عماد مسعد محمد السبع

2011 / 3 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يثور التساؤل دومآ حول موقف اليسار العربى – وتحديدآ رافده الماركسى – من أشكالية تديين / أسلمة الصراع مع أسرائيل , ولاسيما بعد تمسك هذا الكيان بهويته اليهودية وأصراره على أعتراف المفاوض الفلسطينى بهذه الهوية الدينية وكشرط مبدئى لإنطلاق عملية التسوية .

الثابت أن اليسار ينطلق فى معالجته لهذه القضية من التأكيد على أهمية مواجهة المفاهيم الرجعية لتوصيف الصراع مع الكيان الصهيونى , ومن ضرورة الإرتقاء بالوعى العام , و بالسند الموضوعى والتاريخى لنشأة هذا الكيان وووجوده على أرض فلسطين .

فالصراع مع أسرائيل ليس صراعآ دينيآ وعقائدآ فى الأساس , رغم أن قوى الإسلام السياسى والسلفى تسجل أفكارها المناوئة لإسرائيل وباعتبارها ( دولة دينية يهودية ) ودون فهم لماهية وطبيعة الدور العضوى لإسرائيل فى هذه المنطقة من العالم .

عدم وضوح الفارق بين ( اليهودية / كديانة سماوية ) وبين ( الصهيونية / كحركة عنصرية أستيطانية ) داخل تلك الرؤية يعود إلى عمد نفى الأبعاد السياسية والإقتصادية والتاريخية التى حكمت هذا الكيان وصيروة تطوره داخل الإستراتيجية الإمبريالية .

فهذا الحس الدينى السلفى حول القضية يحتفظ بمسلكه الشرعى وتخريجاته الفقهية المعادية ( ليهودية دولة أسرائيل ) , ويرفض فى الوقت نفسه الإقرار بواقعة أن مصير هذا الكيان يظل رهنآ بالشرط الإمبريالى العام الذى خلقه ويصون بقائها ويضمن وجوده ودعمه السياسى و الإقتصادى والمعنوى ..

فالمعشر السلفى يجحد الرابطة البنيوية بين أسرائيل ومرجعيتها , ويصر على أنكار الأصل الذى جاءت منه وهو : حركة الرأسمالية العالمية و رافد القيم الإمبريالية الغربية الراعية لها .

فنشأة الكيان الصهيونى مرتبط بشكل عضوى بالمسيرة الإمبريالية ( كطور أعلى لمرحلة الرأسمالية ) وممثلآ فى راعية ( بريطانيا والغرب ووعد بلفور ( بعد الحرب العالمية الأولى ) ثم فى كفالة أمريكية له ( بعد الحرب العالمية الثانية ) ليصبح قاعدة استيطانية متقدمة لحماية النفط والمصالح الإقتصادية وتمدد قوى وقيم السوق داخل الأقليم العربى .

أخصاء الصراع على أرض فلسطين من هذه الشروط الموضوعية والتاريخية يؤثر ولا شك على مصداقية العنف الثورى الموجه للكيان الصهيونى , وعلى حركة مقاومته لأنه يعزلها عن التفكير فى معطيات الواقع والسياسة ويضعها أمام مجرد تخريجات دينية عرضة للتأويل و التبديل و التغيير وبحسب الأهواء الدهرية .

على سبيل المثال - وفى أثناء الهجوم الأخير على غزة ( عملية الرصاص المسكوب ) خرجت فتاوى تضع الصراع ضمن ( دائرة الحلال والحرام الدينى ) فتحلل موقف موقف حماس فى القطاع , وتحرم موقف السلطة فى الضفة , تمامآ مثلما خرجت فتاوى تدعو لقتال وحرب أسرائيل فى العهد الناصرى , ثم بعد ذلك ظهرت آراء دينية بجواز الصلح والسلام معها عقب توقيع أتفاقية كامب ديفيد ! ..

تناقضات الوقف السلفى بشأن توصيف الصراع تتجلى فى سلوك وممارسات حركة المقاومة الإسلامسة ( حماس ) وتتبدى عبرمواقف غير محسوبة فى نزال المعركة مع أسرائيل ..

فحماس تتأرجح بين طلب و واقع السياسة والسلطة و المفاوضات الزمنية والدهرية , وبين برنامجها ومقرراتها الدينية التى تفرض عليها واجب طرد كل اليهود من أرض فلسطين وباعتبارها : ( وقف اسلامى تركى من البر إلى البحر ) !! ..

ومثل هذا التوصيف يفقدها الهدف الإستراتيجى الذى يمكن أن يوحد فصائل العمل الفلسطينى خلف ممارساتها القتالية , كما يحرمها من الغطاء الإجتماعى اللازم , فمفردات مسرحها السياسى والعسكرى ( الإسلاموى ) لا يشمل أبناء الشعب الفلسطينى من غير المسلمين , وينفى وجود فئاته من العمال والشغيلة والفلاحين الذين يمثلون رصيد الإحتكاك اليومى والمباشر مع الإحتلال – وفق هذا المعيار الديانى للقضية .

وفى أطار العمل الميدانى فأن حماس لم تؤسس لقواعد ومرتكزات قتالية تمتد فى نطاق الداخل الفلسطينى , ولم تقدم قرائن على تطوير المبادرات الفردية الإستشهادية إلى صيغة فعل جماعى منظم يمهد لإنتفاضة شعبيبة تستهدف تغيير الامر الواقع القائم على واقع الإحتلال أو حتى مجرد وقف عمليات الإستيطان فى الضفة و القدس الشرقية .

فضلآ عن أرادة هذه المقاومة الدينية لا تنضبط وفق مقتضيات ومعطيات الأهداف العليا الفلسطينية وأنما عبر توازنات وتحالفات أقليمية ترتبط بحركة صعود وأنكسار الإسلام السياسى و الهيكل الديانى للأقليم , الأمر الذى يحرمها من مساحات مناورة هامة و يرسم حدودآ لأفق خيارها القتالى .

فالمقاومة الدينية تفتقر فى الواقع إلى البوصلة الهادية للنضال السياسى والجماهيرى المنظم والمتكامل , و تعتمد فقط على منهج تأجيج المشاعر والعواطف بأسم الإسلام وكلمة الدين وعلى سند من أن هناك حربآ مقدسة وثأر دينى يتعين تصفيته مع اليهود على أرض فلسطين !.

واللافت أن هذا التيار الدينى يندمج بشكل أو بآخر مع البرجوازيات العربية الحاكمة التى تدين بالولاء والتبعية للغرب وأمريكا , ويشكل معها ظهيرآ و تحالفآ أجتماعيآ يمينيآ – وكأن موقف الصراع مع أسرائيل يختلف عن تحالفاته الطبقية المعادية لهذا الكيان ! ..

ولذلك فاليسارالعربى لا يمكن أن يخون رؤيته المبدئية للصراع مع الكيان الصهيونى لأن فى ذلك خيانة لموضوعيتة ولأمكانيات تحرير المعرفة بالدور و المهمة والوظيفة الإساسية لهذا الكيان .

وهو يريد أن يحمى ( البندقية الفلسطينية ) من أن تكون مجرد قوة مغامرة وتلاعب بمشاعر دينية و طائفية عنصرية لن تستطيع أن تدفع عن نفسها – فى مرحلة محددة من تطورها - تهم العبث والإرهاب والعنف غير المشروع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 251-Al-Baqarah


.. 252-Al-Baqarah




.. 253-Al-Baqarah


.. 254-Al-Baqarah




.. 255-Al-Baqarah