الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن كاريزما القذافي الوهمية

عادل الخياط

2011 / 3 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


قديما كنا نسمع إن دائرة الحرس التي تتحلق القذافي هي عبارة عن مجموعات من النساء , شيء مذهل وغير مطروق تاريخيا , على الأقل ما توارد لمعارفنا من وقائع تاريخية . غير ان ثمة تعكير قد داهمنا بهذا
الخصوص , ومحتوى التعكير هو خبر نشرته قبل مُدة جريدة الشرق الأوسط ومفاده ان تلك الحِراسة الأمزونية قد إبتدأت في التسعينات وقد أثار هذا الخبر إضافة للتعكير إستغرابا من نوع ما , لأنني كنت أسمع عن تلك الحراسة الأمزونية منذ زمن طويل , أو ليس في التسعينات على أقل تقدير .. وكانت مثار إعجاب لنا في ذلك الوقت , يُضاف لها إننا كنا نسمع أن القدافي قائد تقدمي جدا جدا , وتزداد تقدمية القائد إنه قد إنضوى في جبهة دول الصمود والتصدي التي إنبثقت بعد معاهدة " كامب ديفيد " المصرية مع إسرائيل , وأعتقد أن تلك الدول كانت خمسة : العراق , ليبيا , اليمن الديمقراطية , سوريا , والخامسة منظمة التحرير الفلسطينية " إذا أُعتبرت دولة " - إلى ذلك , مما رسخَ إستمرارية الإعتقاد بتقدمية القدافي ان الحزب التقدمي الإشتراكي اللبناني في منتصف الثمانينات كان قد أرسل مئات المقاتلين لمساندة الجيش الليبي في حربه ضد " تشاد " من منطلق تقدمي . لكن قبل ذلك بسنوات كان قد حدث شرخ عميق في دول الصمود والتصدي , أو بالأحرى تفتت الحلف عندما أيدت دولتان من تشكيلته الخُماسية الكارتونية الخميني في حربه على إحدى هذه الدول - العراق - , والدولتان هما سوريا وليبيا !! والذي دعا - التأييد - العراق لقطع علاقاته الدبلوماسية مع تلكما الدولتين الصامدتين المُتصديتين .

طيلة تلك الفترة لم نفهم طبيعة هذا القائد الذي أثار وأثيرت بشأنه كل تلك المخاضات , فلم نستمع على مدى تلك الفترة عبارة صوتية تصدر عنه لكي يتكون بعض الإيحاء عن تلك الشخصية , فالذي نفهمه ان الكاريزما لها ضوابط ومقومات ومن ضمنها أو أكثرها أهمية هي القدرة البلاغية في الخطابات , يعني مثلا مثل " جمال عبد الناصر " كنا نستمع لخطاباته الرنانة من خلال الكثير من وسائل الإعلام الصوتي , كذلك مساهمته مع " تيتو " و " نهرو " في تأسيس حركة عدم الإنحياز , أيضا رغم سقوطه معنويا بعد هزيمة 67 وإتخاذه قرار التنحي عن السلطة , خرجت الجماهير تأييدا له ومطالبة إياه البقاء على رأس الهرم , وحتى بعد وفاته ظل رمزا للكثير من الأحزاب القومية العربية - بغض النظر عن غرابة سلوكه بوضع شخص بدوي مثل " القذافي " خليفة له في قيادة القومية العربية - .. وبالمناسبة , بدوية القذافي مأخوذة من سيرته الذاتية وليست تخرصا عليه , أو أن القذافي نفسه يقر بذلك , وربما خيمته البدوية تفصح عن ذلك .

وبذلك لا بد من الترحم كثيراعلى مُخترِع الإنترنت ( مع تجاوز الضرر السايكولوجي لهذا الإختراع الجهنمي , على قِياس : أن الضخ والتراكم المعلوماتي يُصيب الإنسان بخلل في البراءة ) فعن طريق تلك الشبكة إستطعنا الإستماع لهذا القائد وتشكيل بعض الإيحاءات أو الإنطباعات عن شخصيته التي دوختنا لسنوات , وكان الإستماع الأولي قد أتى من خلال مناوراته في القمم العربية , وعلى الأخص تهجماته على شيوخ الخليج وفي مقدمتهم ملك السعودية , ورغم موقفنا من السعودية وملكها والخليج عموما وأمراؤه , ولأن مشاعرنا رقيقة مثل منديل العُرس كما يقول الشاعر : جعلتني الدمعات كمنديل العُرس طريا لا أجرح خداً " فقد كُنا نتعاطف مع الملوك والأمراء قبالة تهجمات القذافي في المؤتمرات العربية.
غير أن تلك التهجمات في تلك المؤتمرات من القُصر بحيث عدم إعطاء صورة مُكتملة عن هذا الزعيم الفذ , عليه لا بد من الإنتظار إلى أن يأتي الإنفجار , وعندما وقع الإنفجار : تونس , مِصر , ثم ليبيا وما تلاها من خطاب الزنكة زنكة , ظهرت لنا حقيقة النسر الخرافي الذي حيرتنا أساطيره وأساريره .. فقد إتضح إن الزعيم الذي سُطرت الحكايات القديمة عن جاذبيته القيادية وتقدميته ليس إلا بدوي خارج منحنيات العصر , وان الأمين القومي الوريث ليس إلا أعرابي ليس بمقدوره تجميع جملة مفيدة , وتتقاطع المعاني في حديثه بشكل يبعث إدمانا على الضحك , وأنه نتيجة لذلك تم تأليف عشرات النكات المستوحاة من خطاب العقيد والتي نقلتها مواقع التواصل الإجتماعي ومن يرغب بالإدمان , عليه بجرعات الرابط أدناه :http://www.elaph.com/web/news/2011/2/634423.html?entry=technologymostcommented
, وأن الكثير من دول أفريقيا التي سمحت لمثل هذا المُعوج التحكم بها لسنوات هي أضأل إنحدارا من كساحته , وأن خطوة الحزب التقدمي الإشتراكي بإرسال كتائب من مقاتليه للمناصرة في منتصف الثمانينات كانت عبارة عن فضيحة أخلاقية لتنظيم يعتبر نفسه من ضمن منظومة الأحزاب التقدمية , وأن مثل ذلك الفِعل يقيس مدى الشرشرة أو السلوك المتخبط والإنتهازي لبعض التنظيمات التي تعد نفسها تحت يافطة أحزاب يسارية وعلمانية , مثلما يحدث اليوم عندما ينساق وتنساق الكثير من التنظيمات للتظلل بمظلة " حسن نصر الله " الرجعي المُتخلف والخاضع لوصايا الكاهن الساساني بدعوى المقاومة , والذي , ربما تنصف القذافي نسبة له , ففي كل الأحوال يظل القذافي أكثر هوانا من عقليات السلفيين شيعة كانوا أم سنة , وإلخ ...

غير ان أحد المُعجبين بالعقيد من المحتمل سيشفع لتلك الكاريزما بواسطة الرؤية البصرية , الإشعاع الكاريزمي المُتمركز في الخطوط البيانية لهيكل العقيد , أو في أضعف الإحتمالات , الكماليات التي يتبلسها العقيد : النظارات العريضة السوداء , البدلة العسكرية ونجوم الرِتب والقبعة العسكرية الشبيهة بجنرالات النازيين والفاشست , الزي البدوي الليبي المتمثل بلفة الرأس و.. -لا اعرف ماذا يُسمى - والسروال .. ومع ذلك فإن كل تلك التوليفة الكمالية لا تفي بالجذب الكاريزمي , ومن الممكن أن نضرب أمثالا في جميع الصنوف لنعري حُجج لفيف المُعجبين , فمن المنظور الشِكلي للقائد السياسي المُلهِم ان " هتلر الفوهرر " لم يمتلك ميزات شكلية مُغرية , فقد كان قصير القامة وصاحب شنب اثار ولا يزال فضول الكثير من مُبتكري الرسوم الكاريكاتورية , غير انه إمتلك كاريزما إحتوت شعبا من أشد شعوب العالم هوسا بالفلسفة والفكر والأدب .. في المجال السينمائي نجد العديد من الممثلين يمتلكون شِكلا جميلا لكن ليس بالضرورة طلة سينمائية جاذبة للمشاهد .. في مجال المصارعة تجد الكثيرين يمتلكون أجساما عضلية غاية في الإغراء لكنهم لم يصلوا إلى فقاعة من كاريزما المصارع الأميركي " شون مايكلز " الذي لا يمتلك عضلات وبريق هؤلاء وأولئك .. وإلى غيرها من المجالات ...
وسوف نختمها من البداية , فقد تحججنا في البدء بعدم سماعنا للجهورية الصوتية لهذا الزعيم الفذ لتتكون لدينا فسحة من الفضول الذي إحتوانا قديما لتلك الكاريزما , وبعد السنين العجاف إتضحت الصورة من خلال الخطاب القرقوزي الذي عانق سُفليات المحتوى الخطابي .. لكن الحقيقة القصوى أن أي شخص يشتغل بمفردات الأدب , وعلى الأخص الأدب الروائي والقصصي بمستطاعه أن يستشف ماهية هذا الزعيم القزم من خلال هيئته عموما وليس شرطا سماع صوته أو خطابه , وأنه حتى البدوية التي يتشدق بها هي ليست تلك البدوية الثورية التي تقلدها " لورنس " في الثورة العربية الكُبرى .. وإذن , على هذا وذاك كيف تتكون الكاريزما في أصقاعنا الأوسطية ؟ التساؤل مُوجه لمن يصنعون رموز الكاريزما الوهمية وليس للمفتول الكاريزمي الوهمي ؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في هذا الموعد.. اجتماع بين بايدن ونتنياهو في واشنطن


.. مسؤولون سابقون: تواطؤ أميركي لا يمكن إنكاره مع إسرائيل بغزة




.. نائب الأمين العام لحزب الله: لإسرائيل أن تقرر ما تريد لكن يج


.. لماذا تشكل العبوات الناسفة بالضفة خطرًا على جيش الاحتلال؟




.. شبان يعيدون ترميم منازلهم المدمرة في غزة