الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تغيرت العلاقة بين الدين والدولة في فرنسا ؟

رباح حسن الزيدان

2011 / 4 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بعد نهاية الإمبراطورية و إعادة العرش الملكي أو ما اصطلح عليه بالفرنسية Restauration ،هذه المرحلة الملكية حافظت على نفس النظام الديني القائم مع بعض التغييرات.فميثاق 1814 يؤكد حرية الاعتقاد ثم أدخل فكرة المساواة في هذا المجال:" كل شخص لديه الحق في الجهر بدينه مع مساواة في الحرية،ويحصل فيما يتعلق بعقيدته على نفس الحماية". لكن الكاثوليكية بقيت محافظة على موقع متميز،بل أصبحت "دين الدولة"،بينما كانت في السابق هي "دين غالبية السكان". أيضا وزراء العقيدة الكاثوليكية وعقائد مسيحية أخرى حصلت لوحدها على رعاية من الدولة،بما في ذلك رجال الدين البروتستانت مع استثناء الحاخامات اليهود.
إذن المساواة بين الطوائف لم تكن محترمة بشكل كلي،لاسيما العلاقة بين الدولة ودين بعينه هو الكاثوليكية،ازدادت عمقا وقوة.وهنا يشير بعض الكتاب الفرنسيين إلى تراجع أصاب الدين والدولة معا،فعندما تفضل الدولة دين أو طائفة معينة تكون دولة طائفية ولا يمكن تسميتها بالعلمانية أو حتى دولة حديثة؛وعندما فقدت الكاثوليكية جزءا من حريتها لصالح الدولة تكون خاضعة وتابعة لهذه الدولة.
بالنسبة لميثاق عام 1830 سيأخذ العديد من النقاط التي وردت في ميثاق عام 1814 ومنها: حرية المعتقد،المساواة في حماية الطوائف والأديان،وإعطاء الرواتب لوزراء الكاثوليكية والمعتقدات المسيحية الأخرى،كما ورد في المادة الخامسة و السادسة من الميثاق. لكنه في نفس الوقت سيدخل بعض التغييرات الهامة،فالكاثوليكية لم تعد "دينا للدولة"، بل "دينا لغالبية السكان في فرنسا"(المادة السادسة،فقرة أ)،أيضا انتقل الدين من المجال أو الفضاء العام للدولة إلى المجال الخاص للفرد. مع ذلك،لم يصل ميثاق 1830 لحد الفصل الكامل بين الكنيسة والدولة كما كان يطالب بعض الليبراليين آنذاك وفي مقدمتهم "Lamennais".أما المساواة بين العقائد فكانت محترمة بشكل أفضل،لأن ميثاق عام 1831 الصادر في 8 شباط،وافق على منح رواتب ورعاية للمعتقد الإسرائيلي. في دستور عام 1848،تم التأكيد على حرية المعتقد والمساواة في حقوق الحماية كما ورد في مادته السابعة فقرة أ:"لكل الحق في جهر دينه ويحصل على مساعدة الدولة فيما يخص ممارسته لعقيدته والمساواة في حق حمايته".
لم يذكر هذا الدستور الديانة الكاثوليكية،ولكنه أقر بحق جميع المعتقدات بالحصول على رعاية الدولة،المعتقدات الموجودة أو التي ستكون في المستقبل وفق الترتيب التالي كما جاء في الدستور : الكاثوليكية،البروتستانتية واليهودية؛أما القصد في المعتقدات المستقبلية فقد كان الإسلام،حيث أن فرنسا بدأت بالحديث عن ذلك بعد احتلال الجزائر.
بالنسبة لدستور عام 1852 والقوانين الدستورية لعام 1875 لم تتضمن أحكاما خاصة تتعلق بالدين.فالعلاقة بين الدين والدولة بقيت خاضعة للميثاق و المواد التنظيمية،مع الإقرار بوجود العديد من الصعوبات في زمن "الإمبراطورية الثانية"،ولاسيما في بداية الجمهورية الثالثة.ففي عام 1867، أعلن Jules Simon تفضيله للفصل بين الكنائس والدولة،وذلك في خطاب داخل الهيئة التشريعية في 3 كانون الأول. أيضا في عام 1869، قدم Gambetta في برنامجه الجمهوري مطالبة "بإلغاء ميزانية المعتقدات و الأديان وبفصل الدين عن الدولة،و بعلمانية التعليم". وفي عام 1871،أصدرت كومونة باريس قرارا بالفصل بين الكنائس والدولة وإلغاء ميزانية الأديان باسم حرية المعتقد.

في عام 1880، نقرأ في برنامج "حزب العمال"،والذي أصبح"حزب العمال الفرنسي"عام 1893 ،الذي كتبه Jules Guesde ،المطالبة بإلغاء ميزانية الأديان والطوائف. مع ذلك يمكن القول أنه في العقود الثلاثة الأولى من عمر الجمهورية الثالثة،حافظت هذه الجمهورية على النظام التوافقي والذي يسمح لها بالسيطرة على الكنيسة الكاثوليكية.مع مطلع عام 1880،أصبحت العلاقة بين الكنائس و الدولة تتنظم وفق العديد من المقاييس التشريعية والتي تذهب جميعها باتجاه العلمنة . واستطاعت الدولة الابتعاد عن الدين في مجالين :التعليم و الجمعيات الرهبانية.فقد حققت علمنة التعليم في المراحل الأولى من خلال قانون 28 آذار 1882:"التعليم الديني يحذف من البرامج ويجب أن يعطى خارج المدرسة". أما قانون 30 تشرين الأول 1886 فيقول:"في المراحل التعليمة الأولى،التعليم يعطى فقط لأشخاص علمانيين،ويتم تبديل المتدينين بشكل تدريجي".ومن الملفت للنظر هنا كما يقول Maurice Barbier أن علمانية التعليم سبقت الفصل بين الدين والدولة بعشرين سنة.
بعد عشرين عاما أصبحت فرنسا أمام قواعد جديدة أكثر صرامة مع الجمعيات الرهبانية والدينية.ولكن مع قانون تنظيم الجمعيات في فرنسا الصادر في 1 تموز 1901،تم الاعتراف بحق تأسيس الجمعيات والروابط،أما بالنسبة للجمعيات الدينية فيضع هذا القانون حدودا واضحة لها،حيث أصبحت خاضعة لترخيص من الحكومة والتي يمكن بدورها أن تصدر قرارا بحلها أيضا :" لا يمكن لأية جمعية دينية أو كهنوتية أن تتشكل من غير ترخيص بقانون يحدد ظروف عملها.لا يمكنها أن تؤسس أية مؤسسة جديدة إلا بقرار من مجلس الدولة.أما حل أو إغلاق أي منها فيكون بقرار من مجلس الوزراء". أيضا بالنسبة للجمعيات الموجودة وغير المرخصة عليها أن تطلب ترخيصا خلال ثلاثة أشهر.أما أعضاء الجمعيات الكهنوتية الغير مرخصة لا يستطيعوا إدارة مؤسسة تعليمية ولا حتى التعليم فيها،وهذا في الواقع يستهدف الجمعيات الدينية التعليمية لاسيما اليسوعية منها.
عمليا،إن البرلمان الفرنسي المنتخب في 1902،كان حازما وضد طبقة الأكليروس،أما حكومة Combes والتي استمرت من عام 1902 حتى 1905،فقد رفضت جميع طلبات الترخيص المقدمة لها من قبل الجمعيات الكهنوتية
وفي بعض الأحيان من غير دراسة.وقد وصل عدد الطلبات المرفوضة إلى أكثر من 85 طلبا،و 314 طلبا معلقا.
وفي نهاية حديثنا عن العلمانية بين عامي 1789 و 1905،يمكن القول أن الفصل بين الدولة والدين في فرنسا كان يفترض فصلا أعمقا بين الدولة و المجتمع المدني.إن الدولة لم يكن لديها القدرة الكاملة على تحقيق الفصل عن الدين،وبالتالي عجزت من تحقيق الفصل بينها وبين المجتمع المدني.بالنسبة للثورة الفرنسية أشعلت مسيرة الحداثة السياسية والتي قادت إلى دولة حديثة يمكن ملاحظة الفصل بينها وبين المجتمع المدني. لكن هذه المسيرة عرفت الكثير من الإخفاق والنجاح ومن العودة إلى الوراء،خاصة مع إمبراطورية ما أطلق عليه في التاريخ الفرنسية "بإعادة العرش الملكي" Restauration. لقد فسرت العودة إلى الوراء بأن الدولة الفرنسية كانت في الكثير من مراحل إخفاقها بحاجة للدين من أجل نفسها وليس من أجل الدين،بمعنى أنها ووفق العديد من المؤرخين الفرنسيين لم تكن دولة مكتملة. إذن هذه الفترة من تاريخ فرنسا يمكن أن توصف بالمرحلة التحضيرية لإقامة العلمانية الكاملة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah