الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية في الدساتير الفرنسية

رباح حسن الزيدان

2011 / 4 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يمكن القول أن الفصل بين الكنائس والدولة في فرنسا تم إنجازه نهائيا بعد الحرب العالمية الثانية، واعتبارا من هذا التاريخ بدأت المسألة الدينية تُطرح بشكل آخر.ويعود السبب كما يرى بعض المثقفين الفرنسيين إلى أن مفهوم العلمانية تطور بين الحربين العالميتين: فالدولة بدأت بتقبل التعددية والاختلاف، أما الكنيسة الكاثوليكية رأت في حياد الدولة تشجيعا للحرية الدينية. إذن في هذه الحالة أصبحت فكرة العلمانية مقبولة بشكل كبير رغم الاختلاف و الجدل حول مفهومها.وضمن هذه الظروف بدأ ظهور العلمانية في القانون الدستوري،مع بداية 1949،ثم 1958،وهذا ما سمي "بالعلمانية الدستورية" في المصادر الفرنسية.
والعلمانية في دستور 1946: تضمن هذا الدستور في مقدمته مادة هامة حول العلمانية وهي (أ.13). تلح هذه المادة على حرية المعتقد والعبادة وتشير إلى ضمانهما من خلال حيادية الدولة فيما يتعلق بالدين،ومن خلال الفصل بين الكنائس والدولة،وأخيرا بواسطة علمانية السلطات العامة :" حرية المعتقد و العبادة مكفولة بواسطة حيادية الدولة تجاه جميع المعتقدات والعبادات.إنها مكفولة لاسيما من خلال الفصل بين الكنائس والدولة،وأيضا من خلال علمانية السلطات العامة والتعليم العام".
هناك اختلاف بين هذه المادة من الدستور وبين قانون العلمانية لعام 1905. فالقانون لعام 1905 يؤكد أن الجمهورية تضمن في البداية حريات الاعتقاد و العبادة،ثم يقرر بألا يعترف نهائيا برواتب لرجال الدين من جميع الأديان. ولكن ليس هناك ما يربط بين هاتين النقطتين،بالرغم أن النقطة الأولى تظهر وكأنها ضمان ضروري وذلك قبل الانتقال إلى النقطة الثانية والتي هي هدف القانون الحقيقي والجوهري. بينما المادة 13 من مشروع دستور 1946 تقيم علاقة واضحة بين النقطتين أي بين (حريات الاعتقاد و العبادة، ورواتب رجال الدين)، أي أنها تؤكد أن حيادية و علمانية هما اللتان تكفلان حرية المعتقد والعبادة . إن الوصول لكتابة هذه المادة يبين الأولوية المعطاة للحرية الدينية بالنسبة لعلمانية الدولة. أكثر من ذلك،هذا الموضوع يُعرَّف من خلال الحيادية إزاء المعتقدات والعبادات،لأن حيادي فيما يتعلق بالدين وأن الدولة هي دولة علمانية حقيقية ولديها القدرة على ضمان الحرية الدينية. بمعنى آخر،هي دولة حديثة تكفل حريات الأديان في مجتمع مدني. أخيرا يشار على أن هذا الدستور تم رفضه وبالتالي لم تطبق مواده.
والعلمانية في دستور عام 1958 : هذا الدستور عمل على إعادة تأكيد بأن :"فرنسا هي جمهورية علمانية"،من غير أن يعرف كلمة العلمانية. العديد من رجال الدين تمنوا حذف هذه الموضوع من الدستور لكنهم لم ينجحوا في ذلك بسبب الصعوبة الكبيرة في رفض المادة من الدستور. ومن اجل طمأنة الكاثوليك تمت إضافة جملتين في اللحظة الأخيرة على المادة 2:" فرنسا تضمن المساواة أمام القانون لجميع المواطنين من غير تمييز في الأصل،العرق أو الدين.إنها تحترم كل المعتقدات". هذا الشكل من الدستور يؤكد الكثير من الفرنسيين أنه لا بد أن يفهم ضمن سياقه الذي كتب فيه،أي أنه يهدف إلى حرية الاعتقاد والعبادة،ولكن من غير التوقف فقط عند المعتقدات الدينية.إنه يقود لشرح مفهوم العلمانية ضمن معنى الحرية الدينية وحيادية الدولة.
العديد من رجال الدين الكاثوليك رفضوا إبقاء كلمة "علماني"في الدستور،لكنهم أكدوا أن هذا لن يؤثر على تصويت الكاثوليك في فرنسا فيما يتعلق بالدستور. ورغم دقة المادة 2 من الدستور،إلا أن الشك بقي مصاحبا لمفهوم العلمانية،والذي لم يتم تعريفه بشكل واضح. ولمعرفة المفهوم بشكل أعمق لا بد من العودة إلى النصوص القانونية الماضية،لاسيما قانون 1905. أما،وفيما يتعلق بالموضوع الجوهري،فالدستور يؤكد أن الجمهورية تضمن حرية المعتقد والعبادة،وأنها "لا تعطي رواتب،ولا رعاية خاصة للمعتقدات".
إذن معنى العلمانية المستخدم في دستور 1946 يختلف بوضوح عن دستور 1958 حيث في هذا الأخير له معنى أوسع. ففي الدستور الجديد معنى العلمانية لا يتعلق فقط بالعبادات،بل بالدين بشكل عام،مع جميع توظيفاته الأخرى وخاصة في ميدان التعليم. إنه لا يهدف فقط لإلغاء المساعدة المالية للعبادات،بل لضمان حرية دينية كاملة.أيضا يبعد الدولة عن تدخلها في المجال الديني،وحتى فيما يتعلق بالجمعيات الكهنوتية.بمعنى آخر،هذا الدستور يشكل نهاية لكل أشكال الغاليغانية. فالدولة العلمانية من الآن فصاعدا منفصلة كليا عن الدين وحيادية تجاهه. أما مختلف الطوائف فيمكنها أن تنتظم وتمارس نشاطها بكل حرية،ولكن بشرط احترامها للنظام العام الذي تضعه الدولة.
في الواقع، العلمانية الفرنسية لم يتم تأسيسها من خلال مرحلة واحدة،كما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية،بل من خلال مرحلتين اتخذتا شكلا مختلفا.فمن جهة، العلمانية التشريعية والتي بُنيت من خلال قانون 1905 ويتصف بفصل الدين عن الدولة (وهو غير كامل)،ومن جهة أخرى،العلمانية الدستورية التي نتجت عن دستور 1946 ودستور 1958 وتتصف بحياد الدولة والحرية الدينية. أيضا يمكننا أن نميز بين العلمانية/الفصل، والعلمانية/الحياد.هذا الشكلان من العلمانية لا يتعارضان ولا يتباعدان،ولكن ليس لديهما نفس المعنى ولا نفس النتائج،بل هي نتائج مختلفة.
إن علمانية الدولة الفرنسية أو الجمهورية، والتي تأكدت في عام 1905 واكتملت فيما بعد،تعني بداية أن الدولة هي كليا منفصلة عن الدين وقد حققت تطورها الخاص.أي أنها أصبحت دولة حديثة بشكل حقيقي وليس مزيف،فهي كليا في خدمة المصالح العامة. ومن الجدير بالإشارة هنا أن العلمانية ظهرت بشكل واضح في دستور 1946 و 1958 وهي متطابقة مع حقوق الإنسان المستند لإعلان الثورة الفرنسية 1789. هذا الفصل الكلي بين الدولة والدين يحقق الفصل بين الدولة و المجتمع المدني. فالفصل الأول يحقق الحرية الدينية والثاني يتطلب حقوق الإنسان.أيضا العلمانية هي ضرورية من أجل بناء دولة حديثة حقيقية ومن أجل تحقيق عميق وكامل للحداثة السياسية.
العلمانية تعني أيضا أن الدين يخرج كليا من الفضاء العام للدولة ويصبح داخل فضاء المجتمع المدني.إذن العلمانية تقود إلى الحرية الكاملة ويمكنها أن تتطور من غير عقبات.أما الدولة يجب أن تبقى حيادية في هذا الشأن وهذا يقود بدوره وفي النهاية إلى الحرية الكاملة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah