الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة ... ما بين الإدراك والتدارك

هيبت بافي حلبجة

2011 / 4 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الثورة ... مابين الإدراك والتدارك
هيبت بافي حلبجة
إن العلاقة الجدلية التي تحكم الأشياء في طبعها وطبائعيتها لاتكمن ، على الإطلاق ، في واحديتها ولا في وحدة الإئتلاف فيما بينها ، إنما في السمة السائدة ، ذات العلاقة الوحيدة المستحكمة في مفهوم التناقض ، والتي لاتقف عند حد البنى التحتية ، بل تتجاوزها لإنجاب الوعي المرادف وتمثيله في ما بعد تمثيلها ، هي بالذات . كما إن هذه العلاقة الجدلية لاتظهر على السطح دائماُ ، بل هي تبقى على الأرجح مثل اللاشعور المعرفي ، يرانا ونحن لانراه ، يتجسد فينا كما يتجسد الضوء في الظلام ونحن نعتقد ، بل نحن واثقون كل الثقة ، كالأغبياء ، من إننا أحرار مدركون ، الإدراك كله ، لقوة النفاذ إلى ( الحقيقة ) ، وكأننا جزء سرمدي من الوعي الذي يتأبد ويقهر التناقض ويهشم السمة السائدة و يهرس تلك العلاقة الجدلية ، بل وكأننا ذاك السر الدفين في الذات الإلهية ، كذروة الإئتلاف في مبدأ وحدة الوجود . وإذا كانت هذه العلاقة الجدلية لاتظهر ، لاتستبان ، فلإن ، من زاوية أولى ، وعينا ليس جزءاُ من التاد الصيني ،ولا من دهارما في الفلسفة الهندية ، ولا من اللوغوس الهيراقليطيسي ، ولا من النوس الأناكساغوراسي ، إنما هو وعي للتاريخ البشري ، ليس مفارقاُ عنه ، وعي للتجربة الإنسانية كبعد مولود منها وبها لكنه فاعل ينجب ، كألوحدة في اللاكثرة ، كأللاكثرة في الواحد ( بعكس ما أعتقد لالاند ، وليفي شتراوس ) ، ومن زاوية ثانية ، الوعي البشري مسكون ، للأسف ، وربما من حسن الحظ ، بالمكان ، مقهور بأبعاده ، منتهك بمكنوناته ، مستباح بأجتياحه ، ومن زاوية ثالثة ، الوعي الإنساني تكاملي وليس تفاضلياُ ، وهذه هي السمة والخاصية الأكثر سلبية في ماهيته ، والأكثر قبحاُ وشناعة في آدائه ، وفي اتساقه . إن هذه الزوايا الثلاثة تميط اللثام عن مدى الغبن والإجحاف اللذان لحقا بالعلاقة الجدلية على يد فيلسوفين ، أحدهما ، كبير وهو هيجل ، والثاني ، أقل شأواُ وعظمة منه ، لكنه لايقل أجتهاداُ ، وهو هربرت ماركيوز . فالأول ، أي هيجل ، أخضع بصفة مطلقة مفهوم العلاقة الجدلية لمحتوى الفكرة المطلقة ، وجعله وسيلة لتطور هذه الفكرة ، بحيث أمسينا إزاء الأنتقال من مقولة إلى أخرى بأصطناع حالة سيولية لاتمت إلى الحالة الوقائعية الفاعلة ، حسب تعبير جان بول سارتر ، وكأننا إزاء تاريخ الفكرة نفسها لبلوغ العقل الكلي أو الوعي المطلق . أما الثاني ، أي هربرت ماركيوز ، فقد سعى جاهداُ إلى إنقاذ العلاقة الجدلية من التهيش الباهت بتقويم مسارها لدى سيده هيجل ، ومنحها شيئاُ من أبعاد الفلسفة و التاريخ والتمازج فيما بينهما ، بل حتى التماهي ، إلا إنه حينما أجتهد بإضافة منطوق الوعي ، أضحى فريسة لهذه الثلاثية ( الفلسفة ، التاريخ ، الوعي ) ، وأنكمش ضمن إشكالية الوعي السلبي ، فغدا التاريخ لديه تاريخ الأستلاب ، والفلسفة لديه هي فلسفة النفي ، والوعي كبح وأبطل لديه الحيوية المفترضة للعلاقة الجدلية . وفي الجانب الآخر ، المعاكس ، لتأصيل هذه المسألة ، برز كارل ماركس وصاحبه أنجلس ، وكل من غرامشي ، وأرنستو كلاو ، ومهدي عامل . لم يدرك كارل ماركس ولاصاحبه أنجلس ، في البداية ، الدور الوظيفي المناط بالعلاقة الجدلية ما بين الموضوع والمحمول ، أو الدور التاريخي في الأنتقال من مرحلة أدنى إلى مرحلة أعلى ، وحينما أدركا عظمة ووظيفة هذه المقولة ، أدركا بالتوازي وبصورة أفضل أرتباط المقولات السابقة فيما بينها ، لأنها ترسخت ، لديهما ، على قاعدة أكثر ( تاريخانية ، فلسفية ، علمية ) ، وتأكدا فيما بعد إن المقولة الوحيدة التي كانت تنقذهما ، على طول المتقاطعات ، هي الأستغلال . أما غرامشي فقد أضفى إليها شيئاُ من العلمية في أدراك عظمة هذه العلاقة من خلال مفهوم الوظيفة الإفرازية لطبقات ( وشرائح ) المجتمع ، وأما أرنستو كلاو فقد أستكشفها من خلال محتوى مقولة القمع ، وأما مهدي عامل فقد أستنطقها من خلال تناقضات الواقع الفعلي . وهذا المحتوى الإيجابي والأكيد للعلاقة الجدلية ، فيما يتعلق بالأحداث ( الثورات ) التي تجتاح الآفاق العربية ، هو مايبدو غائباً في ذهن المفكر العربي . هذا الذهن الذي يسعى خطأ إلى ربط ( هذه الثورات ) سواء بإحدى هذه المفاهيم أو كلها مجتمعة ( الفقر والجوع ، العطالة والبطالة ، القمع والعنف ، الأستبداد والظلم ، القهر والضغط ، الغبن والإجحاف ) أو ( عدم وجود أصلاحات ، تطبيق حالة الطوارىء ، عدم وجود قوانين للأحزاب ، عدم وجود تقنين للحريات العامة ، الأعتقالات التعسفية ) أو ( السلب والنهب ، أستشراء الفساد ، المحسوبية ) أو ( السياسة ومضامينها ومجالاتها المتعددة والمتباينة بالمعنى المحض لها ) أو ( أحتجاز كرسي الحكم إلى الأبد ) . من المؤكد إن هذه العوامل جميعها مجتمعة ، أو بصورة متفرقة ، ساهمت وتساهم في نفي العلاقة ما بين السلطة والنظام وبين مجمل شرائح المجتمع وأطيافه وفئاته ، لكن الذي يجري على الساحة العربية الآن تحديداُ يتعدى هذه الأمور رغم أهميتها القصوى بل القاتلة ، لإن العلاقة هنا هي علاقة تبادل ، توازن ، مقادير كمية ، فعل ورد فعل ، لاترتقي إلى مستوى العلاقة الجدلية التي هي جزء أصيل من فحوى الحدث وقيمته الإدراكية ، لذلك كيلا نغدر بها نحن ، نعتقد إنها ، أي العلاقة الجدلية ، في الحدث ( الثورات ) تماهت وتتماهى من ثلاثة مسائل هي ، المسألة الأولى ، إن الشعور العربي حايث كلياُ حالة الأغتراب ليس في مكنوناته ، إنما في كينونته ، فهو في الحقيقة لايتمرد على ( السلطة والنظام ) فقط ، إنما هو يتمرد قبل ذلك على ذاته ، على فشله التاريخي ، على تبعيته المقيته ، لذلك تصرف ( ولم يقرر ، لإنه أصلاُ لايستطيع أن يقرر ، ومن هنا لم يدرك المفكر العربي عمق الحدث ) كي يقطع مع الحاضر على كافة الصعد ، السياسية ، الأجتماعية ، المعرفية ، الفكرية ، وكأن المسألة أنتقلت من مرحلة التراكم الجيولوجي ( التعويض الأجتماعي ، السياسي ، الإقتصادي ) إلى مرحلة التعويض الجيولوجي ( أريد ذاتي حية ، أريد كليب حياً ) ، ومن هنا تحديداً ، هو يرفض مفهوم الإصلاحات ، وينادي بإزاحة رأس السلطة ، ونظام السلطة ، وإنشاء دستور جديد ، لإن كل المعطيات الأخرى ( الديمقراطية ، حقوق الأنسان ، الحريات العامة ، العيش بكرامة .. ألخ ) ستحقق بعد أن تتحقق الأمور الثلاثة السابقة . فإعادة الحياة إلى المستقبل ( والذات المستلبة ) لامحيص من إيقاف الحاضر أولاُ . المسألة الثانية ، إن اللاشعور العربي العام ( اللاشعور النفسي الفرويدي ، اللاشعورالمعرفي – جان بياجه ، اللاشعور العام اليونغي ) قد تهدمت وأنهشمت مرتكزاته ، وولج ، هو ، في مرحلة الموت السريري ، ليبلغ نقطة اللارجوع ، نقطة التي عندها لم يعد له أي تأثير على النظام العام ولا على تحديد مقومات العقل ، المنطق ، ولا على أبعاد تحديد الهوية ، لذلك فإن التمرد لم يخضع للمقايسة ، ولا لمفهوم الشرط ، ولالمحتوى الركن ، ولا للأساليب السياسية المعهودة ، ومن هنا بالذات كان التمرد ضد ( المعارضة ) مثلما هو ضد ( النظام القائم ) ، ضد السياسة ، ضد الفكر ، ضد السوسيولوجيا ، ضد التاريخ ، ضد الكل لولادة الكل ، لولادة لاشعور جديد ، ( قد يستغرق لأكتماله عدة قرون ) ، وليس أدل على ذلك من ، أولاُ ، إن هذه الثورات بدأ بها أناس ( فتيان ) لا لون سياسي لهم ولا إتجاه معرفي مسبق ، هم فتية يصرخون من الأعماق ، يصرخون وكفى ، يصرخون صرخة من اللاشعور ضد اللاشعور ، ثانياُ ، إن ( النظام ، والأجهزة الأمنية ، والشرطة ) يعترفون بضرورة ( الإصلاحات ) حتى لو كان ذلك نفاقاُ ودجلاُ ، والآن لو بقي القذافي ، وصالح ، ورجع مبارك و بن علي إلى دست الحكم ، فإنهم سيكونون ( أشباه ثوار) . المسألة الثالثة ، إن الغرب الرأسمالي لايستطيع ، ولم يستطع إلا أن يتعامل مع الأحداث وفقاً لمعادلات مغايرة ، لإن الواقع جديد ، ولبروز عنصر جديد ، عنصر يغاير القديم ، عنصر لم يكتمل بعد ، لكنه قادم بكل ثقة ، بكل موضوعية ، وبصورة بنيوية ، عنصر صادر الحاضر لمصلحة المستقبل ....
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم تحذيرات الحكومة من تلوث مياهها... شواطئ مغربية تعج بالمص


.. كأس أمم أوروبا: فرنسا تسعى لتأكيد تفوقها أمام بلجيكا في ثمن




.. بوليتيكو: ماكرون قد يدفع ثمن رهاناته على الانتخابات التشريعي


.. ردود الفعل على قرار الإفراج عن مدير مجمع الشفاء الدكتور محمد




.. موقع ناشونال إنترست: السيناريوهات المطروحة بين حزب الله وإسر