الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شباب الثورة وحالة الاغتراب

ديمة كرادشة

2011 / 4 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ان الحالة التي تشهدها الأوساط السياسية والإجتماعية والثقافية في المنطقة ، والتي تقود زمامها القيادات الشبابية ، انما هي حالة او ظاهرة اجتماعية بحاجة الى البحث والمراجعة والتمعن أكثر في تحليل العديد من النظريات الاجتماعية والسياسية وغيرها من نظريات العلم والمعرفة ، كي نفهم طبيعة ما يجري لما اسماه البعض " تسونامي الوطن العربي " . فلقد لجا البعض من علماء الاجتماع والفلسفة وعلم النفس الى التحليل والفهم لهذه الظاهرة مرتكزين على مبادئهم السابقة والتي ظهرت في وقت كانت تعتبر مجدية وفعالة ،الى ان وصلت الى الحالة التي اثبتت فشلها او بمعنى ادق عجزت عن تفسير ما يحدث في الوقت الحاضر أو التبؤ بما سيكون، ونظراً لكون المجتمعات البشرية عبارة عن سلسلة من العمليات المتطورة والمتغيرة وليس حالة مستقرة قد لاتتواءم والنظريات القديمة في كل زمان ومكان ،كان لابد لذوي الإختصاص واصحاب الفكر من مواكبة هذه التغييرات وايجاد منظومة جديدة من المفاهيم والمبادئ تنبع من تجارب الواقع الحالي وتعطي لهذه الحركات الاجتماعية الحديثة منهجاً وفكراً حديثاُ يبنى عليه مستقبل الجيل القادم ويؤسس رؤية كونية تنير الطريق الذي خطته تضحيات الشباب وثوراتهم . كما ان الأنظمة الحاكمة ليست هي فقط المعنية في تلبية حاجات ومطالب القوى الشعبية بل في المشاركة مع كل فرد واعي وعقلاني يسعى الى بلورة هذه الثورات بفكر حديث ديناميكي يتشاركون به ليقدموا نظرة شاملة غير مجتزئة او مختزلة في اطار شامل يضم الجانب السياسي، الإجتماعي ، الإقتصادي و حتى النفسي . ومن هنا احاول ان اقدم اضاءة بسيطة ليس من باب الاختصاص ولكن من باب الفهم والبحث عن تفسير عسى ان يتكامل مع معاني ومفردات اخرى احدثتها هذه الثورات .

ان حالة الاضطراب والقلق التي يمر بها الفرد ، قد تنشأ من عدة عوامل مجتمعة او منفصلة ولكنها تتقاطع معا في شكل حراك اجتماعي متعدد الاسباب ولكن المطالب واحدة ، والتي تتكون من الحرية والعدالة والمساواة . وهي من وجهة نظر علماء النفس والاجتماع ؛ مطالب مشروعة ونابعة من عدة اسباب واحداها والذي يبحث في الجانب النفسي ، وهو الشعور بحالة من "الاغتراب "، والتي لا تعني الشعور بالغربة لكون الفرد بعيد عن وطنه او اهله في ظرف المكان ، بل لكونه بعيد عن ذاته ، وعن مجتمعه ،وعن وطنه بالمعنى المجازي .إذ عندما يشعر الفرد بأن تعبه وجهده لا يمكّنه من جني ثمارهما وانه ليس هو المالك الحقيقي لثرواته وطاقاته وان الواقع يسحق شخصيته الانسانية ،يؤدي ذلك الى الشعور بأنه كائن ضعيف يعتمد في كيانه على قوة خارجية تسيطر على مدار حياته ،الامر الذي يجعله غريب عن وطنه ومجتمعه بالاضافة الى شعوره بانه غير قادر على تغيير الوضع الاجتماعي الذي يتعاطى معه مما يفقده الهدف الذي يشكل حافزا لإستمرار حياته وهنا يبدأ في الإحساس بحالة من العزلة عن اهداف مجتمعه ، الأمر الذي يشكل تصدعا في علاقته مع النظام الذي يعيش فيه سواء أكان نظام سياسي او اجتماعي او حتى داخل اسرته والتي اصبحت تنال من هذا التعدي الجائر من خلال المساس بلقمة العيش .ومن هنا ننتقل من الخاص الى العام وتصبح القضية قضية مواطن ووطن يعيش فيه وبعلاقة مشروخه قد تؤدي الى حدوث الهزات الاجتماعية كما نشهدها اليوم .

وقد تنبه لهذه الحالة العديد من علماء الفلسفة والاجتماع عبر مسيرة الفكر الانساني ، بدءاً من عهد الاغريق وحتى يومنا هذا . فقد تحدث عنها سقراط و وافلاطون ومن تلاهم من الفلاسفة ، الى ان جاء هيجل وابرز اهمية هذه الحالة (الاغتراب) بصورة محددة الملامح وبين ذلك من خلال علاقة الفرد والدولة بالنسبة للواقع الاجتماعي وأنها ليست حالة فردية. ثم جاء ماركس واكد عليها في نظريته الاقتصادية والاجتماعية والتي حاول ان يفسر ظهورها كإحدى مخلفات النظام الرأسمالي داخل المجتمع الصناعي الطبقي ،الذي يؤدي الى شعور العامل بالاغتراب عن عمله لأنه لا يعطيه الفرصه والامكانيات الكافية لتحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية التي يسعى الى تحقيقها من خلال جهده وتعبه في هذا العمل ، حيث تذهب الارباح والمزايا لأصحاب رأس المال دون عدالة في توزيع الموارد .واتفق اصحاب الفكر الوجودي على أن فكرة الاغتراب هي " انعكاس التصدعات وانهيارات في العلاقة العضوية بين الانسان وتجربته الوجودية ، الذات / الموضوع ، الجزء /الكل ، الفرد/المجتمع، الحاضر /المستقبل " . كما عاد واشار اليها العديد من المفكرين وعلى سبيل المثال لا الحصر أمثال ملفن سيمون الذي استخدمها في شرح بروز ظواهر اجتماعية كالتعصب والوعي الطبقي والصراع بكافة انواعه وهو ما نشهده في هذه الايام . وقد قدم هذا المصطلح الذي يحمل طابع متعدد المعاني من قبل العديد من الباحثين وإن كان يقدم النتيجة ذاتها وهو الشعور بالاغتراب. أما في المجال النفسي فقد بين فرويد ان المريض بالاغتراب انما يعيش حالة من "القلق الاساسي" نتيجة افتقاده للقبول التلقائي والحب والعناية تماما كما هي حالة الفرد في سنوات عمره الاولى ،وعندها يبدأ بالتوجه الى البحث عن قدر اكبر من الحرية والتعبير عن الذات ويكسر بذلك حالة السكون الظاهري التي تتطابق وحالة الشعوب العربية جميعاً، هذه الحالة التي كانت تعيشها هذه الشعوب تجنبا لمواجهة مؤلمة كان يعتقد انه غير قادر عليها نتيجة لضوابط فرضتها الحالة الاستبدادية من قبل انظمة الدول .
لقد جاء هذا الاستعراض المقتضب فقط لبيان الحالة المتمثلة في الصراع بين الفرد وذاته والتي لابد وان تجعل الفرد في حالة من اللاتوازن والقلق والتي تؤدي بدورها الى عدم الاستقرار والفوضى ، والتي تدفعه بالنهاية الى تغيير جذري (ثورة) في كافة الظروف والعوامل المؤدية لذلك الى ان يصل الى الحالة التي يشعر بها بالرضى من وجوده في هذه الحياة ويحصل على مكتسبات تعبه وجهده بعدالة ومساواة . ومن هنا لابد من إعادة النظر في مكونات الحراك الاجتماعي التي تدفعه قدماً الى الامام مجموعة من الظروف المادية وغير المادية وتحافظ على انسانيته ،والتي تعتبر صفة أصيلة لا يمكن إغفالها حتى وإن جارت عليها المطامع والمصالح الفردية ولكن في النهاية يبقى الانسان بطبيعته التواقة الى الحياة بحاجة الى الشعور بالعدالة والمساواة مع بقية افراد جنسه فهو لا يخرج عن اطار كونه كائن اجتماعي بالدرجة الاولى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حالة الشباب اليوم
هيفاء حيدر ( 2011 / 4 / 3 - 22:25 )
شكرا ديما موضوع هام التطرق له اليوم كون الشباب باتوا يشكلون الحامل الإجماعي للثورة ولم يعد هناك من مجال ان نقول هل الظروف مؤاتية أم لا لقد فرض الشباب حقيقة التغيير ولا بد من التعاطي مع ذلك

اخر الافلام

.. واشنطن: بدء تسليم المساعدات الإنسانية انطلاقاً من الرصيف الب


.. مراسل الجزيرة: استشهاد فلسطينيين اثنين بقصف إسرائيلي استهدف




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش إرهاق وإجهاد الجنود وعودة حماس إ


.. شاهد| اشتباكات عنيفة بين فصائل المقاومة والاحتلال وسط قطاع غ




.. الداعية الأزهري رمضان عبد المعز: ابن تيمية جاء في ظروف قاسية