الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هدم الأضرحة .. وعقائد البدو

عباس منصور

2011 / 4 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حسب مفهوم بعض جماعات الإسلام تُعتبر الأضرحة التي تضم أو تشير إلى بعض رجال الله الصالحين، تعتبر من رموز الشرك بالله وإضعاف العقيدة الإسلامية .. وأن احترام هؤلاء الأولياء والتقرب من خلالهم إلى الإله الواحد الذي عرشه في السماء من قبيل الشرك الصريح وفساد المعتقد، وعليه قام هؤلاء – عندما سنحت لهم الفرصة - بهدم هذه الأضرحة باعتباره عملاً جهادياً من أعمال التوحيد وتصحيح العقيدة الفاسدة والعودة بالإسلام إلى منابعه التوحيدية الخالصة .. كل ذلك حسب مزاعمهم ومفاهيمهم الخاصة لرسالة الإسلام.

ولهؤلاء وأمثالهم أقول: إن هذه الأضرحة التي يهدمونها كانت قائمة بمصر قبل بعثة النبي إبراهيم ونسله النبوي المقدس .. وإن إبراهيم نفسه عندما جاء إلى مصر ومن بعده حفيده يعقوب وأبناؤه الأسباط وصولاً إلى موسى ثم عيسى وأمه مريم ومن بعيده تلميذه مرقص في القرن الأول الميلادي، كل هؤلاء عندما أتوا إلى مصر كانت بها أضرحة لأولياء الله الصالحين من أتباع الديانة المصرية القديمة، وعليهم أن يعودوا إلى مصر ومعالمها الأثرية وخصوصاً الجبَّانات ومعابد إيزيس المقدسة بامتداد وادي النيل عبر أكثر من ثلاثة آلاف سنة قبل ميلاد المسيح الذي أتى من نسل إبراهيم النبي.

وعندما جاءت المسيحية فارضة نفسها بالقوة في النصف الثاني من القرن الثالث الميلادي وجدت الأضرحة ومعابد إيزيس، وعندما جاءت جيوش الإسلام بقيادة عمرو بن العاص كانت هناك الأضرحة موجودة، وقد أضيف إليها المزيد لقديسين مسيحيين، وما النزعة المصرية لإقامة الأديرة إلا استجابة لروح التصوف المصري الذي اعترض على نشر المسيحية بقوة السيف الروماني في القرن الثالث الميلادي.

وبعد قرون من استيطان العرب المسلمين لأرض مصر قامت أضرحة جديدة لأولياء الله من المسلمين في كل أنحاء مصر من سيدي براني في أقصى الغرب وحتى سانت كاترين في أقصى الشرق، ومن سيدي أبي الحسن الشاذلي في أقصى الجنوب وحتى سيدي المرسي أبي العباس في أقصى الشمال، وكل ذلك قد تم وفقاً للخضوع الطبيعي لسلطة المكان والشعب الذي يختار دينه ويحترم تعاليمه وأخلاقياته عبر العصور. وما زالت الأضرحة تُشاد عبر الحقب وحتى القرن الحادي والعشرين في أرجاء المعمور المصري وفقاً لمشيئة التدين المصري.

ذلك لأن التدين في مصر هو جوهر الهوية، والشخصية المصرية يقوم أساسها وعمودها الرئيسي على الدين الذي اكتشفه الشعب عبر آلاف الحقب، فكيف لا يصغي مثل هؤلاء النفر المتسرعين والمتسلحين بروح البدو والصحراء ممن يطلقون على أنفسهم لقب " السلف" .. كيف يجرؤون على تدنيس المعتقد وفرض روح الله حسب مفهومهم بالقوة والبطش والهدم والصدام ؟ والأولى لهم أن يتعلموا ويصغوا إلى روح المكان وأشواقه الحقيقية في التدين ومعرفة الله الحق.

لقد بدأ الإسلام في جزيرة العرب وشاد الكثير من تشريعاته وعباداته على عادات وأعراف كانت للبدو قبل مجيء النبي محمد، ومنها شعيرة الحج ذاتها وما تتضمنه من طواف حول حجر أسود في جدار ضمن غرفة مصمتة اسمها الكعبة.. أليس ذلك من وثنية العرب وقد أقرها الإسلام ؟!، وكلكم يعلم مكانة الحجر الأسود وتقبيله ومقولة عمر بن الخطاب في ذلك، أليس ذلك من الوثنية المحضة؟ فهل عندما جاء الوحي لنبي الإسلام بإقرار الطواف وتقبيل الحجر الأسود على شرائع بدو العرب .. هل كان الوحي تكريساً لوثنية العرب أم أنه الرمز ومسالك ودروب الوصول إلى رب الأكوان .. وغير ذلك الكثير من تفاصيل ديانة الإسلام وما تحمله من أعراف وتقاليد بدو العرب في الزواج والطلاق والصلاة والصوم والجهاد وحتى تربية الأولاد ورعاية الدواب والمعاملات التجارية والملبس والمأكل والمشرب لكن ليس السياق هنا سياقها.

إن في مصر أضرحةُ ومزارات للعارفين والكهنة في عصرها القديم ، وفيها كذلك أضرحة ومزارات للعارفين من رجال المسيحية واليهودية والإسلام وكل ذلك في عباءة التدين المصري الذي نرى تجلياته وتجسيداته في تبني اللقطاء وعلاقات النسب والمصاهرة والمساهمة في تجهيز حياة الأزواج الجدد وكثرة الذهاب للحج والعمرة للقادرين من أهل مصر وتعاملهم مع مسألة الزكاة والصدقات والغنائم والخُمس والفيء وانصرافهم عن التثاقف والمعرفة في مثل هذه الأمور بينما نلمس شغفهم وحرصهم على متابعة سير الصالحين من الصحابة والعارفين بالله وأوليائه الصالحين، بل إن جموع الحاضرين والمشاركين في الليالي الكبرى لموالد أقطاب العارفين تفوق في أعدادها من يحتشدون في يوم الحج الأكبر على صعيد عرفات والمشاعر المقدسة في جزيرة العرب !!.


وقد كان الأجدر بمثل هؤلاء الذين يدَّعون السلفية أن يساهموا في علاج جراح الشعب الذي ظل مقموعاً ومهملاً طوال حقبة مبارك وما قبلها قبل ان ينخرطوا في التنفيس عن ذواتهم ودولتهم الخاصة التي تجسدت في قطع أذن أحد المواطنين بعد أن نصَّبوا من أنفسهم دولة وحكاماً، كما تجسدت في هدم الأضرحة ومعاداة روح التسامح والتدين لدى المصريين .. إنهم بسلوكياتهم هذه ينضمون إلى فلول الحزب الوطني القديم وفلول أمن الدولة في مطاردة الشعب واستغلاله وتضخيم ذواتهم ومكاسبهم الخاصة كأفراد وجماعات على حساب الشعب الذي ألقت به المقادير في قبضة التعاسة والرجال المراوغين والطرق المتعرجة للوصول إلى الدولة المدنية.

ويا أيها السلفيون : أنصتوا إلى روح المكان وصوت التاريخ واطلعوا على سنن من كان قبلكم من المتشددين الذين ابتُليت بهم مصر عبر العصور .. فمنهم من حرَّم خروج النساء لسبع سنوات، ومنهم من حرَّم الجرجير والملوخية والترمس وهدَمَ المعابد والكنائس بدعوى التوحيد الخالص، ومنهم من قتل المتصوفة والزهاد... كل هؤلاء بادوا وذهبوا إلى النسيان وبقيت سير الصالحين والعارفين من نقباء الشعب وما زالت كراماتهم وبركاتهم تنمو وسط هذا الشعب المتدين والمخلص في إيمانه العميق بخالق الحياة والموت وراحم العباد من بشر وعجم وحجر .. فافهموا وارحموا أنفسكم وارحموا الشعب من عبثكم وقصور فهمكم وتدينكم السطحي المفتعل !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا للكاتب
احمد الربيعي ( 2011 / 4 / 3 - 21:39 )
الله والانسانيه سوف ينتقمون من الفكر السلفي المتحجر المتخلف التكفيري


2 - فكر سلفي متخلف
احمد الربيعي ( 2011 / 4 / 3 - 21:45 )
هل تعلم كاتبنا العزيز ماذا فعل هؤلاء بالعراق بالاضافه الى هدم الاضرحه...حشو الاطفال بالمتفجرات لتفجيرهم بالاسواق..استغلوا المجانين لتفخيخهم وتفجيرهم..ثقبوا الرؤوس بالدريل ورموا جثث الابرياء بنهر دجله...تخلفهم وصل الى الخضار وحرموا وضع الطماطم بجنب الخيار...خوفي لايتمكنون من الوضع في مصر..وعندها ستحل كوارث لها اول وليس لها اخر


3 - الصفا والمروة
عرفة خليفة الجبلاوي ( 2011 / 4 / 3 - 22:22 )
عند فتح مكة قام المسلمون بتحطيم الأوثان، ولم يهدموا الكعبة التي ضمت أكثر من ثلاثمائة صنم. بل أن القرآن قال: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (البقرة 158) رغم أن هذين الجبلين كانا موضعين لصنمي آساف ونائلة.
العبرة بموقف الزائر للضريح هل يزور للتبرك والاتعاظ أم للعبادة، وهذه لا يعرفها إلا رب القلوب وليس السلفيون
تقديري لشخصك الكريم


4 - عبادة اوثان
سليمان الفقى ( 2011 / 4 / 3 - 23:15 )
قبل كل شى الغاء الحج لانها عبادة اوثان 100 % حيث تقبيل حجر ورجم وهم اسمه الشيطان وجرى ومرح وزحام للتنقل بين جبلين اطالب وبمتهى السرعة هدم الكعبة لانها اصل عبادة الاوثان


5 - سلفيين - ياعباد الحجر الاسود
حكيم العارف ( 2011 / 4 / 4 - 04:38 )
الاهرامات فى مصر يا ياعباد الحجر الاسود


هل سيجن جنون السلفيين ويهدمون اهرامات مصر ايضا...

لانها بلا شك هى ايضا اضرحه لملوك مصر ... وماذا عن ابو الهول


لايحل الخراب باى مكان الا والسلفيون هم السبب


6 - هدموا الحجر وعبدوا البشر وهو في العرف اشر
فهد لعنزي السعودية ( 2011 / 4 / 4 - 05:22 )
ان هؤلاء البدو الذين يدعون بالسلفية هي سلفية وهابية تؤمن بالقشور كـ اطلاق اللحى وتقصير الثياب ووالتفل في الشوارع نتيجة افراز المسواك وتغض الطرف عن موبقات الحاكم لانه ظل الله في ارضه بل تدعو له بطول العمر مع علمهم بانه اتخذهم خولا ومال الشعب دولا بين عائلته بدعوى عدم جواز الخروج عليه وان زنى وان سرق او هتك الاعراض. السؤال الذي يطرح نفسه هل الله العادل يامر باطاعة الفاسقين المارقين؟؟. وما الفرق بين العبادتين؟؟.والانكى من ذالك انهم صوروا الله كملوكهم له عرش يجلس عليه ويضحك ويتآمر الى غير ذالك من ترهات.وللمقارنة ايهما اذكى عرب الجاهلية كما يسمون ام عرب الحجاز ونجد الآن؟؟.عرب الجاهلية ابوا ان يدخلوا الاسلام حتى ارغموا اما بالتهديد او بالمطامع ونرى عرب مملكة آل سعود ينعقون مع كل ناعق ولو قال لهم مفتي البلاط اسجدوا لآل سعود لسجدوا.وبعد كل هذا هل ما يؤمنون يه دين ام طين؟؟.انتبهوا ايها الشرفاء لمخططاتهم الخبيثة ولا تدعوهم يعبثوا في ارض مهد الحضارات. حمى الله مصر من شرورهم.


7 - طريقة تفكير غريبة
Amir_ Baky ( 2011 / 4 / 4 - 06:20 )
السلفيون لا يحترمون الدين بل يحترمون تصرفات البشر التاريخية. بل قدسوا هذه التصرفات ونعتوا ما سبقوهم بالسلف الصالح. ومنطقى أن يكون هناك سلف غير صالح ولكن كل التاريخ مقدس لديهم. السلفيون ولائهم لتاريخ الجزيرة العربية وليس لتاريخ مصر و العراق أو أى دولة ذات حضارة. السلفيون يضعون الإسلام فى قالب الثقافة البدوية فحتى ملبسهم يشابه كفار قريش. نحن لا ندين السلفيين ولكن نديين تمسكهم بمظاهر الثقافة البدوية لأن السلف كانوا بدو. ولو تم تكفير كل من يختلف عن نهجهم البدوى فستحدث مشاكل كثيرة. فالله الواحد هو الوحيد الذى من حقه محاسبة البشر. أخشى أن يظهر متطرف و يعتبر السجود أمام الكعبة المشرفة هو السجود لأصنام. فنحن فى زمن العجائب ووضع الفكرة البشرية فوق الدين و المنطق.

اخر الافلام

.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في العراق تؤكد أن الرعب آتٍ إ


.. ناشط أميركي يهودي يعلن إسلامه خلال مظاهرة داعمة لـ فلسطين في




.. 91-Al-baqarah


.. آلاف اليهود يؤدون صلوات تلمودية عند حائط البراق في عيد الفصح




.. الطفلة المعجزة -صابرين الروح- تلتحق بعائلتها التي قتلها القص