الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القطة تعض والنار تحرق- أو الاسترهاب بالمقدس

نبيل هلال هلال

2011 / 4 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن الاسترهاب بالقدسية والتقديس يشل العقل شللا تاما ، فيمسك هذا العقل عن الانتقاد والتفكير ، ويفسح المجال للأفكار غير المعقولة والمعتقدات الزائفة غير المنطقية التى لا سند لها سوى التوارث نقلا عن الآباء الأولين ، وينفسح الطريق أمامها فتتسلل إلى الضمير والكيان دون رقيب يتفحص الباطل أو بصر يكشف التحايل والمخادعة. فالتعامل بين طرفين يزعم أحدهما أنه مقدس بذاته ، أو أنه يتمتع بقدرات قدسية ، يقتضي بالضرورة هزيمة عقل الطرف الآخر وإقصائه ، وللطرف المقدس أن يغتال منطق الطرف الآخر. وهذه القدسية ، أو الاعتقاد بها ، هو الذي يجعل العاقل يسجد لوثن ، ويتعبد لصنم , ويتوسل لبقرة ، بل ويجعله على استعداد لبذل النفس من أجل معتقده ، وليس الحديث عن كفار قريش بخفى ، إذ حاربوا المسلمين ببسالة , وماتوا في سبيل شركهم. وهذه القدسية الوهمية هي التى تجعل الصوفى يقول بحلول الله فى مخلوقاته حتى الحيوانات , وهى القدسية التى يزرعها الشيخ الصوفى فى عقول مريديه ، فيتوهمون أنه فعلا يتلقى علْما لدُنيَّا مباشرة من الله وأنه يطير فى الهواء ويسير فوق الماء . وهى القدسية التى استرهب بها فقهاء الشيعة أتباعهم فصدَّقوا أن مقام الأئمة فوق مقام الأنبياء ,وأنهم يرجعون بعد موتهم . والاسترهاب بالقدسية والتقديس يفعل مفعول المخدر الذي يغيِّب المريض عن وعيه , فيعمل فيه مبضع الطبيب جرحا وتقطيعا, فيقطع لحمه ويخيط أنسجة جسمه دون أن يشعر أو يعترض . ذلك بالضبط عين ما يفعله الاسترهاب بالتقديس : قدسية شخص أو فكرة أو طائفة أو رأي , فيتم إعطاب العقل , فلا يفكر أو ينكر أو يقيِّم أو يعترض , ويصبح كالبوابة المفتوحة التي يدلف منها أي داخل دون التحقق من هويته , فتنساب الأفكار الغريبة والآراء الشاذة التي ما كان لها أن تمر لولا الاسترهاب بالقدسية والتقديس.
وما يُغرس فى وجدان الطفل الذى لم يمتلك بعدُ أدوات المنطق والنقد والفهم , يظل مؤثرا فيه حتى الممات . وإلا فما بال اليابانى المعاصر الذى يصنع الكمبيوتر ويجري البحوث الذرية , ومع ذلك لا يزال يقدس الإمبراطور اعتقادا منه أنه من نسل الآلهة . أو ما بال المصرى القديم الذى صنع حضارة قامت على التقدم العلمى فى الهندسة والطب والفلك ولم يستنكف من عبادة الحيوانات من قطط وكلاب وخنافس . إنه الموروث الدينى الذى يكتسبه الإنسان صغيرا فيترسخ فى وجدانه وتتوارثه الأجيال عن طريق التربية والعرف والتقاليد والتعليم . وربما جاء من يثبت أن هذا الموروث الدينى يترسخ فى الجينات التى تورّث سائر الخصائص البدنية والنفسية , بالضبط كما نتوارث الخوف من الزواحف من أجدادنا الذين عاشوا فى الكهوف منذ ألوف السنين .
وقليل هم من يفكرون بعقولهم فى الدين الذى يعتنقون , وإنما الأمر للعاطفة والعادة والإرث الذى ورثه المرء منذ كان طفلا يتعرف على العالم لأول مرة عن طريق والديه ومن يربونه , فيلقّنونه الأمور البديهية التى يتقبلها دون تفكير, مثل أن النار تحرق , والماء يُغرق , والقطة تعض , نتعلم تلك الأشياء منذ الصغرحتى قبل أن تتفتح عقولنا ومداركنا , وإنما نتلقى تلك المعارف مباشرة من الأهل والمربين ثم نختزنها فى الذاكرة الحافظة وتؤثر بعد ذلك فى سلوكياتنا دون أن نفكر فيها , ويتلقى الناس جميعا معارفهم الدينية الأولى بنفس الطريقة , وينشأ الناس على دين آبائهم على هذا النحو.
وبعد أن تترسخ هذه الأفكار تكتسب قداسة لا تلبث أن تتحول الى تعصب يُلتمس له البراهين لبيان صواب هذه الأفكار وبطلان غيرها , وحيثما اشتد التعصب اشتد الاختلاف , ونادرا ما يكون سبب التعصب هو قوة الإيمان . ولا يقتصر السقوط فى براثن التعصب أو اختلاف الرؤى على هذا النحو على الدهماء وعامة الناس , بل قد تجد من" العلماء " من تعمى بصائرهم فلا يرون الحقائق على وجهها إما لقصور أو ابتغاء مصلحة , فليس كل الفقهاء بالذين يتنزهون عن الغرض دائما .
ومن الناس من يكون دقيق التمييز , ومنهم الغبي وأعمى القلب وذلك من أسباب اختلافهم في الآراء والمذاهب , فباختلاف إدراكاتهم تختلف معتقداتهم . ويعز على المرء التسليم ببطلان ما يؤمن به من أفكار , ويتعذر عليه التبرؤ من آرائه التي اعتنقها طوال سنوات طويلة هي عمره , وإلا كان معنى ذلك الاعتراف بخطئه وجهله طوال تلك السنوات , وهو ما لا يقدم عليه المرء ولا يحبه . لذا قد تستمر المجادلة واللجج ليس بسبب غموض الأفكار المتجادَل بشأنها وإنما بسبب مواقف المتجادلين وتمسكهم بوجهات نظرهم للأسباب المذكورة .
ولا يقتصر أثر البيئة على إجبار العقل على مهادنة الأفكار غير المعقولة وقبولها دونما رفض , بل المدهش حقا أنه يتعدى ذلك إلى التأثير فى العقل ذاته من حيث إمكان تغيير نسبة ذكائه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - -نحن *أنصار اللـه،آمنا بالله،و اشهد-
حميد الدين سعودي ( 2011 / 4 / 5 - 03:34 )
السلام عليكم .
ورد في نصوص التلمود،التي ألفها أحبار اليهود تدوينا للنوازل و القضايا و تفصيلا و تفسيرا
لأحكام الشريعة اليهودية، إسم :ناصيري
nachiriأو/nazeriيتم نطقها بقلب الصاد زاي،
و قد أطلقها أحبار اليهود ابتداء من نهاية القرن الأول الميلادي على من *ناصر* وترك ملة اليهود، و كان من *أنصار* و آمن بدعوة يسوع المسيح عليه السلام.و كما هو معلوم ،فمدينة الناصرة في فلسطين المحتلة لم يكن لها وجود في زمن الرسول المسيح ،و بالتالي لا يمكن أن ينتسب اليها،فهو جليلي ،ولادة و نشأة.
اللغة العبرية و الآرامية و تسمى أيضا السريانية القديمتين و غيرهما في الشرق تشترك مع اللغة العربية في عدة جذور لغوية،و الآية القرءانية الكريمة مصداق لهذه الشراكة في الجذور اللغوية /* فلما أحس عيسى منهم الكفر ،قال: -مَنْ أَنْصَارِيَ إِلَى ﭐللَّهِ، قال الحواريُّون: -نحن *أنصار اللـه،آمنا بالله،و اشهد بأننا مسلمون*.سورة ءال عمران-51-
كما تشترك تلك الآية الكريمة في صدق تبيان سر الخلاف الجوهري بين النبي و الرسول عيسى ابن مريم و أحبار اليهود الذين ناظرهم و أفحمهم في عدة قضايا لكن الخلاف كان جوهره توحيد الله تعالى

اخر الافلام

.. التركمان والمسيحيون يقررون خوض الانتخابات المرتقبة في إقليم


.. د. حامد عبد الصمد: الإلحاد جزء من منظومة التنوير والشكّ محرك




.. المجتمع اليهودي.. سلاح بيد -سوناك- لدعمه بالانتخابات البريطا


.. رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يزور كنيسا يهوديا في لندن




.. -الجنة المفقودة-.. مصري يستكشف دولة ربما تسمع عنها أول مرة