الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اغتيال جوليانو خميس ...اغتيال لثقافة الحرية

مهند عبد الحميد

2011 / 4 / 5
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية



قصة جوليانو وحادثة اغتياله الغادرة تلخّص الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ببعديه الإنساني والوحشي. انتصرت آرنا (أم جوليانو) ومن بعدها انتصر جوليانو على وحشية الاحتلال وتوحّدا مع إنسانية الفلسطيني في مخيم جنين، فقدما قصةَ نجاحٍ مثيرةً حظيت باحترام أهالي المخيم وقطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني وأصدقاء من مختلف أنحاء العالم.
بدأت الحكاية عندما اكتشفت آرنا، المجندة الإسرائيلية، أنها تشارك في عملية تطهير عرقي ضد الشعب الفلسطيني، فتوقفت على الفور وتركت عملها الأمني وتراجعت عن انتمائها السياسي الصهيوني. وكان البديل الانخراط في نضال مشترك فلسطيني- إسرائيلي ضد الاحتلال والتمييز والقمع والإقصاء. وفي هذا السياق اقترنت آرنا بالقيادي الشيوعي الفلسطيني في حزب راكاح المناضل صليبا خميس (والد جوليانو). وبهذا أتمّت آرنا انتقالها من خندق الاحتلال إلى خندق الشعب الفلسطيني بحثاً عن حل عادل للصراع ومن أجل السلام والمساواة.
دفعت آرنا ثمن موقفها فطُردت من الكيبوتس، وقوطعت من قبل أسرتها اليهودية لمدة عشرين عاماً، وتعرضت لضغوط شتى علّ وعسى أن تتراجع عن خيارها. لكنها بقيت صامدةً ومناضلةً من أجل مبادئها الإنسانية. وسار جوليانو على خطى أمه عندما ضرب ضابطاً إسرائيلياً بسبب اعتدائه على مسن فلسطيني على أحد الحواجز العسكرية، وسجن لمدة سنة وثمانية أشهر.
خلال الانتفاضة الأولى انتقلت آرنا إلى مخيم جنين للعمل مع الأطفال الفلسطينيين، وقامت بتأسيس مسرح للأطفال داخل المخيم، وانضم إليها ابنها جوليانو للعمل في المسرح الذي موّلته آرنا من المبلغ الذي حصلت عليه بعد نيلها جائزة نوبل البديلة للسلام. وتخرج عشرات الأطفال من المسرح على يد آرنا وجوليانو. مرضت آرنا بالسرطان وقامت بزيارة أخيرة لمخيم جنين كان هدفها وداع الأطفال، استقبلها المخيم بحفاوة تليق بدورها الإنساني والثقافي وكان اللقاء الأخير. نجحت آرنا وجوليانو ونجح أبناء مخيم جنين في تأسيس علاقات بديلة لعلاقة احتلال وشعب تحت الاحتلال، إلى علاقة إنسانية حقيقية، وعلاقة نضال مشترك ضد الظلم والاحتلال والعنصرية والإقصاء.
واصل جوليانو السير على طريق أمه آرنا، كان وفياً للإنجاز ومخلصاً للمبدأ، فجاء إلى المخيم ليبحث عن "أولاد آرنا"، أراد أن ينطلق من التجربة الجريئة والرائدة لأمه، فقام بتصوير وإنتاج 150 ساعة من مشروع فيلمه السينمائي التوثيقي عن تجربة الأطفال في المسرح الذين تحولوا إلى مقاتلين واستشهد العدد الأكبر من مجموعة المسرح الأولى. وأخرج جوليانو فيلماً جريئاً ورائعاً بعنوان "أولاد آرنا" الذي فاز بجوائز عالمية عديدة.
فيلم "أولاد آرنا" دفع جوليانو إلى تعزيز علاقته بالمخيم والشعب الفلسطيني. فأنشأ مسرح "الحرية" في مخيم جنين الذي كان هدفه تدريب الشباب على المسرح، وتقديم العلاج النفسي عن طريق الفن. قال عندما افتتح المسرح: نريد لجنين أن تصبح عاصمة للثقافة في شمال الضفة.
ويتابع جوليانو: حضرت إلى مخيم جنين لأشارك أهله في نضالهم ضد الاحتلال الإسرائيلي لنيل الحرية والاستقلال، وذلك من خلال نضال فني وعلمي يساهم في تشكيل هوية وطنية فلسطينية يكون أساسها التضامن والوحدة بين أفراد شعبنا وحرية الفكر والتعبير. نسعى من خلال المسرح إلى تحسين اللغة العربية. إن قوة المسرح تعادل قوة السلاح والبندقية في وجه الاحتلال. هدفنا المشترك هو إنهاء الاحتلال وتفكيك كل المستوطنات والتأكيد على حق العودة والاستقلال والحرية. أرى أن المخيم يمثل كل دروب البطولة والتحدي، أنا شخصياً أعتقد أن بإمكان مخيم جنين تحريك انتفاضة علمية وثقافية وفنية، ويضيف الشعب الفلسطيني كان رائداً في مجال الثقافة في العالم العربي ويتوجب علينا إعادته من جديد إلى الطليعة. وختم بالقول: "إن كل ولد وبنت يمسك قلماً أو كاميراً أو يمثل على خشبة المسرح ما هو إلا انتصار على الاحتلال". آمل أن تخرج من المسرح رسالة إلى العالم تقول الثقافة الفلسطينية تنطلق على الرغم من الجدار والحصار والدبابات.
من أنهى رحلة جوليانو ؟ ولمصلحة من ؟ هل القاتل إذا كان فلسطينياً يعرف جوليانو؟ أشك في ذلك تماماً؟ بالتأكيد الشعب الفلسطيني هو الخاسر، الثقافة المناهضة لثقافة الاحتلال هي الخاسر الأكبر؟ والعنصرية هي الرابح والمنتصر. لم يدر بخلد جوليانو وهو ينتقل من بيت إلى بيت، يحاور شباب المخيم ويحتضنهم ويشد على أياديهم، أن يُطْلَقَ عليه الرصاص داخل المخيم ومدينة جنين. أخلاق المخيم ومدينة جنين، وأخلاق الذين صنعوا ملحمة جنين البطولية، هي على النقيض من هذه الفعلة الشنيعة. لم يخش جوليانو المخيم لأنه يحب ناسه ويعمل من أجلهم، ولأنهم أيضاً يبادلونه الشعور بالحب والاحترام. صعق الكثيرون بصدمة موت جوليانو، أبناء المخيم وكل من عرف جوليانو حزن حزناً عميقاً، كثيرون بكوا جوليانو الذي جاء بزوجته "جيني" الفنلندية وبطفلته "ميلاي" لتكونا برفقته داخل المخيم في مهمته الثقافية. ماذا نقول "لميلاي" ابنة جوليانو التي أسماها باسم الطفلة الفيتنامية الناجية الوحيدة من مجزرة الجيش الأميركي في فيتنام؟
خسارة فادحة لا يمكن تعويضها إلا بالسير الواثق والشجاع على خطى جوليانو ومن قبله آرنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام


.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ




.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا