الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم العلمانية

رباح حسن الزيدان

2011 / 4 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"العديد من الناس يعتقدون بإله واحد،الآخرون في أكثر من إله. و آخرون يرفضون الإعلان عن هذا. و أخيرا هناك من لا يؤمن نهائيا. لكن الجميع يعيشون معا. وهذه الحياة المشتركة، منذ الإعلان الأول لحقوق الإنسان، يجب أن تضمن للجميع وفي نفس الوقت حرية المعتقد و المساواة في الحقوق. حرية المعتقد تستبعد كل خوف ديني أو إيديولوجي. أما المساواة في الحقوق فهي تتناقض مع إعطاء قيم مميزة و امتيازات لاعتقاد ما، أو حتى للملحدين.الدولة هي شيء مشترك للجميع إذا عليها أن تكون حيادية (neuter في اللاتينية) على صعيد جميع الأديان و الطوائف، وتعني كما وردت في اللاتينية "لا أحد و لا الآخر".
هذه الحيادية الطائفية أو الدينية هي في نفس الوقت ضمان للإنصاف، النزاهة و التجرد و هي شرط من أجل كل شخص، مهما كانت قناعاته الروحية ( نزعة إنسانية ملحدة أو نزعة إنسانية دينية على سبيل المثال)، من أجل التعايش و التعارف في "الجمهورية"، الدولة أو المدينة، حيث كل الأفراد أو الأعضاء في المدينة يتواجدون على قدم المساواة. الانعتاق العلماني لا يمكن إذن اختصاره إلى أحكام قانونية أولية أو في حدها الأدنى، ولا في امتناع الدولة عن التدخل. هذا الانعتاق يدعو قبل كل شيء إلى مقياس واحد في جميع الحقول أو المجالات.
إن العلمانية التي علينا المطالبة بها اليوم تضم جانبين أساسيين: الأول يتعلق بتنظيم "المدينة" وهي العلمانية السياسية، والثاني يرتفع و يرتقي بإدراك وتصور الحياة. الدولة العلمانية، هي تلك التي تحقق فصلا فعليا وحقيقيا بين الفضاء العام و مؤسساته (التي هي إرث مشترك)، و بين المؤسسات الدينية " كنيسة، جامع...الخ" ومعها القناعات الدينية أو الفلسفية المختلفة ( التي تعود للفضاء الخاص للمواطن ). إنه الشيء الوحيد الذي يضمن المساواة بين المواطنين مهما كانت قناعتهم كما يضمن نزاهة وتجرد السلطة. إنه الضمان الوحيد لحرية كاملة في الاعتقاد والإيمان، و حرية في التفكير... وفي الدين أيضا.
الدفاع عن مبدأ علمانية الدولة و عن السلطات العامة ليس خاصية أو إقطاعية لمجموعة من المؤمنين فيها أو لمجموعة من الملحدين الذين يرون أنهم ناطقين باسمها، ولكن لأنه لا يوجد حرية دينية خارج الدولة العلمانية. منذ أن تصنف الدولة بشكل علني أو ضمني أنها كاثوليكية، إسلامية، مسيحية، يهودية أو ملحدة فهذا كله ضد العلمانية لأن حتى الدولة الملحدة هي ضد العلمانية و تتساوى بذلك مع الدولة الثيوقراطية. فمع هذا التصنيف أو التعبير عن الدولة نكون قد أصبحنا " ما تحت المواطنة " و خاصة فيما يتعلق بالأقليات التي لا تنتمي إلى الدين أو الطائفة الرسمية السائدة. في الواقع هناك استحالة مطلقة لقيام أية ديمقراطية من غير علمانية سياسية وهذا المتطلب هو مشترك بين جميع الديمقراطيين كانوا ليبراليين، مسيحيين، إسلاميين أو إسرائيليين. ضمن هذا المعنى، العلمانية ليست فريقا صغيرا sous-groupe في المجتمع سيتفق على " الاعتراف " بفريق آخر، بل إنها مبدأ لتنظيم الأشياء العامة المؤسسة على رؤية كلية شمولية للمجتمع.
ولكن بمعنى آخر، نفس الكلمة "العَلمانية" تنظر ليس فقط إلى متطلب يتعلق بالتجرد و النزاهة أو إلى استقلالية كاملة للسلطات العامة تجاه القناعات الدينية أو الفلسفية، ولكن أيضا كمفهوم للحياة حيث الأسس المكونة لحياتنا ( الدولة و المجتمع ) ليست طائفية بل هي غريبة عن كل مرجعية سماوية، ما فوق طبيعية surnaturelle أو متعالية.هذا المعنى الثاني هو في نفس الوقت أكثر اتساعا ( حيث أنه يتضمن أكثر من متطلب "سهل" للفصل بين الدين والدولة ).إنه ضمن هذا المفهوم، هنا، نحن نستطيع أن نستخدم المصطلح "علمانية " عندما نعرَّف أو يتم تعريفنا بشكل فردي ranscende.
"هذا المفهوم للحياة يتضمن ليس فقط الانعتاق بالنسبة لتقاليدنا الدينية و متعلقاتها القديمة archaïsme، و لكن أيضا بالتحديد هو الانتماء إلى " كل" القيم الإيجابية : الإنسانية، حب الآخر، المواطنة، الانعتاق، الاستقلال، السعادة، العدالة والقدرة على التمرد. مع هذه الأشياء نجرب بناء أخلاق جديدة بعيدة وغريبة عن كل متعال أو ما فوق طبيعي غير إنساني. هذا المفهوم للحياة ليس دين آخر يمكن أن نضع مقاربة واحدة له هي الإلحاد".
إنه يضم بشكل جوهري جانبا إنسانيا وبعدا أخلاقيا. في كلمة واحدة، إنه انشغال و اهتمام بالمعنى و الجوهر الذي يمكن أن نعطيه لوجودنا و سلوكنا. كما أنه ليس بحثا لوجود مسبق "مزور" أو مجرد abstrait "سماوي"، بل بناء متعب لوجودنا الخاص فينا كبشر.هذه العلمانية يتم الحصول عليها من "روحية أنسيّة" spiritualité humaniste مركبة و مؤلفة في "إعادة تنظيم أو تهيئة" مثالية للديني، كما يرى "إدوار ديل رويل" في كتابه "العلمانية، إنسانية كثيرة الإنسانية"، أو من مفهوم هو مادي بشكل جوهري. و الحوار حول كل ذلك يبقى مفتوحا.
ما هو يقيني، أن العلمانية كمفهوم فلسفي، ليس طائفي، ليس من شأنه "التمأسس" institutionnalisation، لأنه كما هو في الواقع على ضوء النساء و الرجال الذين يقتسمون معنا نفس المتطلبات من الديمقراطية السياسية و من التعددية، فإنه ليس من الضروري أن يتقاسموا معنا قيمنا وفي كل الأحوال لهم رؤيتهم المختلفة (الطائفية ) لأساس هذه القيم. و لكن نحن نطلب أن يكون هذا المفهوم للحياة " معترفا به " و كأنه شرعي مثل المفاهيم المأخوذة أو التي استلهمت من هذه أو تلك العقيدة الدينية، وأن العلمانيين ( اللاأدريين، الغنوصيين، الملحدين، الماديين...الخ ) يحصلون كمواطنين و بشكل كامل على نفس الحقوق التي يحصل عليها مواطنوهم الآخرون من ذوي القناعات الدينية أو الطائفية.
تلك النظرة الإجمالية لمبدأ العلمانية تأخذ شكل الحقيقة: حيث لا يمكن الإجبار و الفرض على الجميع، و المراجع المشتركة ( الدولة، المجتمع، الدستور، الخ ) عليها أن تكون متحررة من الوصاية التي تفرض امتيازا معينا. وحتى تكون مقبولة أو مؤكدة كليا ، تلك الحقيقة تستوجب شرطين متزامنين تحقيقهما يبين الطابع الإيجابي للعلمانية: الأول، أن القوة العامة public power أو [ puissance publique، بالفرنسية ] مكشوفة موضحة أو ملكا للجميع و توضع قبل كل شيء في مقدمة ما يوحد الجميع ( وهذا مبدأ عالمي، حيث يخضع لنظرات و آراء مختلفة ووفق المجتمعات وثقافاتها ). ثانيا، كل شخص يتعلم طريقة العيش أو القناعة التي يريدها وتناسبه بشكل يكفي للبعد عن التعصب و اللاتسامح (مبدأ للتمييز الداخلي يشمل أو يضم التسامح الأهلي المدني، ويجعل بالإمكان المناقشة و الحوار ضمن الفضاء العام ).
من ضمن هذه النظرة الإجمالية للعلمانية، أن العلمانية ليست نظاما للاختيار الروحي الخاص، لكنها تشكل شرطا لإمكانيته، وهذا ما يسميه Kant نطاقا استعلائيا ranscendence وهي صفة لمجموعة المبادئ المتعلقة بالفكر من دون غيره، و هي ذاتية من تجربة خاصة.
كيف " تعيش الاختلافات " من غير التخلي عن اقتسام المراجع أو "الاستنادات" المشتركة التي هي الدولة و المجتمع ويمكن إضافة الدستور؟ سؤال يطرحه ويجيب عنه Henri Ruiz و له مقدار كبير من الأهمية خاصة اليوم حيث التعددية من خلال قناعاتها يمكن أن تشير إلى ذلك بفسيفساء من المجتمعات الخاصة، فالأعضاء و كأنهم تخلوا أو " زهدوا " ببعض اختلافاتهم، بسبب الأخطار المواجهات بين هذه التجمعات أو الجماعات الخاصة وعلينا أن نتخيل حجم الخطر من هذه الاصطدام.
المجتمع السياسي التي تسميه التقاليد السياسية " المدينة "( في الإغريقية polis و في اللاتينية civitas )، أخذ اسم "الدولة " في مفردات القانون، و هذا تمييز دقيق و جوهري عن "الحكومة" التي يدار من خلالها،هنا العلمانية تتعلق بمبدأ توحيد الناس أو الأفراد داخل هذه الدولة. تفترض العلمانية تمييزا في القانون بين الحياة الخاصة للإنسان كما هو، و بعده dimension العام كمواطن: إنه كإنسان خاص، في حياته الشخصية، الإنسان يتبنى قناعات روحية، دينية أو لا، و يمكن أن يتقاسمها مع الآخرين : ولكن انطلاقا من هذا، القوة العامة public power عليها ألا تخاف إذا كان التعبير عن القناعات و الطوائف يبقى متماشيا مع حق الآخر. سنلاحظ أن هذا " الانشطار" أو القدرة على الحفاظ عليه ليست عملية سهلة التطبيق دائما، خاصة أنه لم يعرف أو يعترف به كتشريع إلا في العديد من المفاهيم المتعلقة بالقانون، بسبب القلق من استقلالية الفرد، بينما العلمانية تبحث عن التضامن بين الأفراد. من هنا أهمية أو ضرورة دراسة العلاقات بين القانون و التاريخ، حتى نعيد الأخذ بالحسبان تاريخ المقاومات لفكرة العلمانية، و تقلبات مسيرة الانعتاق العلماني. من هنا أيضا الفائدة من قراءة الظواهر الاجتماعية، السياسية و الثقافية التي يمكن أن تؤثر في وضوح الخط الفاصل بين المنطقة الخاصة و المنطقة العامة فيما يتعلق بمسيرة حياة الإنسان.فالدين حملنا مسؤوليته و تقلده، ومن ثم أصبح رمزا، معطينا له " نحن البشر" ترجمة أو رواية خاصة، أو شكلا من المتطلبات تجعله سابقا في الوجود أو موجودا من قبل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah