الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلفية الدينية وعملية البناء الديموقراطى الجديد فى مصر .

عماد مسعد محمد السبع

2011 / 4 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أصبحت السلفية الدينية ( برافديها التقليدي والجهادي ) هى موضوع الساعة فى الفضاء المصرى وبعد نجاح ثورة 25 يناير فى الإطاحة بنظام حكم مبارك .

هذا الصعود السلفى عبر عن نفسه من خلال تصريحات ومحاضرات ومؤتمرات شعبية عرض فيها رموز التيار رؤيتهم بشأن المستقبل السياسى , مرورآ بعمليات حشد أثناء الإستفتاء على التعديلات الدستورية فيما أسموه " بغزوة الصناديق الكبرى حفاظآ على هوية مصر الإسلامية والحيلولة دون سقوطها بيد العلمانية الملحدة ", وأنتهاءآ بأعلان العزم على تطبيق الشريعة ونظام الحدود ومقاومة الصوفية .

حضور التيار السلفى على مسرح الحدث السياسى المصرى يخدم مصالح قوى عديدة , لاسيما اليمين الرجعى وفلول نظام مبارك حيث تجمعهما أرضية أقتصادية وأجتماعية مشتركة , كما أن صعوده يدعم الخطاب الأيديولوجي للوهابية فى مصر ويجهض مشروع دولتها المدنية الحديثة الذى يؤرق آل سعود فى شبه جزيرة العرب.

اللافت هنا أن قطاعآ من النخب الثقافية و السياسية المصرية زكت هذا الصعود السلفى الجديد تحت مبررات أن المبدأ الديموقراطى يرفض منطق الإقصاء والإستبعاد لأى تيار ديني أو سياسي فى عهد ما بعد الثورة , وأن الأنظمة الديموقراطة و الحقوقية العتيدة فى أمريكا والغرب تسمح بوجود مثل هذه التيارات الأصولية , فضلآ عن أن خروج هذه الجماعات إلى النور يتيح نقاش أفكارها علانية و يدفع نحو تغيير هياكلها وسلوكها المتطرف .

والتساؤل الذى يطرح نفسه هنا : هل قدم التيار السلفى جديدآ على مستوى النظرية يشفع حضوره الجديد فى ساحة العمل السياسى و الإجتماعى المصرى ؟ , وهل أنتجت مرحلة ( ما بعد المراجعات ) أسهامأ يدعم أنحيازها و أيمانها بأفكار الديموقراطية والدولة المدنية الحديثة ؟

واقع الأمر أن القراءة الموضوعية للمنتج النظرى السلفى المتداول كاشف عن أنه لم تتقدم خطوة مؤثرة نحو القطيعة مع المفاهيم الأساسية الناظمة لرؤيتها بشأن نظام الدولة وحركة التاريخ وجدل متغيراته .

فالفهم السلفى مازال ينطلق من فرضية أن انحلال الإيمان وابتعاد المسلمين عن صراط الدين المستقيم هو بمثابة " صيرورة تاريخية " مستمرة منذ وفاة الرسول وحتى الآن, وأن العودة لجوهر الدين وحقيقة الاسلام يستوجب مواجهة جديد الواقع باعتباره ضلالات شركية ونصرانية يتعين مقاومتها .

كما أنه لم يهجر مفهومه الخاص بشأن نظام ( الدولة ) , فهو يسعى للتحقيق العيني لفكرة ( الخلافة الإسلامية ) كنقطة بدء معيارية و مركز ثقل لحركة التطور التاريخي للإسلام , وحيث يتحدد صلاح العباد والبلاد بمقدارالاقتراب منها أو الإبتعاد عنها .

وبالتبعية فأن هذا الفهم السلفى مازال يدور فى فلك ( وولاية الفقيه ) ودولته الدينية ويعتصم بفكرة الحاكمية , و يذهب إلى انكار سلطة البشر الوضعية فى صياغة الأحكام والقوانين .

المنتج النظرى السلفى وحركة مراجعاته - التى دشنت أكثر من ثلاثين كتابآ - لم يتعرض حتى الآن بالتعديل والتصحيح والتقويم لهذه المفاهيم بل يعتبرها ( ثوابت ومنجزات ماضى ) تفرض الاعتداد بها كمحاور لتوجيه مستقبل الإسلام والمسلمين .

ومن البين أن هذا المنتج السلفى يجحد سند " تاريخية " الخلافة التي استمرت علي مدار ثلاثة عشر قرناً ولا يهتم بنقاش مدي ملاءمتها لحقائق النظم السياسية وأشكال الحكم المعاصرة.

فهو يتجاهل بحث الأسباب الموضوعية لسقوطها على يد العثمانيين في أواخر القرن التاسع عشر , ويتجاوز عن فترات تدهورها وانحطاطها وتقييم الأبنية والهياكل والمؤسسات التي كانت سائدة فيها والصراع بين ولاياتها وطبيعة سلطتها الزمنية والدينية .

فضلآ عن أن الشروط والضوابط ( اللاتاريخية ) - المعتمدة على الموروث الإجتهادى العتيد لأبن تيمة و أبن القيم وغيرهما – مازالت تطل برأسها فى خطاب الهوية السلفى المعاصر وعبر أعتماد كثيف للثنائية الضدية ( الكفر / الإيمان ) كسند للتمييز بين البشر, و للعديد من التأويلات الفقهية وتبريرعقد الذمة التاريخى , والعمل بفقه وأحكام الديار التقليدى .

المفردات السلفية المغلوطة بشأن حركة التاريخ والتطور الإجتماعى تجد جذورها فى رفض الأعتراف " بالمعنى الجدلى للتاريخ " , وجحد قاعدة أن الفقه وفهم النصوص دالة فى تطورات وتناقضات واقع البشر الاجتماعى .

" الفريضة الغائبة " فى وعى وأدراك الحركات السلفية هو الفهم الجدلى لحركة المجتمع الذى يترجم صراع وتناقضات المصالح والأفكار والطبقات , ويضع الجماهير والكتل الأجتماعية فى مقدمة الفعل التاريخى .

ومن ثمة لا أمل فى استعارة تلك الذهنية الأصولية لمنظومات الحريات والحقوق و القيم الإنسانوية الوضعية وتبنيها كنموذج تاريخى ومؤسسات لأنها تعتمد أولوية ( الفكرة والمثال ) , ثم تذهب لتكييف الواقع وتفسيره والحكم عليه وفق هذه الأولوية وبمعزل عن قوانين الحركة التاريخية والاجتماعية .

واقع الأمر أن جديد السلفية الدينية يقطع بأنها مازالت تقف خارج دوائر الحداثة وروح العصر وضد المفردات الأساسية لقواعد المواطنة و الديموقراطية , وأن حضورها فى المشهد السياسى و الإجتماعى المصرى سيعرقل روح الثورة وبناء المجتمع الجديد و ميلاد مشروع الدولة المدنية الحديثة .

عماد مسعد محمد السبع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 251-Al-Baqarah


.. 252-Al-Baqarah




.. 253-Al-Baqarah


.. 254-Al-Baqarah




.. 255-Al-Baqarah