الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى العلمانية الإسلامية أيها العلمانيون

العفيف الأخضر

2011 / 4 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


رسائل تونسية:إلى العلمانية الإسلامية أيها العلمانيون
الإهداء إلى جمعية النساء الديمقراطيات
المرسل إليهم هذا النداء هم جميع العلمانيين والعلمانيات عسى أن يجدوا فيه بعض ما يساعدهم على إقناع اللجنة المكلفة بإعداد الدستور الجديد بإدخال العلمانية الإسلامية فيه مع تعديلات طفيفة تقتضيها سنة التطور السياسي لوضع حد لأسطورة "الاستثناء العربي الإسلامي"من قوانين الطبيعة والمجتمع التي تمتثل لها ساكنة المعمورة.
العلمانية العربية الإسلامية منذ معاوية : إذ كان أول من فصل إمامة الصلاة عن إمامة الدولة عندما توقف سنة38 هجرية عن الصلاة بالناس وكلف نائباً له بهذه الوظيفة.هذا الفصل بين الإمامة الصغرى (=إمامة الصلاة)والإمامة الكبرى(= إدارة الدولة) دشن فعلاً علمانياً بامتياز:رجل الدين يصلى بالناس ورجل السياسة يسوسهم.يمكن لنا ،بل يجب، تطوير هذه الصيغة اليوم قائلين:رجل وامرأة الدين يصليان بالناس ورجل وامرأة السياسة يسوسانهم.
حاكى خلفاء الإسلام معاوية بمن فيهم العباسيون الذين أخرجوا بقاياه من قبره ودنسوها.لم يفكر فقيه واحد في الاحتجاج على ذلك.وهذا أيضاً فعل علماني عربي إسلامي واضح،إذ أن العلمانية إسلامية تُخضع رجل الدين لرجل الدنيا،والدين للسياسة، وليس العكس الذي يطالب به أقصى اليمين الإسلامي اليوم.والحال أن التقليد العلماني الإسلامي على مر العصور كان إخضاع المؤسسة الدينية للمؤسسة السياسية.في كل تاريخ الإسلام قادت الدولة المسجد دائماً ولم يقد المسجد الدولة قط.واجب الفقيه الأول كان دائماً أن"يسمع لولي الأمر ويطيع"؛وهو ما قنّنه فقهياً الإمام المحدث يحيى بن شرف النووي،في القرن الـ 13 م، في كتابه:"الأربعون النووية"عندما أمر المحدثين والفقهاء بالتالي:"لا تنازعوا ولاة الأمور ولا تعترضوا عليهم ،إلا أن تروا منكراً محققاً،فإذا رأيتم ذلك فانكروه.وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظلمة".وقد حافظ شيوخ الصوفية على الالتزام بعدم التدخل في الشأن الدنيوي إلى اليوم حاصرين مناشطهم بالشأن الروحي.
عكس ما يتبادر للذهن، للوهلة الأولى،تطبيق الشريعة ليس شأناً دينياً يقوم به رجال الدين من تلقاء أنفسهم، بل هو شأن دنيوي يقوم به حصراً "ولي الأمر"،الذي هو في الإسلام،كما يقول الإمام محمد عبده:"حاكم مدني من جميع الوجوه"؛فهو الذي يطبق الحد الشرعي إذا شاء ويعفو عن الجاني إذا شاء.وهذا ما فعله دائماً، منذ عثمان،خلفاء الإسلام .فهو ما يفعله اليوم رؤساء الدول في العالم تحت اسم العفو الملكي أو الرئاسي بعد صدور الحكم طبعاً وفي المادة الجزائية فقط.وإذا ما اندفع متعصب إلى تطبيق الحدود من تلقاء نفسه فهو يرتكب جناية"الافتئات" أي اغتصاب سلطات ولي الأمر، وعندئذ ُيعاقب مرتين:مرة على اعتدائه على ضحيته ومرة على الافتئات.
استلهاماً لفلسفة عصر النهضة الإنسانية القائلة بأولوية العقل البشري الفلسفي على العقل الإلهي اللاهوتي،قدم فيلسوفا السياسة جان بودان وميكافيلي نظرية:"مصلحة الدولة العليا"
،أي السيادة المطلقة للدولة على الدين؛فقد غدا من حقها أن تنتهك أوامره ونواهيه إذا اقتضت مصلحة الدولة العليا ذلك.وهكذا حاولت أوربا الناهضة،عن شعور أو عن غير شعور،تقليد العلمانية العربية الإسلامية:إخضاع الدين للدولة، للمصلحة العليا للدولة.
فصل المؤسسة الدينية اليوم عن الدولة يعني تقديمها لقمة سائغة لأقصى اليمين الإسلامي،السياسي والتقليدي،لحشو أدمغة المؤمنين وغسلها بثقافة كراهية المرأة وغير المسلم والعقل والفن والحداثة.فما الحل؟الحل العلماني الواقعي هو استمرار الدولة في إدارة مقدسات جميع مواطنيها والانفاق عليها. العلمانية التركية كانت هي أيضاً علمانية إسلامية:منذ أتاتورك كانت الدولة العلمانية التركية تنفق على المسجد والكنيسة والكنيس وتمنع رجال الدين جميعاً من التدخل في السياسة كما كان يفعل خلفاء الإسلام دائماً.
لا تتأتى المخاطر على حقوق المرأة، التي كفلتها مجلة الأحوال الشخصية والمعاهدة الدولية لمنع التمييز ضد المرأة بما في ذلك التمييز في الإرث وحرمانها من الزواج ممن تحب إذا كان مختلفاً عنها في الدين، والمخاطر على حقوق الأقليات التي كفلتها المعاهدة الدولية لحماية حقوق الأقليات، لا تتأتى من إخضاع المؤسسة الدينية للمؤسسة السياسية ، بل من إخضاع المؤسسة السياسية للمؤسسة الدينية كما هو الحال في إيران الإسلامية.
في دولة علمانية مثل فرنسا،لم يتردد علمانيوها في بناء جامع باريس سنة 1921 بأموال دافعي الضرائب،تكريماً لذكرى المغاربة المسلمين الذين قتلوا في الحرب العالمية الأولى دفاعاً عن فرنسا.اليوم أيضاً يقترح الرئيس ساركوزي تقديم مساعدة من الدولة لبناء دور العبادة للمسلمين ... إذن التعلل برفض تبني الدستور الجديد للعلمانية بدعوى سقوط دور العبادة تحت رحمة أقصى اليمين الإسلامي لا مبرر له؛فلا توجد آية واحدة في "المصحف "العلماني تحرم على الدولة الإنفاق على المؤسسات الدينية لجميع مواطنيها.المحظور في العلمانية هو الإنفاق على مؤسسات دين واحد ، بالمناسبة الاسلام ، وحرمان مؤسسات الأديان الأخرى. الإنفاق على غير المسلمين له سابقة في الإسلام الأول:محمد كان يوزع صدقات الزكاة على جميع فقراء دولته دون استثناء؛بل كان يأمر موزعي الصدقات قائلاً:"ابدأوا بجارنا اليهودي"؛ وكذلك عمرعندما رأى شيخاً يهودياُ أعمى يتكفف في الطرقات صاح بالمحيطين به من الصحابة:"أتأكلون شبابه صغيراً وتضيعونه كبيراً؟أعطوه من بيت مال المسلمين"؛عمر بن عبد العزيز بنى كنائس للأقباط من بيت مال المسلمين الذي كانوا يساهمون فيه بالجزية فمن حقهم إذن أن يستفيدوا منه ... لكن الأقباط كانوا إلى 3 سنوات مضت محرومين،ليس من بناء كنائس جديدة فقط ، بل حتى من ترميم نافذة كنيسة على حسابهم دون إذن من رئيس الجمهورية!.
هناك تعلة أخرى لرفض إقرار العلمانية في الدستور هي الخوف من انسحاب الدولة من التعليم الديني ليسقط بدوره تحت رحمة أقصى اليمين الإسلامي.خوف غير معقول. على الدولة التونسية العلمانية أن تواصل الإنفاق بسخاء على التعليم الديني بشرط واحد وحيد :أن يكون تعليماً يستلهم العقلانية الدينية التي لا تقبل من الدين إلا ما اتفق مع العقل ومصلحة الإنسان عملاً بالقاعدة الشهيرة التي يتبناها صديقنا جمال البنا:"لم يُخلق الإنسان للدين بل خلق الدين للإنسان".
حسبُ تونس العلمانية أن توسع وتعمق مشروع إصلاح الإسلام الذي دشنته بإصدار مجلة الأحوال الشخصية وعممه إلى التعليم الديني الوزير العظيم محمد الشرفي سنة 1990، لتبرر بذلك اشرافها على التعليم الديني (انظر حديثي:إصلاح الإسلام بدراسته وتدريسه بعلوم الأديان).
الكثيرون من العلمانيين في تونس لا يعلمون أن دولاً أوربية علمانية عريقة تدرّس الدين في المدارس العمومية العلمانية مثل بلجيكا،إسبانيا،الدنمارك وبريطانيا؛في بريطانيا ، حيث الملكة تحمل لقب "حامية حمى الكنيسة"،العلمانية فيها لا تقل وضوحاً عن العلمانية في فرنسا وأحياناً كانت أوضح: فبينما كانت الرقابة الدينية في فرنسا في خمسينات القرن 19 تطارد بمقصها الأدب ،لم يكابد داروين في،انجلترا، إلا من بذاءات أسقف كانتمبري:"مستر داروين،لا شك أن جدك أنت قرد".لكن المحاكم الانجليزية لم توجه إلى داروين أية تهمة عن كتابه "أصل الأنواع" ولا امتدت اليه يد الرقيب بسوء.كفرت الكنيسة البريطانية المعاصرة عن ماضيها؛ فهي الآن من أكثر كنائس الاتحاد الأوربي تسامحاً وتساهلاً وعلمانية.النكتة أو ـ الواقعة ـ التالية داّلة بهذا الصدد:سأل الضابط أحد المجندين الجدد عن دينه فأجابه:أنا ملحد.لم يفهم الضابط معنى ملحد فطلب منه المزيد من التوضيح،فقال الجندي:معنى ذلك أني لا أصلى وليس لي دين ولا أؤمن بوجود ما يسمى الله.فقال له الضابط:آه الآن فهمتك:أنت أنجليكاني (= من أتباع الكنيسة الأنجليكانية الرسمية).
العلمانية التونسية حافظت منذ الاستقلال على ثابت العلمانية العربية الإسلامية:عدم السماح للدين ورجاله بدس أنوفهم في الشأن الدنيوي.لم يطلب بورقيبة من شيوخ الإسلام الأربعة في 1956 رأيهم في مجلة الأحوال الشخصية،وعندما طلب من شيخ الإسلام المالكي أن يفتي للمؤمنين بالإفطار في شهر رمضان لمصلحة الإنتاج والإنتاجية في الاقتصاد التونسي، لم تعجبه الفتوى، فأزاح الشيخ جانباً وأخذ الكلمة في المذياع(لم يكن التلفزيون قد دخل بعد إلى تونس)وطالب المؤمنين بأن يفطروا في رمضان خدمة لاقتصاد تونس الذي يخسر حتى الآن في شهر رمضان عشرات الملايين من أيام العمل !.
على علمانيي تونس ،وفي طليعتهم النساء الديمقراطيات،أن يتقدموا بمطلب واقعي:تبني الدستور التونسي الجديد، حتى يكون حقاً في مستوى تقدم التشريع في عصره،للتعديلات الدستورية التي أدخلتها الحكومة الإسلامية التركية على الدستور التركي سنة 2006:إلغاء عقوبة الزنا وإلغاء عقوبة المثلية وإلغاء عقوبة الإعدام والاعتراف للمسلم التركي بالحق في تغيير دينه تطبيقاً للمادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المتطابقة،بصدفة جميلة، مع الآية 38 من سورة الكهف:"فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" التي فسرها الإمام محمد عبده في تفسير"المنار" هكذا:"من شاء أن يدخل في الإسلام فليدخل،ومن شاء أن يخرج منه فليخرج". أما حدّ الردة فحديث خرافة يا أم عمرو.
كما أقترح عليهم أن يطالبوا لجنة صياغة الدستور، ورئيسها العميد عياض بن عاشور، بإدخال المساواة في الإرث في الدستور،التي أفتى بها "المجدد الإسلامي الشيخ حسن الترابي"،كما يسميه راشد الغنوشي في كتابه"الحريات العامة في الدولة الإسلامية"،بضرورة تبنيها وبإدخال حق المرأة التونسية في الزواج ممن تحب دونما اعتبار لأي تمييز ديني؛وهذا ما جدد الإفتاء به الترابي سنة 2009 عندما اعترف للمرأة المسلمة بحقها في الزواج من المسيحي واليهودي(علماً بأن الترابي نسخ أيضاً آية التمييز بين الرجل والمرأة في الشهادة قائلاً:"بل شهادة المرأة العالمة بشهادة أربعة رجال جهلة!") ... فلماذا تبقى المرأة التونسية،التي تحمل على صدرها وسام مجلة الأحوال الشخصية،محرومة من هذين الحقين الإنسانيين الأوليين اللذين اعترف بهما الترابي للمرأة المسلمة؟.
يجب امتحان شيوخ"النهضة" بطيب رجب أردغان وبحسن الترابي لكشف حقيقتهم وليس قطعاً للاستماع إلى فتاواهم القراقوشية التي سارت بها الركبان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سيدي عفيف الاخضر المحترم
رويدة سالم ( 2011 / 4 / 8 - 23:33 )
كلامك جميل لكن هل يمكن تطبيقه في مجتمعاتنا العربية الاسلامية لتوجه حصرا والثقافة والتراث السخي باقصاء الاخر وعدم احترامه بالنص التشريعي الصريح والواضح ا؟؟
كلامك جميل نظريا لكن هل يمكن للملحد أن يعترف بالحاده دون التعرض للقتل وما حدث في حق كتاب كبار كمحمود محمود او نجيب محفوظ او حامد ابو زيد يمثل الصورة الحقيقة للاسلام بكل مذاهبه وتوجهاته بعيدا عن الطوباوية التي تقدمها انت في مقالك؟؟؟
اذا كانت الساحة مليئة بالفتاوى المحرضة ضد المسيحي والبهائي والدرزي وكل ذي مذهب مخالف لهيئة رجال الدين الرسمية كالشيعة في بلاد السنة الذين يحرمون من ابسط حقوقهم الانسانية في الكرامة والاحترام الانساني الواجب بالاعتماد على النص التشريعي الاسلامي المستمد من القرآن والسنة هل يمكن ان نطبق ما تدعوا اليه سواء في تونس او غيرها؟؟؟
ما قدمته من احاديث او اجتهادات هي ناسخ ام منسوخ مقارنة بالنص الاصلي ام هي اجتهادات لبعض الافراد الذين لهم الف من ينتقدهم ويرمي بكل رؤاهم في البحر وينادي بفرض الحاكمية الالهية فقط ؟؟؟
تمكين الاسلاميين في تونس ألن يرمي بنا في براثن التشريعي الاحادي التوجه؟؟
مع ودي واحترامي

اخر الافلام

.. الأردن في مواجهة الخطر الإيراني الذي يهدد سيادته عبر-الإخوان


.. مخططات إيرانية لتهريب السلاح إلى تنظيم الإخوان في الأردن| #ا




.. 138-Al-Baqarah


.. المقاومة الإسلامية في العراق تدخل مسيرات جديدة تمتاز بالتقني




.. صباح العربية | في مصر.. وزارة الأوقاف تقرر منع تصوير الجنائز