الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثنائية مدح الأنا وذمها

محمد لفته محل

2011 / 4 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


صورة الأنا في المجتمع العربي تستحق البحث والاهتمام، فهي منقسمة بين وجوديين مختلفين متوازيين، واعني بها ثنائية مدح الأنا وذمها، فصورة الأنا عند العامة من الناس منقسمة في قيم البداوة التي تمجد أبراز الأنا والمبالغة فيها وإنكار الهزيمة أو تبريرها واختزال الأنا في نفس الوقت بشيخ القبيلة أو العشيرة، وبتأييد من المؤسسة الدينية بإنكار الأنا والاستعاذة بها، واعتبار مدح الأنا مثل ذمها؟ فنجد كل فرد يميل إلى مدح نفسه والمبالغة فيها حد التضخيم، ويميل لمدح الآخرين له، لكنه يكره أو يحتقر كل من يمدح نفسه حد المبالغة أمامهُ؟ فهو ينتقد الآخرين إلا نفسه، وحتى الادعاء بالتواضع يتحول إلى مدح الأنا من خلال الافتخار والمبالغة به، أما النخبة المثقفة فهي متشابهة في المضمون وان اختلفت بالشكل وهي بشكل أو بآخر امتداد للظاهرة نفسها بسبب المنشأ الاجتماعي ذاته، فالمثقف أيضا يعيش الثنائية، بين إنكار الأنا وبين رغبته بمدحها لشعوره بالتميز والتفوق على الآخرين، فكثير من الكُتاب لا يذكر أناه أو أسمه بل يستعيض عنها (كاتب هذه السطور) أو (الباحث) أو (المؤلف) ويستخدم بدل (اعتقد أو أتصور) صيغة الجمع (نعتقد) أو (نتصور) أو يستخدم أسمه الحرفي بصيغة الآخر (يعتقد الكاتب فلان أو يتصور فلان) وكأن أسمه لغيره، و(طه حسين) حين كتب مذكراته استعاض عن اسمه ب(صاحبنا) في كتاب (الأيام)، بل إن إحدى شروط كتابة البحوث في الجامعات هو استبدال أنا الطالب أو اسمه بالباحث، بينما هناك ُكتاب بالعكس نجد إبراز الأنا وتضخيمها كما في شعر (المتنبي) و (نزار قباني) و (حسين مردان) وسواهم.
إن منشأ هذه الصورة الثنائية للأنا، بسبب قيود المجتمع وانغلاقه بتابوات سياسية وإيديولوجية مقدسة تفكر وتفسر وتخطط وتوجه بالوكالة عن الناس كل شؤونهم الخاصة والعامة السرية والمعلنة، في الماضي والحاضر والمستقبل، تخضع الإنسان لهرمية متدرجة من الأعلى إلى الأدنى ابتدأ من الحاكم الأوحد الذي يعتلي رأس الهرم إلى كل من هو أدنى منه في الهرم والذي يكون منسوخا عن من هو أعلى منه على من هو أدنى منه ويكون هذا الأدنى بدوره أيضا منسوخا عن سابقه، وهكذا حتى نهاية الهرم الذي ينتهي بالأسرة بأب مضطهد ومتسلط على أسرته، لهذا يرضخ الناس لهذا الحاكم بعد أن يصير هذا النظام السياسي الهرمي المستبد جزء من نفسية الفرد وطريقة تفكيره وكلامه اعتقادا منه بأنه نظام الطبيعة والسماء! وبعد أن يترسخ هذا النظام في جميع المؤسسات ابتدأ من المؤسسات التعليمية الى العسكرية الى السياسية وحتى بقية المؤسسات الأخرى، حتى يتجمد المجتمع فكريا ويصبح كقطيع النمل متجانس ومختزل بشخص القائد الرمز، ومن المنطقي أن تظهر فلسفات سلطوية تتخذ من محاكاة الطبيعة نظاما مثاليا لها! فينظر إلى الاختلاف كخروج عن الأمة والنظام يستحق القصاص حد التكفير! واعتبار كل من تمنطق تزندق! لتذويب الأنا في التجانس الكلي ألقطيعي التابع للقائد الأوحد، إنها ثقافة قائمة على إلغاء كل تفكير فردي الذي يكون بذرة للمعارضة والاحتجاج والثورة، ونفسيا تسبب هذه السياسة نكوص الفرد للطفولة فهو يشعر كطفل عاجز ومحتمي بأبوة السلطة التي حددت وقدّرت كل تصوراته وحياته ومعيشته ومعاملاته وتفكيره بأيديولوجيتها المقدسة! تغري وتمّني غرائزه بالمكافئة لو أطاعها، وترعبه بأقسى أنواع العقاب لو خالفها، تحقق له الأمان والاطمئنان والاتكال الطفولي لكنها تقمع رغباته التي لا تعجبها، فتنشأ عنده ازدواجية الحب والكره للسلطة فيطيعها لعجزه وضعفه بدونها، ويحتال عليها حين تقمع رغباته، إن تقمص الفرد كما أشرت شخص القائد المطلق (الذي يمثل نفسيا رمز الأب) على أقرانه أو عائلته أو من هم دونه، بسلوكه أو أفكاره أو تمنياته، كنوع من التماهي مع هذه السلطة الهرمية، لأن مفهوم السلطة والشجاعة أصبحت لا تقترن عند هذا المجتمع إلا في محاكاة هذا الزعيم الرمز الأوحد أو من هو على نهجه، ومن هنا نرى هذه الرغبة المبالغة في مدح الأنا والادعاء بالشجاعة والبطولة والتفوق في كل شيء، وهو ذات المنطق السيكولوجي للحاكم الأوحد الذي يرفض أي منافس أو شريك أو معارض له، لهذا يكره كل من يمدح نفسه أمامه، ولأنه من جهة أخرى استحضار لهذا الزعيم المتسلط والمستبد المعاقب في هذا الآخر، وقد يصل النكوص عند الفرد لنمط حياته وعواطفه وتفكيره فيميل إلى تقديس التراث وعبادة الأموات البارزين، باعتبارها حاضنة له من الحاضر، والتثبيت النفسي على كل ما هو ماضي!.
إن هذا الإنكار أو الإبراز للأنا لا يمكن إلا أن يكون سلبيا، ويجب أن تأخذ الأنا مكانها الطبيعي في الشخصية والمجتمع بدون أي إسقاطات سياسية أو أسطورية وموروثات تاريخية، وهذا ما يجب على أهل ألاختصاص من علم النفس وعلم ألاجتماع أن يتولوا القيام به، وهذه الظاهرة غير موجودة في الغرب حيث يتكلم الشخص والمؤلف عن نفسه بكل بساطة وعفوية طبيعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 61-An-Nisa


.. 62-An-Nisa




.. 63-An-Nisa


.. 64-An-Nisa




.. 65-An-Nisa