الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذات زينب وعائشة..!! - قصة قصيرة

نضال فاضل كاني

2011 / 4 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


خرجت زينب وعائشة من قاعة المحاضرات في جامعة بغداد بعد ان استمعتا الى محاضرة من الدكتور عبد الكريم البغدادي عن لماذات الفلسفة، حيث بين الدكتور فيها ان مفتاح جميع الفلسفات التي ظهرت في التاريخ الانساني هو الاستفهام بلماذا.. اذ الانسان الذي يتفلسف يبدأ من أي شيء قد يثير فيه الدهشة كما قال افلاطون او يبدأ من شيء يثير فيه التعجب كما ذهب ليبنتز.. ليقول: لماذا .. يتسأل مثلا : لماذا وجدنا هكذا وليس غير هكذا؟ لماذا الموت؟ لماذا الألم؟ لماذا الشر.. الشقاء .. ؟؟ وغير ذلك.
دونت زينب نصا ذكره الاستاذ المحاضر قال فيه: « الفلسفة هي تلك العملية التساؤلية التي نحاور فيها انفسنا ونتحاور فيها مع الآخرين والعالم »(1).
كان الفرض المنزلي هو صياغة نص حواري بين كل طالبين او ثلاثة طلاب عن لماذات يستقونها مما في انفسهم او مما يحيط بهم.
كانت كل من زينب وعائشة تتذمران من هذا التكليف، قالت عائشة ساخرة: لماذا يطلب منا مثل هذا الفرض؟ ولماذا لا يطلب منا النوم مثلا؟ لقد اصبحت الان فيلسوفه .. وضحكتا معا.
في المنزل، رن موبايل عائشة، نظرت الى الرقم فاذا بها زينب، فتحت الخط، قبل ان تقول الو، جاءها صوت زينب، وجدتها.. وجدتها..
- ردت عائشة مستغربة، ما لذي وجدتيه؟
- زينب: اللماذا التي سنكتب حواريتنا حولها
- تأففت عائشة وهي تقول: افزعتني، ظننتك وجدت سورا من ذهب، ما..
- قاطعتها زينب وقالت: انا متحمسة هل آتي اليك ام تأتين إلي؟
شعرت عائشة ان زينب جادة بشكل لا يتحمل المزاح، فقالت لها، عشر دقائق واكون عندك. وقد كانتا يسكنان في الشارع ذاته.
بعد ان جلستا في غرفة زينب، بدأت زينب حديثها وقالت: لقد حصل لي شيء غريب، كنت اشاهد التلفاز واستمع الى الاخبار المشحونة بالقتل والتفخيخ والثورات والمقاومة، وكانت امي تجلس أمامي ، وفجأة رفعت يديها الى السماء وقالت: يا الله، لماذا يحصل هذا بنا؟
كان سؤالها يا عائشة في تضرع ولوعة ورغبة شديدة لمعرفة الجواب بدرجة اثرت بي بحيث رأيت في ثوان قليلة سلسلة فكرية متصلة، قد تصلح ان تكون الحوارية الفلسفية التي طالبنا بها دكتور عبد الكريم.. ثم صمتت قليلا وقالت: ليس الامر اني اهتم لهذه الدرجة بسبب تكليف الدكتور، بل لاني بالفعل شعرت بشيء ذي معنى حقيقي خلال تأملي ذاك.
قالت عائشة: لقد اثرت اهتمامي، حسنا، ما فكرتك؟ وكيف ستكون هذه الحوارية الفلسفية؟
قالت زينب بلهفة: حسنا اسمعي.
* * *
بعد يومين وفي قاعة المحاضرات، كانت زينب وعائشة من ضمن الطلبة الذين رفعوا ايديهم لتقديم حواريتاهم الفلسفية امام الطلبة.. وبعد ان تجاوزهما الدكتور – من غير عمد – مرتين، جاء دورهما .. صعدتا على المنصة قرب منضدة المحاضر .. وقفتا واحدة مقابل الاخرى وبدأتا بالحوار..
عائشة: الى متى يا زينب نبقى بهذا الحال، لا كهرباء لا اعمال لا حقوق لا خدمات ؟
زينب : لا اعلم الى متى، ولكن ليس هذا ما يهمني الان؟
عائشة: وهل هناك شيء اكثر اهمية من هذا ؟ نكاد ننسى اننا نحيا في القرن الحادي والعشرين بسبب الحر واختناقات المرور والعنف والمهاترات الكلامية بين الساسة ؟ هل هناك اهم من هذا يا زينب؟
زينب: لا و نعم.
عائشة : ماذا تقصدين بـ لا و نعم
زينب: يا عائشة، ليس هناك اهم من هذا الهم الذي وضعونا فيه، لقد نجحوا بالفعل في تجريدنا من جانب كبير من انسانيتنا حتى بتنا وكأن لسان حالنا يقول: بالخبز وحده يحيا الانسان، ولكن السؤال الذي يشغلني ليس الى متى بل لماذا يفعلون ذلك؟
عائشة: ماذا تقصدين؟
زينب: انا حائرة، لقد كانوا معارضة، وعاشوا عقودا في الخارج يتنقلون ما بين الدول الغربية، ورأوا كيف بنت الامم المعاصرة حضاراتها .. رأوا كيف نجحت الامم المتقدمة في احتواء التعدد الديني والطائفي والحزبي والقومي .. رأوا كيف تحترم الحكومات شعوبها .. ورأوا اشياء كثيرة متحضرة. فلماذا عندما اصبحت السلطة بأيديهم نسوا كل ذلك وعادوا الى سيرة الجاهلية الأولى ..
عائشة وقد بدا عليها انها دخلت في فضاء زينب الفكري وكأنها تشهد معها الصور ذاتها: تسألين لماذا يفعلون بنا ذلك؟
لعل السؤال الاهم يا زينب هو : لماذا اخترناهم اصلا، لماذا جددنا لهم الولاية علينا مرة واثنتين وثلاثة ، ولا شك اننا سنجددها لهم رابعة وخامسة وسادسة .. لماذا نحن نفعل ذلك بأنفسنا يا زينب؟ لماذا نجدد لهم الولاية على حريتنا وكرامتنا وحقوقنا واحلامنا .. لماذا ؟
زينب: أو لعل السؤال الأهم هو : لماذا لا نستطيع اختراق الاجندات الموروثة والأيدولوجيات المستوردة ..
عائشة: معك حق، فهناك عدم قدرة على التحرر في اتخاذ قرار حر في بلد كل يدعي فيه أنه حر.
زينب : هل تعتقدين ان دكتور عبد الكريم سيعجب بهذه اللماذات ام سيعتبرها مخالفة لقانون حرية التعبير عن الرأي ويشي بنا الى اقرب ميليشيا تلبس الزي الرسمي لتحمي نفسها منا؟
ضحكت عائشة وقالت: لا لا لن يفعل لا تخافي فدكتور عبد الكريم استاذ اصيل، جذوره ضاربة في اعماق الارض ولا يزال شامخا رغم الاعاصير كجذوع النخيل.
صفق الدكتور عبد الكريم لهما وصفقت معه قاعة المحاضرات بأجمعها وقد تأثر بحديثهما الجميع .
النهاية
ـــــــــــ
(1) زكي ابراهيم – مشكلة الفلسفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون يعلن البدء ببناء ميناء مؤقت في غزة لإستقبال المساع


.. أم تعثر على جثة نجلها في مقبرة جماعية بمجمع ناصر | إذاعة بي




.. جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ


.. ما تأثير حراك طلاب الجامعات الأمريكية المناهض لحرب غزة؟ | بي




.. ريادة الأعمال مغامرة محسوبة | #جلستنا