الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفكر الاسلامي بلغة علمانية

سامر خير احمد

2004 / 10 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حتى نقطع الطريق على الذين يحبون الاصطياد في الماء العكر، نبدأ بالقول أن العلمانية لا تعني الإلحاد، كما أنها –فضلاً عن ذلك- حين تتعلق باللغة والمقولات والخطاب، تكاد تكون صنواً للعقلانية والموضوعية، أي نقيضاً للغيبيات، دون إنكار الغيبيات بالضرورة.
إحدى وجوه أزمة الفكر المعني بتحكيم "الإسلام" وإنهاض المسلمين، والمتعارف عليه بـ"الفكر الإسلامي"، تتمثل في اللغة التي يستعملها، أي في التعبيرات التي يحتويها، وبالتالي في المسائل التي يُعنى بها ويحللها وتشكل مجال اهتمامه، وكذلك في المرتكزات التي يقوم عليها ويوظفها لحل تلك المسائل.
هذه اللغة هي بالأساس لغة تراثية، أي لغة غير معاصرة، بدليل اهتمامها بالمحسنات وألوان البديع، واعتمادها على الإطناب والتصوير، وهي محتويات لغوية سقطت في لغتنا المتداولة، التي صارت أقرب إلى المباشَرة والاختصار وتجنب التكرار في المعنى، وهي لغة تراثية، أي تنتمي للماضي لا للحاضر، لأن المتحدثين بها يودون العودة إلى مجد الماضي، أي مجد المسلمين السابقين الذين يختلف حالهم عن حال المسلمين المعاصرين، فهم يقلدوهم حتى في أسلوب كلامهم والمصطلحات المحتواة فيه باعتبار ذلك جزءً من محاولة التقليد الشامل التي يأملونها!
هذه اللغة يمكن رصدها وملاحظتها لا في خُطب الجمعة ودروس المساجد الدينية وحسب، والتي قد يتصور أصحابها أن أداءها يتطلب الخروج من الحاضر إلى التاريخ، حين كان للمسجد دور مركزي في المجتمع، بل هي –أي اللغة- موجودة حتى في الكتابات الصحفية التي يخطها كتّاب صحفيون يُفترض أنهم يحللون قضايا راهنة، أو هكذا يوهمون أنفسهم على الأقل!
لكن المشكلة الأكبر هي أن استخدام لغة التراث، المطعمّة بالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة بمناسبة وبغير مناسبة، باعتبار أن ذلك ضرورة للنص(!)، لا تتوقف عند شكل اللغة وإنما تمتد إلى موضوعاتها، والى الحلول التي تقترحها، فالموضوعات حتى وإن كانت تناقش قضية معاصرة سياسية أو اجتماعية، كالقضية الفلسطينية على سبيل المثال، فهي –وأثناء جريها على عادة الإكثار من المحسنات اللغوية التراثية- تلجأ لاستعارة أحداث من التاريخ على سبيل التدليل والتشبيه، وكأن الحالة اللحظية قابلة للانتقال -كما هي- عبر الزمن بظروفها وتجلياتها، ثم –وهذا هو الأهم- بالحلول التي يجب تطبيقها عليها، فتناقش قضية الوجود الصهيوني في فلسطين والدعم الإمبريالي الذي تتلقاه (إسرائيل) وتعتبر هي جزء منه بطريقة أحداث يهود الجزيرة العربية قبل قرون طويلة، وهكذا لا تتم مناقشة المسألة مناقشة علمية، وبالتالي فإنه لا يتم الوصول إلى فهم حقيقي واقعي لها، ولا يكون ممكناً وضع الحلول المفيدة لها والتي يمكن لكل مسلم فعلها على طريق النصر على الوجود الصهيوني في أرضنا.
أما سبب انتقال مشكلة اللغة من الشكل إلى المحتوى، أي إلى الموضوعات والحلول، فهو أن التفات أصحاب تلك اللغة إلى التراث/ الماضي باستمرار يطال عندهم حتى الطريقة التي كان المسلمون يديرون أمورهم بها، وينتصرون بفضلها، في إهمال متعمد لحقيقة تغيّر الدنيا وتبدل حال الإنسان، خاصة في القرون القليلة الأخيرة.
إن لتلك اللغة، وانعكاساتها في المحتوى، أثراً سلبياً واضحاً على وعي المسلمين، يتمثل في الحيلولة بينهم وبين التمكن من التغيير، بسبب السلبية والخروج من الواقع التي يقودهم إليها، وبالتالي الشلل التام أو الانحراف في الأسلوب الذي يقعون فيه، وهو انحراف يتمثل في الهجرة من الحاضر إلى التاريخ ومنطقه.
والخلاصة التي نصل لها، منطقياً، أن تغيير وعي الناس –عامة المسلمين- بغرض تفعيله، إنما يكون بالعودة بهم إلى الحاضر، عبر استعمال لغته، وهي لغة علمانية بامتياز، تستخدم المنطق عوضاً عن البراهين النصية القطعية، أي تعتمد الإقناع بدلاً من الإكراه، والمناقشة بدل التوجيه، وذلك في موضوعات الفكر الإسلامي التي يغلب عليها الآن لغة التراث التي يستعملها أناس يظنون أنهم يعيشون في الماضي فتطرح بالتالي أفكاراً لا علاقة لها بالواقع المعاش، ولا أثر إيجابيا لها على المشكلات الحضارية التي يمر بها المسلمون، فتظل عاجزة وقاصرة، ونظل مهزومين ومتخلفين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنيش: صاروخ الشهيد جهاد مغنية من تصنيع المقاومة الإسلامية وق


.. الأهالي يرممون الجامع الكبير في مالي.. درّة العمارة التقليدي




.. 121-Al-Baqarah


.. 124-Al-Baqarah




.. 126-Al-Baqarah