الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غياب القانون بوصفه أزمة في بنية البلدان العربية

ماهر اختيار

2011 / 4 / 14
المجتمع المدني


غياب القانون بوصفه أزمة في بنية البلدان العربية
إن إحدى القراءات الممكنة لتلك الثورات التي تجتاح معظم البلدان العربية تتمحور حول فرضية غياب تطبيق القانون وتشبث الإنسان العربي (بدءاً من النخب السياسية والاقتصادية والثقافية إلى قاعدة الهرم الشعبي) بنوازع وأهواء الطبيعة البشرية، تلك التي ساعد العقد الاجتماعي على وضعها في الظل عاجزا فعليا عن إلغائها. دعونا إذن نستحضر بعضا من أفكار الفيلسوف الانجليزي توماس هوبز 1588-1679 في سبيل تقديم قراءة أولية لهذا الحراك العربي غير المسبوق والذي يسعى لنيل بعضا من حقوقه المسلوبة.
عندما تبقى قوانين العقد الاجتماعي حبيسة الدفاتر والدساتير ولا يخول لها تجاوز صفتها الورقية، يغلب على سلوك الإنسان ثلاثة عناصر تؤدي به للنزاع مع أقرانه وتعيده لمرحلة ما قبل العقد الاجتماعي. فتسيطر على سلوك الإنسان في هذه المرحلة، حسب هوبز، ثلاث نزعات طبيعية وهي : التنافس، الاختلاف والرغبة في تحقيق المجد. ففي ظل نزعة التنافس يميل الإنسان (ونستخدم هنا مفهوم إنسان ليشمل كل كائن اجتماعي دون استثناء) لاستخدام القوة العمياء بهدف السيطرة على الآخرين. أما الشعور بالاختلاف فيدفعه لاستخدام قوته أيضا وقوة المقربين منه من أجل الدفاع عن وجودهم وعدم تعريض هذا الوجود للإضعاف أو للزوال. أما النزعة الأخيرة والتي تدور حول رغبة الإنسان بتحقيق المجد فتجعله أعمى النظر وتشل عقله لدرجة أنه يستخدم قوته مرة أخرى من أجل معاقبة من تسول له نفسه بالتقليل من شأن سمعته، فوجوده لا يتبلور دون البحث عن السمعة وعن بناء الشخصية الطاووسية، ولو كان بناء هذه الأخيرة يتم من خلال نفاق من حوله.
في الواقع إن غياب القانون المدني والتقاعس المؤسساتي عن تنفيذه في معظم البلدان العربية دفع المواطن لإتباع طرق ملتوية فاسدة تجعل من هذا الإنسان ذئبا لأخيه الإنسان، فعندما لا تحكمنا القوانين، وعندما نجد الكثير من الطرق للالتفاف حولها، وعندما تصبح هذه الطرق خاصية من خصائص الفرد الشاطر والعملي، فإن الأهواء تسيطر على المجتمع معززة بذلك تعريف اسبينوزا للإنسان بأنه أناني بطبعه وأن كل إنسان يتصرف وفقا لما يرى فيه مصلحته الخاصة. من هنا تظهر الأزمات في بنية مجتمعاتنا العربية ومؤسساتها، فالفرد ،سواء انتمى إلى النخب السياسية أو إلى عامة الشعب، يتجاهل واجباته تجاه احترام القانون ساعيا لنيل حقوقه التي يسعى لإدراكها بكل الوسائل المتاحة وإن أدى ذلك إلى ضرر بممتلكات الغير العينية والعقلية والروحية. وهذا لا يعني أننا ندعو لعدم السعي لنيل حقوق الفرد وإنما نحاول التأكيد على وجوب السعي لنيلها في ظل سيادة القانون وأولوية تطبيقه على الجميع دون استثناء.
إن سعينا للتطبيق سيادة القانون ورفع شعار القانون فوق الجميع دون استثناء يهدف لبناء نظام ديمقراطي أو بالأحرى يهدف لدمقرطة مجتمعنا وذلك لترسيخ القاعدة التالية : إن الحق الفردي هو حق جماعي، لا بل إن هذا الحق نابع من اتفاق إرادة الجميع وليس مصدره إرادات فردية. فالثروات الضخمة التي امتلكها بعض رؤساء البلدان العربية أمثال بن علي ومبارك لم تتراكم بفعل إرادات جمعية شعبية أو من خلال طرق قانونية علنية، وإنما تضخم هذه الثروات أتى بفعل ميول فردية تعمل على استغلال حقوق الشعب ونهب ثرواته.
أخيرا بوسعنا أن نخلص إلى أن الهدف من هذا الحراك الشعبي العربي ليس إسقاط النظام كرها بالنظام، فالشعوب تبحث عن النظام لتضمن بقاءها، بل إن هذه الشعوب وبفعل الأزمات التي تضرب بنيات مجتمعاتها تطمح لنيل حياة أفضل، إنها تسعى وراء فكرة قد قالها اسبينوزا من قبل وهي: إن الشعوب ترفض الخير الأقل وذلك سعيا وراء الخير الأعظم، إنها تنقد الشر الأعظم ومستعدة لقبول الشر الأقل، أي إن الشعوب تطمح للحصول على حق اختيار أعظم الخيرين وأهون الشرين. ولكن على هذه الشعوب أن تعي، في الوقت نفسه، بأن الوصول لهذه المرحلة لا يتم إلا من خلال اكتساب وتقبل واجبات الفرد تجاه دولة القانون، فقبل المطالبة بالحقوق الفردية دعونا أولاً نحاسب من لا ينفذ واجباته تجاه الأخر.
ماهر اختيار











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرا العربية ترصد نقل قوارب المهاجرين غير الشرعيين عبر الق


.. هل يمكن أن يتراجع نتنياهو عن أسلوب الضغط العسكري من أجل تحري




.. عائلات الأسرى تقول إن على إسرائيل أن تختار إما عملية رفح أو


.. بعد توقف القتال.. سلطات أم درمان تشرع بترتيبات عودة النازحين




.. عادل شديد: الهجوم على رفح قد يغلق ملف الأسرى والرهائن إلى ما