الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اسلام الساسة

رباح حسن الزيدان

2011 / 4 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إسلام الساسة حقيقة تاريخية في الأسلام , إذ لا فصل البتة بين الديني والسياسي في الثقافة الأسلامية . والحقيقة البديهية الأخرى هي أن السلطة السياسية ليست مجردة كلياً عن صفة القداسة , إذ إن المقدس , خفياً كان أم ظاهراً , حاضر دوماً في السلطة وملتصق بها أشد الالتصاق .
تم التركيز في الاسلام على الوحدة العضوية الدينية أي على جماعة تلتف حول الدين , وتتعاون على البر والتقوى , وتكبر الأيمان , وتقوى بنشر الاسلام والذود عنه , فأرتبط الأجتماع بالدين , حيث يقول برهان غليون في هذا الصدد : "أصبح الدين هو المؤسس للأجتماع السياسي , والاشتراك في العقيدة أساس هذا الاجتماع , وغاية هذا الاجتماع السعادة في الدنيا والاخرة سعادة مستمدة من الخضوع لله وتعاليمه والقيم السماوية ".
إلا أن الدولة لا تتم ولا تكتمل وتقوى وتعظم إلا إذا ما ارتكزت على أصل أساسي هو المجتمع نفسه . وهذا ما بينه ابن خلدون حين أشار الى أن الوازع الديني وحده لم يكف لقيام الدولة وتطورها في الأسلام , وقدم ابن خلدون وازع العصبية , وهو وازع أجتماعي , شرطاً لقيام الدولة , ورغم تخلص هذه الدولة التي أشار اليها ابن خلدون من الدين , فإنها احتاجت اليه ليضفي عليها الشرعية , ويكرس صبغتها الإكراهية الضاغطة .
ويقول الجابري في هذا الصدد : "لا أحد من الحكام في التاريخ الأسلامي استغنى أو كان في أمكانه أن يستغني عن أعلان التمسك بالدين , لأنه لا أحد منهم كان يستطيع أن يلتمس الشرعية لحكمه خارج الإعلان عن خدمة الدين والرفع من شأنه ", فقد أعلن بنو أمية أبقاءهم لمعاني الخلافة "من تحري الدين ومذاهبه والجري على مناهج الحق ", وساست دولة بني العباس "العالم سياسة ممزوجة بالدين والملك ", وكانت العقيدة الأسماعيلية الأساس الذي أرتكزت عليه الدعوة الفاطمية .
ورغم أنقلاب الخلافة الى ملك , وقيام السلطة الأموية عل القهر , واستعمال القوة وتحكيم السيف وتحول الجيش الى أداة دفاعية أمنية أكثر منها جهادية , والأخلال بمبدأ الشورى عند أثبات نظام ولاية العهد , فإن الأمويين أذاعوا أن خلافتهم تقليد من الله , وأن ملكهم بقضاء من الله وقدر , وأنهم يعملون بإذنه طائعين لأمره , وأن خضوع المسلمين لهم وطاعتهم قدر سماوي . ولم يعتبر الأمويين أنهم أفضل العرب نسباً وأقواهم عصبية فحسب , بل هم أحسن المسلمين ديناً وتقى جاؤوا ليوحدوا الجماعة التي تفرقت , ويجمعوا أمة شقت فيها عصا الطاعة .
فقد أدرك الأمويين أن قرابتهم لعثمان لا تشكل مبدأ ينشر شرعية خلافتهم , فجنحوا الى مذهب الجبر في الخلافة , واعتمدوا عليه لإثبات شرعيتها . ودعم شعراء بني أمية هذا التفويض الإلهي في قصائدهم , وبرر الخلفاء بالجبر هدفهم الى توحيد الجماعة وقضاءهم على شق عصا الطاعة , واستعملوا هذين المبدأين في مواجهة المعارضين , فهذا يزيد بن معاوية مثلاً يبرر قتل الحسين بن علي بقضاء من الله الذي يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء .
فإعتبر الأموييون الخلافة مؤسسة مصونة بحفظ الله ورعايته , وهي وسيلة الى أظهار الحق وإقرار العدل وتطبيق الشريعة , وقد رووا عن الرسول أحاديث في معاوية , الذي حرص على الظهور بثوب الدين .
وها هو يزيد بن معاوية يقول عند وفاة والده : "كان حبلاً من حبال الله , مدّه ما شاء أن يمدّه ثم قطعه حين شاء أن يقطعه".
وألحّت خطب ولاة الأمويين هي أيظاً على الطاعة للسلطان , وصورت صور العذاب الأليم لأهل المعصية , وحذرت من أنتهاك حرمة الإسلام وجعلت السلطان يسوس الناس بسلطان الله . فهذا زياد بن أبيه يخطب في أهل البصرة قائلاً :"أيها الناس إنا أصبحنا لكم ساسة وعنكم ذادة نسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا ونذود عنكم بفئ الله الذي خوّلنا . لنا عليكم السمع والطاعة فيما أحببنا ولكم علينا العدل فيما ولّينا".
ورغم حرص الأمويين على لباس ثوب الدين , فأن قوة السيف في ملكهم كانت أظهر من سلطة الدين , ودور العصبية أبين من الوازع الديني .
أعتبر أن إرادة الخليفة هي تعبير عن الإرادة الإلهية وتنفيذ لها , وجعلوا ملوكهم سلاطين الله في أرضه يسوسون بيتوفيقه وتسديده , ويعلمون بكتابه وسنة نبيه ملتزمين بالعدل , رافعين المكروه , ناصرين المظلومين , باسطين الحق , قاطعين العدوان , متفقدين أحوال الرعية . وطلبوا من المسلمين أن يعينوا الخلفاء على أقامة حق الله وعدله وجمع الألفة بالطاعة . فبالطاعة تقام فرائض الله وحدوده وشرائع الإسلام وسننه , والطاعة هي التي تمنع اختلاف الملّة وقهر الدين وتفرّق الكلمة وخسران الاخرة , والطاعة هي التي تتم الخلافة وتعزها , وطاعة الله عن طريق طاعة الخليفة .
وقد ظهرت النزعة الدينية للدولة في العهود والوصايا . ففي عهد أبي جعفر الى المهدي يوصيه بأن يكون أهل الدين أعضاده و ويوصيه بتقوى الله والمل بطاعته والاستعانة به أمر الدنيا والتقرب بالدين اليه والجهاد في سبيل الله وإهلاك عدوه وإقامة العدل .
وقد وجد العباسيون في المثقف قلماً يؤيد قدسية سلطانهم ويبرر حاجة الملوك الى الدين وضرورته لتنظيم المجتمع ويشرع طاعة الساسة التي تكون بطاعة الشعائر واليسنن ويدافع عن خلافتهم .
خاض العباسيون معارك معركة سياسية وفكرية ضد العلويين في العصر العباسي الاول , وسخروا لها رجال الفكر والعقيدة , واتهموا من أرادوا التخلص منه بتهمة الزندقة والتهتك , طلباً للتأثير في العامة حتى تقبلوا سلوك العنف المعاقب وتعتبره شرعياً.
ولكي تثبت الدولة العباسية أن السياسة شرعية , احتاجت الى إثبات صورة حكم أموي مناف للشريعة , وإلى تشويه صورة السابقين الأخلاقية .
وتبنت الدولة العباسية مذهب أهل السنة والجماعة فحاول أبو العباس والمنصور والهادي والرشيد أن يعتمدوا على الإسلام كما فهمه أهل الحديث , أما المامون والمعتصم والواثق فقد أتخذوا الاعتزال مبدأ رسمياً للدولة .
فقد أصدر المامون سلسلة من المراسيم بغرض تعميم الاعتزال لا سيما القول بخلق القرأن , في جميع انحاء الدولة الاسلامية . وفرض هذا المبدأ على الناس بالقوة متدخلاً في أمر العقيدة تدخلاً عنيفاً .
ولم يكن الصراع على الخلافة دموياً فحسب بل كان هجاءً وثلباً وتعييراً ومفاضلة .
أما الفاطميّون فقد قامت دعوتهم على تأكيد الإمامة وترسيخ قداستها والحرص على رسومها . وفلسفة الحكم عندهم من المذهب الشيعي الإسماعيلي , يعتقدون أن الإمامة هي ركن الدين وقاعدة الاسلام , وأن من كان في هذه الامة لا امام له عاش ضالاً تائهاً ومات كافراً منافقاً .
تنتقل في أعتقادهم الاسرار المكنونة والعلوم الدينية من الامام الاب الى الامام الابن وراثياً , فكل إمام يجعل لأبنه عقد الامامة من بعده ويودعه ما يحوز من أبيه عن جده .
ومن الشروط المهمة عندهم الوصية أو النص . يقولون بوجوب الطاعة , وجعلوا الطاعة في الامامة وأعتبروا الرافض للامامة رافضاً للطاعة . فالامام عندهم قيّم على الدين , وهو مثل الرسول بشير ونذير , وهبه الله السلطة وميزه على العباد ليعقد أحكام الله وأوامره ويهدي البشر ويصلح الدنيا ويكون سراطها . ووضح دعاة الفاطميين فضل الأئمة ووجوب طاعتهم والتسليم لهم في جميع الامور وموالاتهم والخوف منهم وتعظيمهم والسجود لهم تقديساً ومعاداة أعدائهم . فبعد ان كان الخليفة العباسي يتم تعيينه من الخليفة السابق بأن يعهد اليه بولاية العهد فأن الامام الفاطمي هو خليفة من سبقه بموجب الحق الالهي . ويتم أختياره ليكون وصياً للنبي وعلي بن أبي طالب . والشرط اللازم توفره في الامام هو الوصية عليه من الامام السابق .
وأكد الائمة في خطبهم لزوم طاعة "المهديين من ذرية الحسين أعلام الهدى وبدور الدجى وسادات الورى وأولياء الرحمن وحجج الزمان ودعائم الايمان ".
وأستعمل الفاطميّون الكيد السياسي أول ما أقاموا ملكهم في مصر , فلم يغيّروا أسلام الناس وفق مذهبهم "الاسلام سنة واحدة وشريعة متبعة " وتركوا الناس يؤدون فروضهم كما أعتادوا , الا أن ذلك لم يدم طويلاً , فما أن قام الامر للفاطميين حتى غيرتا الإصلاحات جوهر بعض الرتب الطقسية وجاء التغيير بترك المذهب السني في مصر .
كان حكم المرابطين مزجاً بين الدين والسياسة وأشتهرت دولتهم بسيطرة الفقهاء الدينية والاقتصادية والسياسية .
وظهر في أخر عهد المرابطين المهدي بن تومرت الذي قوض حكمهم من خلال رفع شعار الامر بالمعروف والنهي عن المنكر , وتقديم بديل أسسه على دعائم ثلاث : تصور في العقيدة يقوم على التوحيد , ومنهج شرعي يقوم على التأصيل , وحكم سياسي يقوم على العدل . وما أن أخذ تومرت يدعو الى أفكاره حتى أنظم اليه الاتباع الذين أستحبوا فكرة ظهور المهدي ينصر الدين وينشر العدل . فبايع الناس أبن تومرت .
وذكرت المصادر التي وصفت حكم الموحدين والمراجع التي درست فترتهم أن عبد المؤمن كان "يعظم أمر الدين ويقويه ويلزم الناس في سائر بلاده بالصلوات ومن رؤي في وقت الصلاة غير مصل قتل ".
وقد رسمت رسالته التي بعث بها الى موحدي الاندلس الأسس الدينية لسياسته متوعداً الفسدين حاثاً على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وسار أبو يعقوب وأبو يوسف وغيرهما سيرة عبد المؤمن في أقامة الشعائر والتزام العمل بالمعروف والنهي عن المنكر وأقامة الحدود .
ولا يختلف المحدون عن غيرهم من الساسة في ذم من سبقهم في الحكم , فقد قامت دعوة أبن تومرت على هجاء المرابطين الذين حادوا عن الحق ولم يخلصوا للتوحيد وعذبوا الناس وظلموهم وأفسدوا في الارض وسفكوا الدماء وأستباحوا أموال الناس وجمعوا الحرام وشربوا الخمور وتهاونوا وأستخفوا بالحق .
ومجمل القول أن الامة التي كانت الخلافة الراشدة تحرص على توحيدها وتشريكها في الفعل السياسي أصبحت قوة رمزية توظف لتبرير الملك .
وقد تم الأنزياح عن تجربة المدينة في الواقع التاريخي مع تحويلها في نفس الوقت رمزياً الى تجربة لا تاريخية ثابتة مقدسة .
ولقد فرضت طبيعة المنصب التي جعلت الملك والدين توأمين , فرضت على الحكام المسلمين أن يظهروا للناس بمظهر الساسة الحارسين للدين المطبقين له , ومدهم كيدهم السياسي بأستعارة الظل لتسييس المقدس وتقديس السياسي وتفطنوا الى أمكانية مسرحة الدين للتأثير في الرعية وتدجينها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال