الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
احتلال العقول
أحمد محمد صالح
2004 / 10 / 25العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
فى المعاجم العربية ، احْتَلَّ يَحْتَلُّ احْتِلالا ، (الاحتِلالُ): هو استِيلاءُ دولة على بلادِ دولةٍ أُخرى أَو جزءٍ منها قَهْرًا، اًوَغَزْوًا. وقد يكون الاستيلاء ليس على المكان فقط ، بل الأخطر منه الاستيلاء على العقول واحتلالها بأفكار من الموروث الثقافى باسم الدين ! كان المصريون يصفون بالتحضر ، والقدرة على التواصل مع الشعوب الأخرى ، وحب الحياة والإقبال عليها ، وامتلاك روح الفكاهة والضحك ، والحلم والدماثة ، ويتحلوا بالصبر والجلد . لكن نتيجة منظومة من العوامل الداخلية والخارجية ، انفجرت فى هزيمة 67 ، كان أهمها حرص بعض الدول المجاورة لأسباب تاريخية استغلال تلك الهزيمة لتنقل لنا منظومتها الدينية بالتعاون مع التيارات الدينية فى الداخل ، فساد الاكتئاب والنكد وثقافة الموت بين المصريين باسم الدين ، وجندوا من أسموهم بالدعاة لنشر مذهبهم البغيض الذى ينادى بنبذ حب حياة الدنيا و مباهجها و بتحريم الثقافة و الموسيقى و الفن و الأدب و بتكفير كل من يخالف تعاليم تلك المنظومة من الافكار التراثية المتخلفة ، والتى سخر لنشرها بعض رجال الدين و وسائل الاعلام وكافة مناهج التعليم ، وعمل الجميع على نشر تلك المنظومة الدينية التى تعمل لصالح قيم السلف والتزمت وحجب وعزل المرأة ، والمبالغة فى النزعة الذكورية ،وتفضيل الماضى ،ونبذ العلم والتفكير العلمى ،وتضخيم النزعة العائلية والقبلية ،وتنمية الروح القدرية ، ونجحوا ان يحتلوا عقول المصريين وغرسوا فى وجدانهم وأن الفقر والأزمات الاقتصادية فى مصر نتيجة أساسية أيضا لعدم تطبيق تلك المنظومة الدينية .ويظهر ذلك بطريقة مستترة فى الخطاب الإعلامي الرسمى ، وفى الخطاب الدينى على منابر المساجد بطريقة صريحة وعلانية ، و هكذا أصبحنا دون أن ندرى نعتنق تلك المنظومة التراثية ، و صرنا نتكلم لغة التعصب و الارهاب مثلهم كما اننا أصبحنا ننافس بعضنا البعض فى التفاخر والإستعرض بأداء شعائر الدين ، واصبحنا مهووسين بحياة الكذب والرياء الدينى ،فانتشرت المساجد تحت العمارات ، وتصارعت ميكروفاتها فى التبارى بالصوت العالى المتشنج وهى تدعو الناس للصلاة ، وتكالب الناس على العمرة والحج مهما كان الثمن ، وأطلقت اللحى ، وقصرت جلاييب الرجال ، وغطت روؤس النساء تحجبا ، واشتعلت المباخر تنشر البركة والتخلف على مصر كلها ! ولم نعد نستطيع التفرقة بين الاعتدال والتطرف الدينى سميفونية واحدة من النعيق المتناغم . الفارق فى درجة الصوت فقط ! واصبحت النصوص الدينية المذاعة ليل نهار ، هى الخلفية الموسيقيه لكل المفاسد التى تمارس مختبئة وراء الرياء الدينى ، وانشغلنا عن الإبداع والإبتكار والعلم والمشاركة فى حضارة اليوم بهواجس الحلال والحرام والجنة والنار ، وتقديس النصوص والمرجعيات الجامدة ، والشكليات الدينية ، واصبحنا مثل بقية المسلمون من أشد أمم العالم تخلفا ورجعية وضعفا وفقرا وجهلا ومرضا ، وهذا ما رصده تقرير التنمية الإنسانية العربية عام 2003 ، حيث التخلف الشديد للعرب على كافة الاصعدة ، وناقش التقرير دور الدين فى التنمية وقال : أن المشكلات القومية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التى طرأت منذ سنوات الاستقلال على العالم العربى خلقت اثارا عميقة فى جملة الأوضاع المعرفية والعقلية والثقافية فى البلدان العربية وكان الدين والتصورات والغائيات المرتبطة به أحد الوجوه الأساسية التى تاثرت بهذا التطور . فقد افضى تحالف بعض انظمة الحكم القهرية مع فئة من علماء الدين الإسلامى المحافظين إلى تأويلات للإسلام خادمة للحكم ، ولكن مناوئة للتنمية الإنسانية خاصة فيما يتصل بحرية الفكر والاجتهاد ومساءلة الناس للحكم ، ومشاركة النساء فى الحياة العامة ، كما ان التضييق على العمل السياسى فى كثرة من البلدان العربية قد دفع بتيارات ذات صبغة إسلامية تحت الأرض ، والجأ بعض التيارات السياسية إلى التسربل بالإسلام . وفى غياب مسارات سياسية سليمة ولكن فعالة لدفع المظالم القائمة فى الواقع العربى على الصعد القطرية والإقليمية والعالمية ، أندفعت بعض الجماعات السياسية المتشحة بالدين إلى التمسك بتأويلات متشددة ، وأعتماد العنف وسيلة للفعل السياسى والنفخ فى نيران العداء للقوى السياسية المناهضة فى البلدان العربية بتهمة العداء للإسلام ذاته ، وقد افضى ذلك إلى ارتفاع وتيرة الصراع والصدام مع المجتمع والدولة ويلغت حالة التقابل والمواجهة مع الغرب على وجه الخصوص اشدها غداة أحداث الحادى عشر من من سبتمبر 2001 ، ويلخص التقرير إلى ان مثل هذة التأويلات المتطرفة لا تقتصر على التعارض مع صحيح الدين بل انها تشيع الفرقة داخل المجتمعات ، وتحيد بها عن متطلبات مجتمع المعرفة ، ويسترسل التقرير ويؤكد على ان صحيح الدين يحض على ارتياد العلم وإقامة مجتمعات المعرفة وليس فقط لا يتعارض مع اى منهما ، ولعل عصر الازدهار العلمى العربى والذى اتسم بتأزر قوى بين الدين ممثلا فى الاسلام من جهة والعلم من جهة اخرى لخير دليل على ذلك . وطالب التقرير بتأسيس نموذج معرفي عربي عام وأصيل ومنفتح ومستنير بالعودة إلي صحيح الدين وتخليصه من التوظيف المغرض وحفز الاجتهاد وتكريمه والعودة إلي الرؤية الانسانية والحضارية لمقاصد الدين الصحيحة واستعادة المؤسسات الدينية لاستقلالها عن السلطات السياسية وعن الحكومات والدول . وعدم استغلال الدين لبسط النفوذ السياسي" . والعجيب أن التقرير يتصور ويتكلم عن إسلام واحد فى الدول العربية رغم المفارقة فى ان فكرة الإجماع أو وجود مجتمع إسلامى عربى تتناقض تماما مع الخصومات المنتشرة بين مذاهب الإسلام وطوائفة وفرقة ! وامامنا ما يحدث كل عام فى تحديد بداية ونهاية شهر الصوم ، حيث تختلف كل دولة عربية ، بل حدث عام 2003 ان أختلفت كل فرقة داخل دولة واحدة مثل العراق ، فأهل السنة من العرب والأكراد والتركمان احتفلوا ببدء العيد يوم الاثنين, أما الشيعة من أنصار السيد الصدر فقد بدأ العيد عندهم يوم الثلاثاء, في حين أن أنصار آية الله علي السيستاني احتفلوا بالعيد يوم الأربعاء! وإذا كان التقرير يطالب بالعودة الى صحيح الدين ، لا ادرى ما هو صحيح الدين ؟! ومن الذى يقرر ان فهمه وتفسيره هو صحيح الدين ؟! فكل فرقة تعتبر مذهبها هو صحيح الدين ؟! و كل طرف يتصور انه يملك الحقيقة المطلقة ، ويتصور أن الله خصه وحده بالدين الحق ، لكن التقرير كما فهمت يقصد بصحيح الدين ، تحرير الدين من التوظيف المغرض، وحفز الاجتهاد وتكريمه". وجاء في التوجيه ان من السبل لذلك "العودة الى الرؤية الانسانية الحضارية والاخلاقية لمقاصد الدين الصحيحة، واستعادة المؤسسات الدينية لاستقلالها عن السلطات السياسية وعن الحكومات والدول وعن الحركات الدينية - السياسية الراديكالية، والإقرار بالحرية الفكرية وتفعيل فقه الاجتهاد وصون حق الاختلاف في العقائد والمذاهب"، وصحيح الدين يتطلب اصلاح وتصليح ما تعرض له من استغلالات وما تجاهله من ايضاحات. وانما هذا لا ينفي الحاجة الضرورية الى الاعتراف بأن الانكباب على تقنين "المعرفة" في تفسير قاصر للدين حصراً أدى الى تخدير الفضول والسعي للمعرفة، كما أدى الى الاستكانة للإملاء بدلاً من التساؤل الضروري من اجل تنمية المعرفة والبلاد. لا مناص من الاعتراف بأن استخدام الدين لغايات سلطوية اساء للدين، وان صحيح الدين يتطلب اصلاحه بما يتجاوب مع حاجة المجتمعات العربية والمسلمة الى المعرفة والى المساءلة والى الفضول الصحي والتنمية الضرورية والملحة ، هل افهم من ذلك ان التقرير يطالب بإصلاح دينى فى المنطقة ، ولكنه لم يقلها صراحة ! لماذا لا نعترف أننا فى حاجة إلى إصلاح دينى ، ونعلنها فى شجاعة ! بل اننا فى حاجة إلى مراجعة تاريخنا كله ، وكشف المستور عنه ، لنواجه أنفسنا بصراحة شديدة ، ونسمى الأشياء بمسمياتها الحقيقية ، فحكاية عصر الازدهار العلمى العربى والذى اتسم بتأزر قوى بين الدين ممثلا فى الاسلام من جهة والعلم من جهة اخرى التى يتشدق بها التقرير أكذوبة كبرى فى تاريخنا ؟! تعالوا نقرأ ما كتبة الدكتور كامل النجار فى إيلاف يوم 22 اكتوبر عام 2004 تحت عنوان ماذا قدم العرب والمسلمون للحضارة ؟! و بعد ان استعرض الكاتب انجازات ابن سينا والرازي والفارابي، ويعقوب بن إسحق الكندي ، ابن حزم ، ياقوت الحموي ، البيروني ، ابن البيطار ، جابر بن حيان ، وأبو بكر الخوارزمي ، وعمر الخيام ، ونصر الدين الطوسي ، يسجل الكتاب أن كل الأسماء التي سبق ذكرها هي أسماء غير عربية، وأن أعظم المفكرين والعلماء من بلاد فارس، وهذا ما حدا بابن خلدون إلى أن يقول: " من الغريب الواقع أن حَمَلة العلم في الملة الإسلامية أكثرهم العجم، وليس في العرب حملة علم، لا في العلوم الشرعية ولا في العلوم العقلية، إلا في القليل النادر. وإن كان منهم العربي في نسبه، فهو أعجمي في لغته ومرباه ومشيخته، مع أن الملة عربية، وصاحب شريعتها عربي. والسبب في ذلك أن الملة في أولها لم يكن فيها علم ولا صناعة؛ لمقتضى أحوال السذاجة والبداوة؛ وإنما أحكام الشريعة التي هي أوامر الله ونواهيه، كان الرجال ينقلونها في صدورهم. " ونحن هنا نتساءل مع الأستاذ نبيل عبد الفتاح فى مقالة الهام بأهرام يوم 15 أغسطس 2003 تحت عنوان تجديد الفكر الدينى ، هل يمكن تحرير القيم الأخلاقية والاجتماعية في مصر والمنطقة من الرياء والطقوسية الاستعراضية والاضمار والتكلف والأبوية والإذعان لسلطات السياسة والأعراف السائدة والمؤسسة الدينية ، هل يمكن تحرير الإنسان المصري من أصفاد العبودية للطغيان والقيم والتقاليد والأخلاقيات والموروثات البشرية البالية ؟!
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الناخبون العرب واليهود.. هل يغيرون نتيجة الانتخابات الآميركي
.. الرياض تستضيف اجتماعا لدعم حل الدولتين وتعلن عن قمة عربية إس
.. إقامة حفل تخريج لجنود الاحتلال عند حائط البراق بمحيط المسجد
.. 119-Al-Aanaam
.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تكبح قدرات الاحتلال