الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوعى الزائف والصراع بين الإسلام والمسيحية .

عماد مسعد محمد السبع

2011 / 4 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وسط مفردات المشهد الثورى والإنتفاضى المتلاحق هنا وهناك يتوه ويتراجع الإهتمام بمواقف ومحطات جد مؤثرة فى واقعنا العربى .

من هذه المواقف الأخيرة - أن الإمام / أحمد الطيب النجار شيخ الجامع الأزهر ( أحد أكبر القلاع السنية المحافظة فى عالمنا الإسلامى ) أعلن عن رفض عودة العلاقات مع حاضرة الفاتيكان وعن تجميد أتفاقية الحوار والتعاون معها - حتى يقدم البابا أعتذارآ صريحآ عن أساءته للإسلام والمسلمين .

الشيخ أكد أن العلاقة مجمدة مع الفاتيكان , وأن الأزهر ( ومن خلفه مليار و 800 مليون ) ينتظرون ذلك من " البندكت " الذى يزرع الأشواك وينسف أرض الحوار بين الديانتين ! .

هذه الإحتقانات / التصريحات ناتجة عن محاضرة كان قد القاها البابا ( بنديكت السادس عشر ) بجامعة ريجينسبيرج الألمانية تحت عنوان ( حوار الحضارات ) تطرق فيها لمسائل الإيمان والعقل ورؤيته ( للإسلام السياسى ) الذى يستخدم العنف وسيلة لتحقيق أهدافه .

واقع الأمر أن أطروحات البابا تستوجب ليس أعتذارآ عن خطأ أرتكبه , ولكن تفنيدآ لها بلغة المنطق التاريخى والعقائدى المؤسس على ضبط علمى ومنهجى سليم وكاشف عن أن الإسلام يعلى من قيم السماحة والإخاء تجاه الآخر الدينى ,كما يحترم الحرية ونبذ العنف .

ثمة تساؤل يثور بهذه المناسبة – وبمعزل عن محاضرة البابا ورؤيته - حول موقف الكنيسة الكاثوليكية المعتمد تجاه ( عقيدة الإسلام ) والذى يعكس رؤيتها الأساسية حول الإسلام وقضايا الحواروالتقارب مع المؤمنين به .

هناك ضرورة لإعادة قراءة وأحياء مبادىء الوثيقة الكنسية الأكثرأهمية فى هذا الإطار, والتمسك بها لتجسير الهوة بين الطرفين , والحيلولة دون أزكاء الخلافات القديمة فيما بينهما .

فللمرة الأولى منذ أربعة عشر قرنآ - هى عمر الإسلام - ناقش المجمع الفاتيكانى الثانى ( 1962 – 1965 ) على مستوى مذهبى /عقائدى أشكالية العلاقة بين الكنيسة و الإسلام وبهدف بلورة تصريح كنسى نهائى حول الديانة الإسلامية .

وكان ذلك حدثآ استثنائيآ فى تاريخ المجمع المسكونى الأعلى وصفته المطبوعات الكاثوليكية ( بالإنقلاب الكوبرنيكى ) , وعلى ضوء ما تمخض عنه من نتائج فى موقف الكنيسة حيال الإسلام .

والثابت أن بروز " الإسلام " خلال تلك الحقبة كداعم لحركات التحرر الوطنى ولأفكار الإستقلال والتقدم السياسى والإجتماعى هو ما جذب أنتباه المجمع صوب الإسلام وتجاه حسم أشكالية الإعتراف به والتواصل مع أتباعه.

ومن هنا صدر تصريح خاص من الكنيسة الكاثوليكية بشأن العلاقة مع ديانة الإسلام – جاء فيه بالنص ما يلى :
" أن الكنيسة تنظر بعين الإعتبار إلى المسلمين الذين يعبدون الآله الواحد الحى القيوم الرحيم القادر على كل شيىء خالق السماء والأرض ومكلم البشر . فالمسلمين يجهتدون فى أن يخضعوا بكليتهم لأوامر الله الخفية كما خضع له أبراهيم الذى يستند الإيمان الإسلامى اليه وبطيب خاطر. وأنهم يجلون يسوع كنبى وأن لم يعترفوا به كآله ويكرمون أمه مريم العذراء كما أنهم يتضرعون اليها أحيانآ . علاوة على ذلك فأنهم ينتظرون يوم الدين عندما يثيب الله كل البشر القائمين من الموت . ويعظمون الحياة الاخلاقية ويؤدون العبادة لله لاسيما الصلاة والزكاة والصوم . وأذا كانت نشأت على مر القرون منازعات وعداوات كثيرة بين المسيحيين والمسلمين فان المجمع يحض الجميع على أن يتناسوا الماضى وينصرفوا باخلاص إلى التفاهم المتبادل ويصونون ويعززون معآ العدالة الإجتماعية و الخيور الأخلاقية والسلام والحرية لفائدة الناس جميعآ " .

عبرقراءة النص السابق يمكننا أن نستخلص عددآ من الملاحظات الهامة - تتقدم على النحو التالى :

أولآ : أن الإعلان الكاثوليكى يقدم للمرة الأولى وصفآ أيجابيآ لبعض أهم أركان العقيدة الإسلامية ويؤسس لقواعد من التعاون والحوار بين الطرفين على أرضية مشتركة لتحقيق العدالة وتعزيز السلام الإنسانى وأنطلاقآ من فكرة ( التوحيد ) التى تشكل الأساس الملائم للتفاهم المتبادل بين المسيحيين والمسلمين .
ولعل ذلك هو ما دشن فى مرحلة - مابعد المجمع الفاتيكانى الثانى - تيارآ مؤثرآ فى الكنيسة يدعوإلى الإعتراف بالصلة الروحية بين الديانتين وعلى سند من جوهر( العقيدة التوحيدية ) فيما بينهما .

ثانيآ : تأكيد تبعية المسلمين "للتقاليد الإبراهيمية الإيمانية " وكنقطة لقاء هام مع المسيحية , وعلى تقدير المسلمين ليسوع ومريم المجدلية وهو ما يشير إلى موقف القرآن من المسيح فى آية : ( رسول الله وكلمته إلى مريم وروح منه ) , وتكريمه للعذراء مريم فى أكثر من موضع, الأمر الذى يفتح بابآ للتقارب بين الديانتين .

ثالثآ : أعتداد التصريح " بالحياة الأخلاقية للمسلمين" . فالأساس القيمى لسلوك الفرد و المجتمع الإسلامى أصبح محلآ للإعتبار بشكل رسمى من جانب المجمع المسكونى . وهو ما يمثل نقلة نوعية فى هذا الإطار أذ يهدر بصورة قاطعة الفكرة المسيحية التقليدية عن ( الإنحلال الخلقى للمسلمين ) .

رابعآ : تأكيد المجمع على شعائر العبادات الثلاث ( الصلاة و الزكاة و الصوم ) عند المسلمين نظرآ لتماثلها مع دوائر العبادة المسيحية . فالوثيقة تسعى هنا لإبراز نقاط الإلتقاء ( العملية ) بين الديانتين لمواجهة نقاط الإختلاف والتباين ( العقائدية ) بينهما . فضلآ عن الإنتقاء المجمعى اللغوى لمفردات من مدونة ( أسماء الله الحسنى عند المسلمين ) تتفق مع التصورات المسيحسة عن ( الرب ) وتمثل مكافئآ لها فى القرآن .

هذه المقررات الكنسية جاءت كفتح جديدة فى تاريخ العلاقة بين الإسلام والمسيحية , وكان من الممكن أن تمهد الطريق نحوأفاق من التفاهم المستمر بين الجانبين .

ولكن ظهرت عوامل موضوعية دفعت نحوعرقلة التواصل والحوار بين الديانتين , وحيث أختزن تيار الإسلام السياسى - الذى أستمر صعوده منذ منتصف القرن الفائت - عداءآ للمسيحية وفق تصوراته الفقهية والإفتائية , ومن خلال تمسكه بأحكام الديار التقليدية , وتقسيمات / فسطاط الكفر وفسطاط الإيمان التى أعتمدها .

كما أنعش حضورهذا التيار أفكار ما يسمى " بعقد الذمة التاريخى الحاكم لعلاقة النصارى بالمسلمين " داخل البلدان الإسلامية , وحيث جرى التعامل مع مسيحى الشرق باعتبارهم " أهل ذمة " لا يتمتعون بحقوق المواطنة الكاملة .

كما أن أنظمة الحكم العربية - التى عجزت عن تحقيق أفكار التكامل القومى وعن تأسيس دولة مدنية حديثة - أخذت فى توظيف الدين لأجل مصالحها السياسية والدهرية ,ولذا عمدت إلى تزكية الصراع الطائفي فى مجتمعاتها والتحريض ضد المسيحيين - الأمر الذى أنعكس على علاقتها مع الفاتيكان ورعايا الكنسية .

كما أن المخيال الشعبى العربى مازال ينظر إلى ( العالم المسيحى ) ضمن خانة المناصرين والمدافعين عن الوجود الصهيونى فى فلسطين وهو الأمر الذى يخلق شعورآ متجددآ بالعداء والتعصب نحوهذا العالم .

وكانت الإنتكاسة الأخيرة حينما تقدمت كتابات ونظريات روجت لفكرة صراع الثقافات والديانات فى عالم مابعد الحرب الباردة وأحداث الحادى عشر من سبتمبر ودفعت لتبوأ " الإسلام " مكانة الفكرة " الشيوعية " التى كانت سائدة فى روسيا السوفيتية وأوروبا الشرقية .

وحيث صعد تيار المحافظين الجدد و اليمين فى أمريكا وأوروبا ليزكى التصنيف اللاهوتى للبشر بين ( أخياروأشرار ) , و يعزف على الوتر المسيحى الأصولى باعتبار الإسلام عدوآ جديدآ فاشيآ وأن ديانته تحض على العنف وتخريب الحضارة والتقدم الإنسانى .

و الثابت أنه خلف تلك التوجهات السياسية اليمينية تتوارى خطط وأستراتيجيات أملتها مصالح الرأسمالية الإمبريالية بهدف أستمرار الهيمنة الإقتصادية , وتحرير أزمتها من مدخل " العدو الإسلامى والحرب ضد الإرهاب والتطرف " , وزيادة حوافز وأرباح المجمع العسكرى الصناعى كأثر للحروب القادمة و الصراع الجديد مع هذا العدو الدينى .

كما أن هذه القوى تسغعى للحفاظ على أوجه التفاوت الإجتماعى والطبقى العالمى , وهو الأمر الذى يستلزم الإستنزاف المستمر لفائض القيمة من دول المحيط / الجنوب ذات الهوية والكثافة الإسلامية بحكم التاريخ والجغرافيا .

على المسلمين أدراك أنهم ليسوا بصدد حقبة تاريخية جديدة تحيى أرث الصراع الصليبى مع العالم المسيحى – وكما يروج لذلك تيار الإسلام السياسى أو اليمين الغربى المحافظ - وانما هم داخل معركة " سياسية و أقتصادية ووجودية " مع المشروع الرأسمالي المعولم والمعسكر الذى يروم نهب واستنزاف ثروات وخيرات و مقدارات شعوبهم .

ليس على جدول أعمال العرب والمسلمين" أنتظارأعتذار البابا بندكت " - كما يريد شيخ الأزهر , وأنما نفى واقع التخلف الحضارى , وتغييرأنظمة القمع والفساد السياسى ,وتحقيق التنمية الإجتماعية والإقتصادية والحقوقية الغائبة .

ولذلك على رأس الأزهر أن يدفع نحوالحوارالإيجابى مع الفاتيكان , وبهدف أطفاء ثائرة الغضب وأزالة أسباب الإحتقان , وأن يشكل – قبل ذلك كله - وعيآ ناضجآ و متقدمآ لجماعة المسلمين بشأن حقيقة هذا الصراع الدينى مع الفاتيكان وأبعاده وما يخفى ورائه من مصالح سياسية وأقتصادية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التيار السلفي
تحسين خليل ( 2011 / 4 / 19 - 01:11 )
اخي العزيز , تشكر على اسلوبك الهاديء , اذا كان السيد احمد الطيب يعتبر الانجيل محرفا فاي حوار يمكن ان ننتظر؟ كلا التيارين السلفيين تدميريين والوسيلة الوحيدة لعزلهما هو الحوار وبدون شروط مسبقة , هذا اذا افترضنا ان السيد الطيب نفسه ليس سلفيا في السر


2 - صـرخة في وادي الطرشـان
أحـمـد بـسـمـار ( 2011 / 4 / 19 - 11:09 )
نــعــم.صرخة إضافية ضائعة في وادي الطرشان. وأيضا قي وادي العميان والخرسان والمخدرين من قرون معتمة غارقة بالجهل والجهالة والتعصب الديني الصخري. هذا المرض القومي الذي يبثه رجال الدين. وخاصة من يدير ويوجه الفقه و التفسير في جامعة الأزهر (إن صحت تسمية جامعة) وفي مدارس النجف, أو في المدارس الإسلامية في باكستان.
يا سيادة الكاتب الجريء, بعدما كل ما نرى من هيجانات طائفية تحاول التسرب إلى الانتفاضات الحقوقية القانونية المشروعة في كافة الدول العربية اليوم, حتى تسيطر على مكتسباتها أو خنق ما بدا من خلالها من حقوق الإنسان أو حقوق المرأة, يوجب علينا أن نضاعف الحذر من هذه الجماعات الطائفية التي تبث الفتنة والتمزق وكره الآخر. لأنهم ألف مرة أخطر من الطغاة الذين نحاربهم اليوم بحق وضرورة وحكمة.
ولك مني أطيب تحية مهذبة.
أحمد بسمار مواطن عادي بلاد الحرية الواسعة.

اخر الافلام

.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز


.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية




.. الخلود بين الدين والعلم


.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل




.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي