الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة والإنقسام الإجتماعى والطائفى فى مصر

عماد مسعد محمد السبع

2011 / 4 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عقب نجاح ثورة 25 يناير تصاعدت حدة التوترات والمطالب الدينية والطائفية فى مصر , وكان آخرها أعتصام آلالاف من الأقباط حول مبنى الإذاعة والتلفزيون , قابله أحتجاج مدنى واسع من المسلمين أعتراضآ على تعيين مسيحى محافظآ لأقليم قنا فى أقصى جنوب البلاد .

وممالا شك فيه أن الحضور الكثيف للتيار السلفى فى المشهد المصرى الراهن ساهم بشعاراته ومنشوراته فى تنمية مخاوف واستفزاز الاقباط , وحيث قاموا بشطب أحقيتهم فى المواطنة الكاملة والإنتماء للأمة المصرية تحت مسوغ الدفاع عن المادة الثانية من الدستور وعن " عروبة " و هوية مصر " الإسلامية " .

صعود المطالب الطائفية عقب سقوط مبارك يترجم واقعة تفكك قبضة السلطة المركزية الإستبدادية والأدوات الأمنية القمعية التى كانت فاعلة فى كبت وتحجيم تلك المطالب . ولكن ثمة حاجة للتأكيد على مشروعية القاسم الأكبرمن الطلب القبطى المتداول وأثبات أنها تستوجب التحقيق بعد تاريخ طويل من الحيف السياسى والإجتماعى المستمر لهذا العنصر القبطى المؤسس للدولة المصرية .

ومن هنا يثورتساؤل عن دور الدولة فى تكريس الشقاق الطائفى بين أقباط ومسلمى مصرعبرعقود طويلة , وعن البعد الطبقى الفاعل فى معطيات هذا الحدث الطائفى .

من الثابت أن الدولة المصرية رحلت فى عهد مبارك عن كفالة مجالات أجتماعية وأقتصادية وخدمية عديدة و بأثرمن تطبيق نظام الخصخصة الإقتصادية وقوانين السوق .وفقدت عبر تلك السياسات هامشآ مؤثرآ من أستقلالها فى صياغة القرار الإقتصادى / السياسى تحت ضغطوط وأملاءات مؤسسات التمويل الدولى وشروط برامج التثبيت والتكييف الهيكلى التى أجبرت على تنفيذها .

وواكب ذلك سيادة ظواهر الفساد السياسى والمالى والمؤسسى التى أدت لضعفت وظائفها المنعية والتنظيمية , وتآكل كثيرمن مقومات جهاز الدولة لاسيما سطوة القانون ومبادىء المساواة بين الجميع . كما أدى الجمود السياسى وتفاقم أزمة التطورالديموقراطى والنكوص عن معايير الكفاءة والتجويد كسند للصعود السياسى و الإدارى فى الدولة المصرية إلى العودة للقيم التقليدية والإنتماءات الدينية والعائلية داخل هياكلها ومؤسساتها .

وهكذا ضعفت الضوابط القيمية الحاكمة لفكرة الدولة فى مصر, وأصبحت تلك الدولة منتجة للتمزقات فى بنية التكامل القومى لأنها تميز بين المواطنين على أسس الدين والعرق والإنتماء الجهوى .

هذه الدولة كانت صانعة للإنقسامات الإجتماعية بين أقلية من السراة أغدقت عليهم مزايا الخصخصة و المال العام كقروض وأراضى وبنية أساسية وتراخيص وبين غالبية من المعسورين والفقراء الذين كانوا يدفعون ثمن الثراء الفاحش للأغنياء و من أموالهم .

فالثابت أن التوسع الإقتصادى والثقافى لنظام ( المساواة الإجتماعية ) يساهم فى حركة الإستيعاب والإندماج بين المواطنيين و بما يخلقه من نموذج حياة واحد لدى مختلف الجماعات التى تفقد لها السبب تاريخيتها الخاصة و تضامناتها الذاتية وتشرع فى الإنحلال فى الجماعة الكلية الجديدة .

الدولة المصرية فى عهد مبارك عجزت عن أنتاج هذا النظام المساواتى ولذلك صعدت العصبيات العرقية والعشائرية , وخرجت فئات أجتماعية ( قطبية ومسلمة ) عبر محطات ( غضب طائفى / دينى ) لتبرهن عن ضعف ووهن الموحدات الأساسية لهذه الجماعة المصرية الجديدة .

تغير الطبيعية الطبقية للدولة المصرية وأنحيازاتها الإجتماعية وسلب قرارها الإقتصادى وتزايد أندماجها فى المنظومة الرأسمالية كانت روافع لتكريس أوجه الشقاق القومى ,وأستبعاد فئات أجتماعية ومذهبية وجيلية متعاقبة من المشاركة السياسية وهياكل الدولة والفضاء العام .

فقد تراجع مبارك عن تقديم حلول حاسمة لإشكاليات التوافق الدينى / التعددى , وعمد لتوظيف تلك التناقضات لمصلحة أستمراره و بقاءه فى السلطة . ومن هنا فقدت الدولة أوراق الدينامية السياسية الخاصة بأساليب التجديد والتوحيد القومى ولم يعد لها دور فى أحياء الواجبات والإلتزامات القانونية والأخلاقية المبدئية التى تفرضها علائق أنتماء المواطن لدولته وأمته .

وهوالأمرالذى أنعكس فى تغذية الثقافة الإنعزالية داخل السعب القطبى , وفى أنسحاب قطاع عريض منه عن ممارسة السياسية والعمل العام حيث أصطدموا بغياب الدولة الداعم لأفكار المواطنة و المساواة , وبمناخ التعصب السلفى وخطاب الذمة التاريخى كبديل عن قواعد و مبادىء المواطنة الكاملة .

فهؤلاء الأقباط لم يجدوا البيئة الداعمة لمشاركتهم السياسية والمجتمعية الأمر الذى دفع بهم لحاضنة ( الكنيسة والطائفة والملة ) وكملاذ لترديد مطلب ديانى " خاص فى ظاهره " , ولكنه يترجم فى النهاية مشاعر جماعية محاصرة ومكبوتة جراء عوامل الإستبعاد السياسى والإجتماعى والوظيفى القائمة .

ولذلك يمكننا القول بأن هذه الحركة الطائفية القبطية كانت فى الواقع حركة أجتماعية ترفض أنحيازات الحكم فى التوزيع غير العادل لمقاديرالثروة والسلطة , ولكنها تتدثر بالتعبيرالدينى لطرح مطلبها السياسى والحقوقى الأصيل .

التظاهرات والإحتجاجات و الإعتصامات لقبطية المتتالية فى مصر لا تجد تفسيرها الإ فى سياق أزمة الإندماج والشقاق القومى التى أنتجها نظام مبارك وفى التراجع عن أفكار الدولة والأمة المدنية الحديثة .

الملف القبطى ليس مسطورآ بطلاسم اللغة المصرية القديمة ولكنه مكتوب بمداد بواقع التمييزومعطيات الحصار بين " مطرقة أسلام سلفى " يواجههم كأهل ذمة ومواطنين من الدرجة الثانية , وبين " سندان السلطة " التى تكرس أوجه التباين والتفاوت الإجتماعى والسياسى فى مواجهتهم .

الموحدات القومية للأمة المصرية والعلاقة بين قطبيها تستوجب تجديد عقدها الإجتماعى فى أطار دولة المواطنة وعبرمنظومة القيم الدستورية والسياسية العلمانية والحديثة .

فى مصر الجديدة الحرة والأبية بعد ثورة 25 يناير - فأن واحب أستعادة ثقة الشعب القبطى رهن بعلاج صحيح لتاريخ من التميز الصارخ فى مواجهتهم , و لن ينجز ذلك الإ بتدشين دولة مدنية ديموقراطية واعدة تستبعد الدين عن نطاق المناورات السياسية والدهرية , وتساوى بين الجميع تحت شعار : " الدين لله و الوطن للجميع " .
عماد مسعد محمد السبع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الإمارات الجديدة
عرفة خليفة الجبلاوي ( 2011 / 4 / 20 - 10:54 )
تحية خالصة للكاتب المتميز، هذه هي مصرنا وهؤلاء هم بنوها. لقد قلت عبارة لم بستطع فلاسفة الاجتماع اكتشافها. فعلا وحقا أن للأقباط مطالب اجتماعية وسياسية لم يطالبوا بها إلا بعد أن تدثروا بعباءة الدين وتمترسوا خلف أسوار الكنيسة خشية بطش النظام. وقد وجدناهم بعد الثورة يخرجون خارج أسوار الكنيسة ويعتصمون عند ماسبيرو والمقطم رغم قسوة الجيش معهم. وهذا لم يحدث قبل الثورة اللهم إلا في حادثة كنيسة العمرانية والتي استخدمت فيها الشرطة الذخيرة الحية واستشهد اثنان من شباب الأقباط. لكن للأسف استن المجلس العسكري لسنة الداخلية البائدة وجرب الذخيرة الحية لأول مرة مع الشباب القبطي بالمقطم فاستشهد تسعو أقباط.
لكن ألا ترى معي أن ما يحدث في قنا هو حادث مفصلي يهدم هيبة الدولة، ويمهد لقيام إمارات في سيناء والنوبة والصعيد؟
تقديري لشخصك الكريم


2 - المطالب الإنسانية و المطالب السياسية
Amir Baky ( 2011 / 4 / 20 - 15:52 )
لم يتظاهر الأقباط لأجل منصب سياسى تظاهروا بعد هدم كنيستهم و الهجوم العسكرى على أديرتهم. تظاهروا من أجل حقوقهم الإنسانية مثل حق العبادة التى تتعنت الدولة فيه بل و المجتمع المتأسلم. أما تظاهرات السلفيين فهى لعدم تعيين قبطى كمحافظ. لأجل كاميليا شحاته التى أعترف شيخ الأزهر و العوا أنها لم تسلم. تظاهروا لأجل هدم الكنائس. خلاص الأقباط يشعرون بغبن شديد بل وخيانة المجتمع لهم

اخر الافلام

.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز


.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية




.. الخلود بين الدين والعلم


.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل




.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي