الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرية الإرادة بين ألغاز الخطاب الديني وحلول الفيزياء الحديثة

مهدي بندق

2011 / 4 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


حرية الإرادة بين ألغاز الخطاب الديني وحلول الفيزياء الحديثة
مهدي بندق

وأنا أتصفح تعليقات القراء على الـ Face Book الشهير هالني أن معظم أصحابها واقعون في براثن خطاب يتقنع بالدين - وهو خطاب لا يأخذ من الدين غير اسمه – غايته ترسيخ ثقافة ٍ جوهرها إنكار أية فاعلية للإنسان . خذ على سبيل المثال لا الحصر فنانا ً تشكيليا ً من الطراز الأول – أعرفه شخصيا ً- انطلق يكتب بصفحته معلقا ً على سقوط مبارك ونجليه بقوله : الحمد لله ولا شكر لسواه !
وإنها لعبارة لامعة حقا ً، ولكن هل لمعانها منبثق من أصالة الذهب ؟ أم هو بريق يقلد الذهب حسب ُ ؟ دعنا إذن نختبر معدن العبارة أولا ثم بعد ذلك نحكم لها أو عليها .
بداية لابد من القول بأنني وسائر الناس مع الشق الأول من العبارة دون تحفظ ، فمن منا لا يحمد ربه على كل حال ؟ لكن الشق الثاني في العبارة هو ما يحتاج إلى وقفة وتدبر، وآية ذلك أن إضافة " لا شكر لسواه " تجعلنا نحجب الشكر عن الشعب المصري العظيم الذي قام بتفجير اسقط عن كواهلنا الطغاة ، ونحجب الشكر ثانياً عن جيش مصر العظيم الذي حمى - بأفعاله - الثورة من أعدائها ، ونمنع الشكر ثالثا ً عن المثقفين الذين قضوا أعمارهم في التمهيد لهذه الثورة بإشاعة التنوير والتحديث في العقل المصري ( والعربي ) الجمعي .
فهل وضح أمامنا أن إضافة الشق الثاني – تزيدا ً في التقوى - إنما تحرضنا على إقصاء " الفعل " البشري من المشهد المعاصر برمته رغم كونه صانعه ومبدعه؟ وهل يجوز للمثقف المرتبط بآلام شعبه وآماله ألا يلتفت لهذا الالتباس المذهل فلا يرصد أسبابه و لا يستشرف تداعياته و لا يقترح حلولا لألغازه ؟

الفيل في سم الإبرة
لأن الخطاب الديني منبعه فكر مثالي حمال أوجه ، مناقض لنفسه ، فهو يقرر بكل اطمئنان أن الله وحده الفاعل لكل شئ ، و... وبنفس اللغة القاطعة يقر بضرورة أن يكون الإنسان فاعلا ً أيضا [ وإلا فكيف ُيحاسب المرء على أفعال ليست من صنعه ؟! ] وبذلك يعترف هذا الخطاب بوجود فاعلين مؤثرين على فعل واحد ! كأن تقول : البلطجية قتلوا 800 شهيدا في موقعة الجمل ، ولأن الحياة والموت بيد الله فلا بد أن الله كذلك قتلهم !! وهي نتيجة مضطربة هاذية ، فضلا عن كونها تنسب لله " فعلا ً " ذميما ً نهى عنه سبحانه وتعالى شأنه عما يقولون .
لقد حاولت المعتزلة في القرن الثالث الهجري حل هذه المشكلة بأساليب مصطنعة Artificial أهمها برهان التغالب والتمانع الذي عارضه الأشاعرة بنظرية الكسب – وهي أيضا ً نظرية مصطنعة - لتعود المشكلة إلى المربع رقم صفر ! وهكذا يا سادة تركنا مهام الثورة وبناء الديمقراطية والدولة المدنية الحديثة لنعيد إنتاج قضايا علم الكلام التي غادرتها الفلسفة وتجاوزها العلم ، فأهلا وسهلا بكم تتبخترون على الإبل الحراجيج والنوق العصافير في صحارى ثقافة الماضوية ، تلك التي لا تعترف بهموم الواقع الحضاري ، ولا تكترث إلا بالشقشقات اللفظية والمناقشات البيزنطية من قبيل : هل تستطيع آلهة الأوليمب أن تمرر الفيل من سم الخياط دون أن تنكسر الإبرة ؟
ومع ذلك – ولكي أكون منصفا – أقول ربما كان لكم بعض الحق في أن تثيروا بين الفينة والفينة المشاكل حول السؤال الوجودي الأزلي عن مصير الإنسان وعن مدى مسئوليته عن أفعاله ، وعن علاقة هذا وذاك بالعلم وبالعدل الإلهيين ، بيد أنكم تفعلون ذلك – واسمحوا لي – بسطحية شديدة ، بل وبخفة تشي بأن تلك القضايا الهامة في حد ذاتها ليست مما يشغل ألبابكم ولو بمعشار ما اشتغل به آباؤكم وأجدادكم العظام من أمثال غيلان الدمشقي والخياط المعتزلي والحسن البصري والحسن الأشعري والإمام الغزالي والفيلسوف ابن رشد . هؤلاء وغيرهم ممن حاولوا – كل بطريقته – الإجابة عن السؤال التالي :

هل الإنسان مسير أم مخير؟

وإنه لسؤال ، من وجهة نظري أنا حفيدهم الضعيف الجهول - خاطئ من أساسه.. كيف ؟
أولا لأن كلمة الإنسان بألف لا الجنس تعبير مثالي مضلل، وإلا فكيف يمكن وضع السادة والعبيد، الأباطرة والرعايا، الرأسماليين والعمال في سلة واحدة؟! نعم يمكننا أن نشير إلى أحد الكرام الميامين بقولنا : هذا هو الإنسان الحق . لكننا نستخدم هنا ألف لام العهد تخصيصا ً لا تجنيسا ً ليبقى هذا الشخص مجرد تمثيل Representative لكائن لا وجود واقعيا ً له بحال من الأحوال .
وثانياً يفترض السؤال حالة سكونية مطلقة يمكن سحبها على التاريخ البشري، بالأحرى على تاريخ مجتمعات ما قبل البشرية الحالي، تلك التي قامت على أنقاض المشاعية البدائية القديمة ، مشيدة أبنيتها على أساس طبقي متعارض المصالح ، وكلها مجتمعات يسودها الصراع على الثروة والسلطة، وبذلك تنعدم الحرية فيها مثلما تنعدم لدى السجين والسجان على حد سواء.
أما الحرية فهي غاية لا تتحقق إلا بالنضال المستمر من أجل إيجاد مجتمع إنساني بمعنى الكلمة ، مجتمع يتمتع أفراده جميعاً وعلى مستوى العالم كله، بثمار التعاون والتآزر والحب، وهو ما لا يمكن تصوره إلا في المجتمع اللاطبقي حيث يبدأ التاريخ الإنساني عندئذ.
لقد فهم المسيحيون خطأً ً أن يسوع كان معنياً ببعث أجساد الموتى.. فلو اعتبرنا نحن يسوع َ رمزا ً لنضال الجنس البشري للتغلب على دمار القلوب وموت الأرواح ؛ لعلمنا أنه لا قيمة لإحياء هدفه الأوحد إعادة إشباع المطالب الجسدية من طعام وشراب وشهواتِ جنسية . سيقول البعض : هذه المطالب ضرورية للتحرر من الجوع والعطش والحرمان العاطفي . طبعا .. شريطة أن تكون تلبيتها خطوة على طريق تحرير الروح. يشير القرآن الكريم إلى هذا المعنى في آية غاية في اللطف تقول: (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه) والكدح هنا هو النضال الذي لا يتوقف لترقية الجنس البشري، الكدح هنا هو العمل على تأسيس عالم المساواة والعدالة، وهو الكدح العقلي والروحي للإجابة عن سؤال ذي شقين. الأول: كيف وُجد هذا الكون، وكيف سينتهي؟ وهذا الشق تعمل في حقله الفيزياء والبيولوجيا وسائر العلوم الطبيعية، ثم الشق الثاني: لماذا وُجد الكون وإلى أية غاية يسير؟ ومن أرضية هذا السؤال تنطلق الفلسفة لتحلق في أجواء المعرفة العليا.
وإذا كانت إنجازات العلم بمثابة الطاقة الدافعة للفلسفة أن تطير وأن تكتشف المعنى، فإن الفن والأدب هما مرشداها إلى غايتها النبيلة: الحرية. ولهذا فإننا لا نغلي حين نقترح أن تكون مرجعيتنا المستقبل وليس الماضي، وقد يسأل البعض مندهشا : كيف يمكن "الرجوع" إلى شيء لم يحدث بعد؟ هنا تأتي إجابتنا مستندة إلى منجزات الفيزياء الحديثة، فماذا تقول هذه ؟ دعنا نقاربها لنعرف .

الفيزياء الحديثة تتكلم
ثمة توليفة من السيمتريات Symmetries تحيط بالكون المرئي وغير المرئي. وإحدى هذه السيمتريات يلاحظها كل شخص يتجه شمالاً باستمرار إذ يجد نفسه متجهاً إلى الجنوب عبر القطب الشمالي دون أن يعود بظهره إلى الوراء. وكذلك حين نتذكر كيف أثبتت رحلة ماجلان أن الشرق هو الطريق إلى الغرب، والعكس بالعكس. أما على مستوى عالمي ما فوق المجرات وما تحت الذرة فالمسألة أعقد ولكن غير مستحيل فهمها. فقط انظر إلى نفسك في المرآة وسترى أن شامة خدك الأيسر موجودة ولكن على خدك الأيمن ! لقد قلبت المرآة ُ صورتك وغيرت وضعك فأنت وصورتك في حالة تسميها الفيزياء الحديثة turn.picture.changeواختصارها T. P. C وهي "سيمترية " توحي بأن المستقبل هو ماض ٍ بالنسبة لكائنات موجودة في كوننا الصغير والكبير. أدر شريط فيلم سينمائي بالمعكوس وسترى أن عقب لفافة التبغ يرتد من المطفأة ليصبح سيجارة كاملة في فم الرجل، وأن الكوب الزجاجي المهشم سيبدأ في الالتئام لنراه كوباً سليماً في النهاية.
ولما كان العلم قد اكتشف وجوداً رياضياً لإلكترون ذي شحنة موجبة عكس الإلكترونات التي نعرفها ذات الشحنة السالبة فلقد أصبح لدينا إلكتروناً نقيضاً Anti-electron وصار منطقياً تصور ذرات مضادة Anti-atom وأجسام مضادة، وكوكب نقيض لكوكب الأرض تمضي فيه الأحداث عكس مضيّ أحداثنا. وبالنسبة لسكان ذلك الكوكب فإن المستقبل سيكون بالطبع غير معروف لديهم، مثلنا تماماً. ولكن بالخيال –الذي يستند إلى نظرية علمية كهذه- نستطيع القول إن ما سوف يحدث لنا هو واقع حدث فعلا ولكن بالنسبة لغيرنا، فمن بإمكانه أن يرى الكونين معاً في نفس الوقت؟! الإله الخالق ؟! نعم، وكذلك سيراه الإنسان الذي تحرر من العبودية، الإنسان الذي تحرر من الاستغلال المادي، الواقع عليه من قبل السادة الأباطرة، اللوردات، الرأسماليين، ومن التضليل الأيديولوجي المحيط به بواسطة فلاسفة السلطات والمشرعين الأخلاقيين الجوامد، وأصحاب اليقين المصنوع الزائف.
إن ذلك الإنسان الساعي للتحرر بنضاله ضد كل ما هو مستغِل (بكسر الغين) ومضلِل (بكسر اللام) الزاهد في كل ما هو غير ضروري، وفي نفس الوقت، المتعطش لكل ما هو راقٍ وجميلٍ وحقيقيّ في الحياة؛ لجدير بأن يقف أمام الإله موقف الصديق والرفيق، مطالباً بحقه في مقابلة، وأغلب الظن أن الإله العظيم لن يبخل عليه بهذه المقابلة.
فهل بعد هذا يصعب تصور المستقبل مرجعيةً لمن يطلب الحرية لنفسه ولشعبه وللبشرية جمعاء ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حول حرية الارادةp;
البشير ذياب ( 2011 / 4 / 25 - 22:01 )
بالرغم من الاسلوب الجيد للاستاذ فان مقاله في حاجة الي مراجعة نقدية اما من جهةالشكل واما من جهة المضمون اولا من جهة الشكل فهذا المقال جاء ملىا بالمغالاطات و اولى هذه المغالطات او اشباه المشاكل العنوان فهو يجمع بين اشياء لا تلتقي الا في ذهن الكاتب لان حرية الارادة مشكلة ميتافيزيقية لا علاقة لها بالفيزياء اللهم الااذاكانا الكاتب يتبني فيزياء كلامية قد ولى زمانها ثانيا ان العنوان غريب فهويتحدث عن مشكلة حرية الارادة بين الغاز الخطاب الديني وحلول الفيزياء الحديثة في حين ان المرجعية التي اعتمدها لا علاقة لها بالفيزياء الحديثة الا اذا كان الكاتب يخلط بين ابستمولوجية الفيزياء الحديثة وابستمولوجيا الفيزياء المعاصرة ثالثا الكاتب تحدث عن حرية الارادة في حين ان مضمون مقاله في هذا المستوي يتعلق بارادة الحرية وهو في الواقع لا يميز بينهما رابعا الفيزياء الحديثة فيما نعلم تصورها للزمان ثابت في حين ان مضمون المقال يتبني تصور نسبي للزمان و هذه معضلة


2 - شكرا للدكتور بندق
محمد البدري ( 2011 / 4 / 27 - 19:25 )
القول الحمد لله ولا
شكر لسواه- ليس تزيدا في الايمان او مزايده في التقوي انه من صلب مصادرة جهد البشرا وتبديده

كم بكينا علي مصادرة الفوائض بينما نتجرع يوميا ونردد ونرتل ونجود اقوالا تصادر الجمل بما حمل.

كم تحدثنا عن الاغتراب بينما نسعي يوميا وفي كل لحظة عبر الدين الي تغريب الذات عن نفسها.

فهل عرفنا لماذا يستحيل زرع ثقافة علمية علي ارضية فاسدة حمضة او قلوية لا تصلح للانبات

هل عرفنا لماذا يكره الاصوليون الديموقراطية؟

هل عرفنا لماذا الثقافة الحقوقية غائبة؟ لاننا نكرس ثقافة اللاحقوق بل ومصادرتها حتي ولو دفع ثمنها دما في الميادين بتونس والقاهرة ودرعا والمنامة ومصراته



معدن العبارة ليس في حاجة الي فحص فهو صدء بطبعه صدره لنا من لا يعرف العمل والانتاج وبالتالي الحقوق المترتبة عليها

كم قلنا لكل من تبني موقفا علميا ان يراجع الثقافة العربية برمتها وفي اصولها حتي نخرج من جحر الضب الذي احتبسنا فيه

لهذا وقع الجميع في فخ تلك الثقافة بلغتها التي تملا سماء القاهرة عبر الف مئذنة قديما واصبحت اكثر من 5 الاف مئذنة الان تزامنا مع الفساد وحكم مبارك



شكرا للدكتور بندق


3 - الخروج من الراي الي المعرفة
البشير ذياب ( 2011 / 4 / 28 - 00:01 )
المطلوب من الاخوة التعليق علي مقالة الاستاذ بندق لا الاكتفاء بحدود المجاملات التي لا فاىدة منها وعدم البقاء في حدود الراي الساىد والدخول الي دائرة المعرفة والحوار نريده متمدنا بالفعل وليس مجرد تداعيات حرة اتحفنا بها السيد محمد البدري تحية الي كل من شارك في هذا الحوار بالرغم من وجود بعض الملاحظات حول نوعية التدخلات والمقالات


4 - أرحب بدعوة الأستاذ بشير ذياب
مهدي بندق رئيس تحرير مجلة تحديات ثقافية ( 2011 / 4 / 28 - 12:51 )
وبصير القوم مثلي أعمى / فهلموا إلى حندس نتصادم ُ. وأنا بحسباني أجهل الجهلاء فلقد حاولت ان أتكئ على آلية - عبر التخصصية - Interdisciplinary

بحثا عن شروط الإرضاء المعرفي تجاه كون لا يتمتع بالوعي الإبستيمي وإن كان له – في الغالب – أنطولوجيا تحد من حركتنا وتقيد خطانا ، وهذه المحاولة من جانبي ليست سوى مسيرة متواضعة بمحاذاة بول فيرابند للانفلات مما دعاه - امبريالية العلم - سيما بعد أن عصفت فيزياء ما تحت الذرة بمبدأ اليقين ، ربما تكون محاولتي قد خلطت بين باراديم الميتافيزيقا وبين الإبستولوجبا ، ولكن ما الضرر في ذلك ؟ أليست الحرية - ولو في الفضاء الشعري -تستحق محاولتنا بناء كون على غير نموذج سابق التجهيز ؟


5 - قلب اتجاه الزمن
وليد مهدي ( 2011 / 9 / 6 - 11:33 )

فكرة السيمترية والإنقلاب المرآتي في الادراك اجدها جوهر القفزة التقنية والفلسفية الفكرية القادمة التي تنظرها البشرية في حقبة

مــا بعد الحضارة الغربيـــة

افكارك سيدي الكريم تقترب من المواضيع التي ابحث فيها كثيرا


دمت ذخرا

اخر الافلام

.. مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في لبنان


.. المبادرة المصرية بانتظار رد حماس وسط دعوات سياسية وعسكرية إس




.. هل تعتقل الجنائية الدولية نتنياهو ؟ | #ملف_اليوم


.. اتصال هاتفي مرتقب بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائي




.. مراسل الجزيرة يرصد انتشال الجثث من منزل عائلة أبو عبيد في من