الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم الدين في عصر التنوير

رباح حسن الزيدان

2011 / 4 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يخطئ من يظن أن عصر التنوير كان يعني الكفر أو الالحاد أو الخروج كلياً عن الدين . على العكس , لقد كان يعني أساساً بلورة تصُور جديد للدين , وهذا التصور يختلف جذرياً عن التصور الاصولي الذي ساد العصور الوسطى كلها .
فحتى نهاية القرن السابع عشر كانت البشرية الاوروبية تعيش في ظل النظام الاصولي القديم . وأي واحد يخرج على الخط العام للأرثوذكسية الدينية كان يعرض نفسه للعقاب الصارم .
ولكن بمجئ القرن الثامن عشر , أو حتى قبله بقليل , راحت بوادر التغيير تلوح في الافق . وأصبحت المخاطر التي تهدد الدين القديم تتوضح أكثر فاكثر . ولم تعد السلطات الكنسية قادرة على السيطرة على الوضع على الرغم من دعم السلطات السياسية لها , وراح الأصوليون يشعرون بالذعر أمام رياح التغيير الجديدة والمتمثلة بالفلسفة الديكارتية .
بأختصار راحت الأرثوذكسية المسيحية تتراجع شيئاً فشيئاً لمصلحة الافكار الجديدة . والواقع أن المسيحية أو المشكلة الدينية , كانت تشرط مجرى الفلسفة في القرن الثامن عشر بمجمله . وكانت العلاقة مع الله هي الرهان الاساسي للفكر , ولم يكن هناك مفكر واحد ذو أهمية معينة الا ويتحدث عن هذه المشكلة ويحاول معالجتها وحلها . فكانت مشكلة المشاكل بأمتياز .
ونقد هذه الصيغة أو تلك من صيغ المسيحية من قبل الفلاسفة لم يكن يعني أنهم كفاراً أو معادين للدين , وإنما لصيغة معينة من صيغه , صيغة متكلسة ومتحجرة .
فالفلاسفة راحوا يدينون تحول المسيحية الى وثنية وإلى أداة يستخدمها رجال الدين من أجل استغلال الناس وبثّ الشعوذات والخرافات في أوساطهم , ولذلك أتهموا بالالحاد من أجل تسفيه مواقفهم وأرائهم , فكانت المعركة حاميت الوطيس بين الطرفين أي الطرف الاصولي والطرف العقلاني , وكل الاسلحة كانت مباحة بما فيها أسلحة الاشاعة وتشويه مواقف الخصم , وحتى تهديده بالقتل .
والذي يميز إنسان العصور الوسطى عن إنسان عصر التنوير , أنه كان الاول يحتقر الحياة الدنيا والملذات الارضية ولا يهتم الا بالاخرة باعتبار أن هذه الدنيا دار عبور ولا قيمة لها . ولم يكن يثق الانسان ولا بإمكانياته لان الانسان مذنب وناقص بطبيعته .
أما فلسفة التنوير فعلى العكس . لقد راحت تعطي ثقتها للإنسان وإمكانياته ومقدرته عل تغيير الواقع وتحسينه نحو الأفضل , ثم راحت تهتم أكثر بالحقائق الارضية والمتع الدنيوية وأحقية الانسان في السعادة على هذه الارض .
هكذا راح فلاسفة التنوير يصوّرون مستقبلاً زاهراً باسماً يسيطر فيه الانسان على الطبيعة ويحقق فيه الجنة على هذه الارض . وعن طريق أسطورة التقدم هذا أستطاعوا أن يربحوا المعركة ضد الاصولية وأن يسحبوا البساط من تحت أقدامها وأن يأخذوا منها الجماهير . وما كانت العملية سهلة ولا مضمونة سلفاً .
ذلك أن التقدم لم يكن أسطورة فقط , وإنما كان حقيقة واقعة .
ويكفي أن نلقي نظرة على المجتمعات الاوروبية الحديثة , أن نقارنها بالمجتمعات التقليدية لكي ندرك الفرق . فهنا تتجلى ثمار التنوير يانعة جنيّة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأديان كلها زئبقية
عهد صوفان ( 2011 / 4 / 20 - 11:04 )
الأديان كلها زئبقية وحمالة أوجه استطاع رجال الدين استغلالها بامتياز كبير لصالح نفوذهم. هذا ما حصل مع المسيحية في أوروبا سابقا وما يحصل الآن في بلداننا. ولكون الدين يلغي العقل تماما وينادي بالقبول بالنص المقدس المنزّل فهو أكبر وأهم مرض أصاب البشرية وجرها عكس منطق الحياة
المقال جيد ومنطقي التحليل أشد على يدك وإلى المزيد

اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال