الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحريم فن النحت فى مصر وتونس

عماد مسعد محمد السبع

2011 / 4 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فى مصروصف المتحدث الرسمى باسم الدعوة السلفية التماثيل الفرعونية بأنها تماثيل عفنة تشبه التى كانت حول الكعبة وقام الرسول بتحطيمها عند فتح مكة ، وطالب هذا المتحدث بأن يتم النظر فىأمر تلك التماثيل وعلاجها مثلاً بتغطية وجهها بالشمع ! .

وفى تونس تواترت أيضآ هذه الآراء بعد الصعود الإخوانى فى مرحلة مابعد الثورة على أبن على , والأمر الذى دفع " راشد الغنوشى " زعيم جماعة النهضة للتصريح بأن جماعته تؤيد دعم و تنشيط الحركة السياحية وزيارة الأماكن الأثرية – وأن كان ذلك لا ينال بالطبع من " موقفه الشرعى " حول حرمة فن النحت وهيئة الآثارالمرتبطة به .

والواقع أن الأحكام السلفية بشأن الآثاروالتماثيل تبدو – للوهلة الأولى - منقطعة الصلة عن علة التحريم التاريخى , لأن ما تم تحريمه و المصادرة عليه هو تصاوير وتماثيل الجاهلية المحفوظة والمستخدمة "كأصنام " فى طقوس العبادة الوثنية , وهو الأمر الذى لا ينسحب على فن النحت والتصويرالعصرى .

ولكن ثمة حاجة لتفنيد تلك الآراء السلفية المتصلة بهذا التحريم وعبر ذات الأرضية التى تخلص فيما " أخرجه البخارى ورواه مسلم " من أحاديث تقطع بعذاب أصحاب الصوروالتماثيل يوم القيامة , وأن البيت الذى توجد فيه لا تدخله ملائكة .

التساؤل الذى يطرح نفسه هنا هو : هل تستقل الأحاديث النبوية المتداولة بشأن الصوروالتماثيل " وحدها " بأثبات التحريم فى مجال هذا الحكم الشرعى ؟ وما هو معيار هذا الإستقلال ؟ وهل جحد وأنكارهذا الحكم يخرج صاحبه عن ملة الإسلام باعتباره كافرآ ؟ .

فرائس السلفية المعاصرة ترتعد عند طرح هكذا تساؤلات , لأنها تثير فى الجوهر أحد أهم أشكاليات أصول علم الفقه والإستدلال الشرعى وهى مدى جواز أستقلال السنة القولية المروية عن النبى محمد فى أثبات الأحكام الشرعية التى يتعين أن يلتزم بها المسلم .

فالثابت أن هناك ترسانة من عشرات الآلآف من ( الأحاديث ) المنسوبة إلى الرسول , تتقدم عبر ما يسمى ( عنعنة ) الصحابة والثقات والتابعين من أهل العلم والدين , والذى أجتهد علم الحديث فى ترتيب صفات " أخلاقية و قيمية " بشأن واقعة الفصل فى صحة أو بطلان أو تجريح ماود عنهم من أحاديث نبوية .

هذه الأحاديث النبوية هى بمثابة " مخزن أستراتيجى مؤثر للأيديولوجيا السلفية " وحيث يجرى وصف مرجع / ( صحيح البخارى ) بأنه أهم وأصح كتاب بعد القرآن , كما يواجه جاحد أحاديثه بأنه " قرآنى زنديق ومنكر للحديث والسنة " .

الفتوى الأشهر والأحدث التى تقدم أجابة مقنعة عن التساؤل السابق أثارته هى تلك الصادرة عن الشيخ / عبدالله المشد رئيس لجنة الفتوى بالأزهر فى 1/2 / 1990 – وحيث تؤكد فى نصها على الآتى :
( أن الإيجاب والتحريم فى الإسلام لا يثبتان الإ بالدليل اليقينى القطعى الثبوت والدلالة . وهذا بالنسبة للسنة لا يتحقق الإ عبر الأحاديث " المتواترة " فقط . وحيث أنها تكاد تكون " غير معلومة " لعدم أتفاق العلماء عليها فأن السنة لا تستقل بأثبات الإيجاب و التحريم إلا أن تكون فعلية أو تضاف إلى القرآن . وعلى ذلك فمن أنكر أستقلال السنة بأثبات الإيجاب والتحريم فهو منكر لشيىء أختلف فيه الأئمة وعلماء الأمة ولا يعد مما علم من الدين " بالضرورة " ومن ثمة فأنه لا يعد كفرآ ) ..

وهذا الرأى هو ماذهب اليه أتجاه العقل والإستنارة فى علماء أصول الفقه الإسلامى ,- فعلى سبيل المثال - يؤكد الإمام / محمد عبده على أن : " القرآن هو الدليل الوحيد الذى يعتمد عليه الإسلام فى دعوته وماعدا ذلك مما ورد فى الأحاديث سواء صح سندها وأشتهر أم ضعف فليس مما يوجب القطع ".

كما يذكرالشيخ / شلتوت فى كتابه ( الإسلام عقيدة و شريعة ) : " أن الظن يلحق السنة من جهة الورود ( السند ) ومن جهة الدلالة ( المعنى ) كالشبهة فى اتصاله والإحتمال فى دلالته " . و يرى الإمام / الشاطبى فى ( الموافقات ) : " أن السنة لا تستقل بأثبات الواجب و المحرم لأن وظيفتها فقط هو تخصيص عام القرآن و تقييد مطلقه و تفسير مجمله ويجب أن يكون ذلك بالأحاديث المتواترة لا الأحادية " .

وترتيبآ على ما ذلك فأن الأحاديث المنقولة عن النبى بشأن حرمة تزيين المنازل بالصور والتماثيل لا تستقل بأثبات هذا التحريم وطالما أنها ليست من " الأحاديث المتواترة " ولم تثبت عبرالدليل اليقينى القطعى الثبوت والدلالة .

هذه الآراء والإجتهادات داخل الفقه الإسلامى يجرى التعتيم والمواربة عليها بأستمرار , وبأثر من سيطرة الفقه والرأى و التخريج الوهابى الذى يمتلك نفوذآ متزايدآ بين الجمهور و يدفعه نحوالغلو والإهتمام بشكلانيات الدين وطقوسه الظاهرية .

المثير أن الموقف السلفى من تحريم فنون النحت يجد له صدآ فى ميراث أفتائى داخل مؤسسة الأزهرالمصرية – وحيث تنحاز اليه فتوى قديمة صادرة عن الشيخ مأمون فى عام 1960 وآخرى عن الشيخ هريدى وثالثة للشيخ نصر فريد واصل أضافة لفتوى للشيخ جاد الحق على جاد الحق بتحريم التماثيل ( فيما عدا الصغير منها ) ! ..

ما يقف وراء ذلك هو أوجه الدعم والتمويل المالى والمعنوى فى المركز السعودى والخليجى وبما يمنح جاذبية لتلك الخطابات الإفتائية , و يحدث أثرآ فى محاكاتها وتقليدها فى الحواضر الدينية العربية المجاورة التى كان يجب أن تتسم بالإنفتاح والعقلانية .

تمسك السلفيون بهذا الكم من مرويات النبى المثبتة فى صحيح مسلم و البخارى – وعلى نحو ما ورد من أحاديث تحريم التماثيل - يعكس الفزع من أى تأويل حداثى و عصرى للإسلام , وخاصة أذا ما طال هذا التأويل " النصوص / المخزون " المؤسس فى السنة .

كما يدعم أصرار هذا التيار على سمت " شمولية " الإسلام وبهدف أن يتقدم الدين ورجاله وكهنوته لتنظيم كل مفردات حياة المسلم الإجتماعية والسياسية , وخلق سلطة حضور مستمر لهم داخل الفضاء الدهرى والعام .

الصراع الدائر فى مصر وتونس الآن بين التيار السلفى والقوى المدنية يتقدم على خلفية هذا الإصرارالسلفى , وحيث تطرح القوى التقدمية فى مواجهته منطق التطور و صيرورة وجدل التغير , وأن التراكم المعرفى لم يكن متاحآ للسلف فقط , و أن سؤال " التقوى " يظل مطلبآ علميآ وأخلاقيآ من المستحيل اختصاره فى هذا المعنى الأصولى الكلاسيكى .
عماد مسعد محمد السبع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القرآن يؤيد الحفاظ على الآثار
أسامه البيومي ( 2011 / 4 / 20 - 22:52 )
قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ -الأنعام11
قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ -الروم 42
أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ -العنكبوت20) ..الإسلام أمرنا بالحفاظ على آثار الأمم السابقة لإخذ العبرة..فلو أبدناها كما يأمر البعض فكيف سنسير في الأرض لأخذ العبر؟
الإسلام لايقر بتقديس أي شيئ من دون الله ,فالله وحده هو القدوس ولانقدس شيئا أو أحدا غيره ,نقول للسلفيين هل ندمر كل التماثيل لأنه هناك من عبدها في أحد الدهور؟!.هل نبيد كل الأشجار أو الأبقار أو الحيوانات لإن هناك من عبدها في أحد الأزمنة؟!..هل نطفئ جميع النيران ونترك الناس يموتون من الصقيع لإن هناك من عبدها في أحد الأحقبة؟! نحن لانعبد إلا الله..ولو كان هناك من يعبدها الآن -فلكم دينكم ولي دين-


2 - مساكين مشغولين بقضايا حسمت من قرون
محمد حسين يونس ( 2011 / 4 / 21 - 05:03 )
كلما سمعت مثل هذا الكلام اكرة انني ولدت وعشت في هذا الزمن الردىء الذى يقود الحوار فية مثل هؤلاء المعاتية خلي اى اهبل فيهم يمد ايدة علي ابة الهول او رمسيس وبكرة تيجي اوروبا تحتلنا وتحجر علينا هي سايبة ولااية

اخر الافلام

.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز


.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية




.. الخلود بين الدين والعلم


.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل




.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي