الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


همسة في أذن -العلماء-

أحمد عصيد

2011 / 4 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ظاهريا يعتبر "العلماء" الدائرون في فلك السلطة ومؤسساتها ذروعا لوقاية "إمارة المؤمنين" والذود عنها ضدّ هجمات الإسلام السياسي المتطرف، الذي ينازعها في شرعية استعمال الدين في السياسة، وضدّ انتقادات العلمانيين الحداثيين الداعين إلى الدمقرطة الشاملة. ولهذا يبدو العلماء أقلّ جرأة من الإسلاميين بسبب واجب التحفظ الذي يفرضه الإرتباط بالمؤسسات الرسمية، التي ينبغي انتظار إشاراتها من أجل التحرك ضدّ أية مبادرة تصدر عن قوى المجتمع الحيّة من أجل التغيير، غير أن ذلك لا يعني مطلقا أن العلماء أقل تشدّدا من السلفيين المسيّسين، أو أكثر عقلانية منهم، فقد أظهر البيان الأخير لـ "المجلس العلمي الأعلى"، وكذا النقاش السابق حول الفتاوى الفضائحية، بأن من يسمّون "علماء" لهم أيضا قدرتهم على مجاراة السلفيين في بهلوانيات التطرف التي يبدو أنها أصبحت موضة العصر، حيث يتكتل الجميع ليصبحوا حصّارا قويا لفرملة الإنتقال نحو الديمقراطية أو تأخيره أو ضبطه على إيقاع السلطة ومزاجها، وهو ما يسمح لها بأن تقدم نفسها باستمرار كبديل مطلق للفرق المتناحرة، البديل الذي لا يقدّم ولا يؤخر شيئا سوى الحفاظ على الوضع القائم بنفس آليات اشتغاله القديمة.
والحال أن ما يحدث لـ "العلماء" أحيانا بسبب شعورهم بالنقص أمام عتاة الإرهابيين الذين يصولون ويجولون في ساحة السياسة، هو أنهم اختاروا عوض القيام بعمل تنويري اجتهادي منفتح، يلائم بين نصوص الدين الإسلامي وبين حاجات مسلمي العصر، ويجيب عن الأسئلة المحيرة التي ما انفكت تثور يوما عن يوم، بسبب التطورات المتلاحقة التي عرفتها البنيات المجتمعية ومنظومة القيم، وذلك بهدف جعل "الإسلام الوسطي" كما يسمونه في ظاهر خطابهم، يصبح تيارا اجتماعيا غالبا يساعد على إنجاح عملية الإنتقال نحو الديمقراطية بشكل سلمي وسلس، عوض القيام بهذا كله فضّل بعضهم المزايدة على المتشدّدين بالإغراق في التشدّد، والإغلاظ في القول، والتعسير في الفتوى، والتحريض على كراهية الآخر بشكل واضح لا لبس فيه، حتى أن العلماء لم ينسوا أن يوقعوا قبل عام عريضة تحمل 7000 توقيع، يعبرون فيها عن التشبث بأهداب العرش ويشكرون السلطة على طردها لمبشرين مسيحيين قالوا إنهم يستغلون فقر الفقراء في بعض البوادي، دون أن يتساءل أي واحد منهم عمن صنع مغرب الفقراء الذين تلقي بهم الفاقة بين أحضان المبشرين، و دون أن يقترحوا على الحاكم الفرد فعل شيء من أجل تنمية تلك المناطق التي كان فيها المنصّرون بمثابة شموع مضاءة وسط عتمة الفقر والتهميش المخزني الفاضح. إنهم "العلماء"، لا يتحركون أبدا لصالح الإنسان المقهور، ولا من أجل الدفع بعجلة التطور في الإتجاه الصحيح، ولا يصفقون أبدا إلا للقبضة الحديدية، ولإجراءات القمع والحصار والمنع، ولا تفتح كوة صغيرة إلا وسارعوا إلى إغلاقها خوفا من بصيص نور أو نسمة حرية، لأنهم يعتقدون في قرارة أنفسهم بأن الدين نسق استبدادي هشّ، ما أن يحصل الناس على بعض الحرية حتى يغادروه أفواجا إلى ديانات أخرى، وهو أسلوب في التفكير يعود إلى قرون طويلة من استبداد الدول الدينية، التي خلفت ركاما هائلا من الكتب الصفراء في فقه العبودية والولاء والطاعة، أصبحت اليوم تبدو مقارنة بما بلغته البشرية من رقي وتحرّر، أشبه بوثائق أثرية عن حضارة موغلة في البدائية.
لم يبدُ في بيان "العلماء" أي وعي أو إحساس بنبض الشارع المغربي، ولا بطموح الشباب التواق إلى الحرية، ولا أي احترام للقوى الحية المطالبة بإسقاط الإستبداد والفساد، ولا قرأوا في ثورات الشعوب المجاورة أية رسائل جديدة، ولا فهموا شيئا من الرجّات القوية التي اجتاحت المنطقة بكاملها، ظلوا يجترّون نفس العبارات بلغة العصور الغابرة، بنفس الروح ولنفس الأهداف: تكميم الأفواه وإرجاع الناس إلى بيت الطاعة.
قد يقول قائل هم معذورون لأنهم "أصوات أسيادهم"، لا حرية لهم بدورهم إذ يتلقون التعليمات فيبادرون بالقيام بالواجب في حماية النظام الذي يرعاهم أيضا ويمنحهم وهْمَ لعب دور جهاز الرقابة ومحاكم التفتيش عند الحاجة، وهو دور يسعدون به بديلا لسطة "أهل الحل و العقد" المفقودة منذ انبثاق الأزمنة الحديثة. لكننا نرى أنّ هذه اللعبة من أصلها متقادمة متهافتة، لم يعد يسمح بها واقع الحال الذي بلغ فيه وعي الناس بالديمقراطية وبحتمية التغيير درجة لم تعد تنفع معها بيانات "العلماء" ولا خطب الحكام، فالمطلوب اليوم هو اجتماع الأمة المغربية على كلمة واحدة هي شعار التغيير أو الإصلاح الثوري، الذي يدفع في اتجاه وضع الأسس الصلبة للبنيان الديمقراطي الوطني الحق، ذاك الذي لا يترك مجالا لاستمرار العادات السيئة القديمة، ولا لعودة أساليب المخزن العتيق مهما تدثرت بدثار العصرنة الكاذبة. المطلوب اليوم هو تفكيك بنيات هذا المخزن ليصبح في ذمة التاريخ، وإرساء دولة المؤسسات، وتجديد الحياة السياسية، وبعث الأمل في النفوس من أجل الإنتاج والإبداع في كلّ المجالات، وإذا كان "العلماء" لا يفهمون معاني هذه الكلمات فلأنهم بالغوا في حفظ الحواشي والمتون، ودفن رؤوسهم في الكتب الصفراء كما تدفن النعامة رأسها في الرغام، معتقدين أن ذلك ما يمنحهم الحق في ممارسة الوصاية على حياة الناس والعبث بمصائرهم.
نهمس في أذن "العلماء" تعقيبا على بيانهم الركيك المسفّ قائلين:"إذا كنتم قد شعرتم بتهميش المؤسسات العصرية لكم، وانصراف الناس عنكم، وعدم أخذ كلامكم على محمل الجدّ، فاعلموا أن سبب ذلك يرجع إليكم قبل غيركم، حيث عجزتم عن الإجتهاد المطلوب، وظللتم واقفين عند آراء السلف ممن سبقوكم، والذين عاشوا مجتمعا لم يعد قائما منه غير أطلال قديمة، وأظهرتم قدرا غير قليل من الفظاظة والغلظة فانفضّ من حولكم الناس، وانصرفوا إلى قضاء أغراضهم بقيم العصر الذي نحن فيه، غير مكترثين بفتاواكم، وعليكم إذا أردتم استعادة احترام الناس لكم أن تكونوا عند حسن الظن بكم، وأن تسعوا إلى إرضاء مواطنيكم لا إلى إرضاء السلطان، فتفتحوا عقولكم على تحولات عصرنا هذا، وتقرأوا من كتب العلوم الحديثة ما قد يساعدكم على فهم الظواهر التي تبدو مستعصية على الفهم لديكم بسبب أسلوبكم في النظر إلى الإنسان وإلى المجتمع، و في حالة ما إذا ما أصررتم على البقاء على سيرتكم تلك، فاعلموا أنكم ستجدون أنفسكم في مواجهة قوى المستقبل، وعندئذ ستصبحون جزءا من منظومة الإستبداد المحكومة بأن تصبح في ذمة التاريخ".
*) وضعتُ كلمة "علماء" بين مزدوجتين حتى لا نخلط بينهم وبين العلماء الحقيقيين الذين يقومون في عصرنا باكتشافات باهرة، يبرهنون عليها بالجهد العقلي والبحث التجريبي، و يقدمون للبشرية عطاء تنتفع به في كل المجالات، و يظلون رغم ذلك في غاية التواضع والإنفتاح، والرغبة في مزيد من الإكتشاف و تجاوز الحقائق المحصلة إلى أخرى أكثر عمقا وتطورا، و نعم العلماء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا نظلموا العلماء بتسمية هؤلاء علماء
فهد لعنزي السعودية ( 2011 / 4 / 21 - 17:14 )
اخي الكريم ان هؤلاء ليسوا علماء بل هم دراويش والا ما هي العلوم التي قدموها لافادة البشرية غير غسل القبل والدبر وكيف تدخل الحمام وكيف تتغوط ومتى يبول ابليس في اذن النائم. انهم وعاض السلاطين المرتزقة: رحم الله الجواهري لقد اصاب كبد الحقيقة:
على باب -شيخ المسلمين - ، تكدّسَتْ *** جياع ٌعلتهم ذلة ٌ وعراة ُ
هم القوم احياءٌ تقول كأنهم *** على باب - شيخ المسلمين - مواتُ
يلم فتات الخبز في التـُرْب ِ ضائعا *** هناك واحيانا تـُمص نواة ُ
بيوت على ابوابها البؤس طافحٌ *** وداخلهن الاُنسُ والشهوات ُ
تحكم باسم الدين كل مذمم ٍ *** ومرتكب حفـّتْ به الشبهاتُ
وماالدين الا ّ آلة ٌ يشترونها *** الى غرض يقضونه وأداة ُ
وخلفهم الاسباط تترى ، ومنهم ُ *** لصوصٌ ومنهم لاطة ٌ وزناة ُ
فهل قضت الاديان ان لاتذيعها *** على الناس الا هذه النكراتُ


2 - انهم في الطريق
مهدي عبود ( 2011 / 4 / 21 - 21:20 )
هاهم السلفيون واتباع يس الطرقيون المتحالفون مع الماركسيين في اغرب تحالف قادمون ونعيش مع ويلاتهم......

اخر الافلام

.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس


.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي




.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س


.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية




.. 131-An-Nisa