الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جلالة التاريخ - مآثر الأبطال في طرد الاحتلال -الشيخ ضاري

مجلة الحرية

2011 / 4 / 24
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


جلالة التاريخ
مآثر الأبطال في طرد الاحتلال
الشيــخ ضـــاري
1855-1928
الشيخ ضاري المحمود رئيس عشيرة زوبع وهي من العشائر العربية الكبيرة المعروفة والتي سكنت منطقة الفلوجة وما جاورها من زمن بعيد كان الشيخ ضاري رجلاً محبوباً لدى أبناء عشيرته لاتزانه ورزانته وحبه للخير.
كان مسموع الكلمة في عشيرته وبقية العشائر الموجودة في المنطقة عند قيام قادة القبائل والشخصيات البارزة في منطقة الفرات الأوسط بعقد الاجتماعات فيما بينهم للأعداد للثورة إذ رفضت الحكومة البريطانية منح الاستقلال للعراق، قرر هؤلاء إرسال مندوب عنهم لمقابلة الشيخ ضاري وإخباره بنية قادة العشائر.
سافر مندوب القادة الذي كان يدعى جدوع أبو زيد( ) إلى منطقة الشيخ ضاري واجتمع معه وأخبره بنية المجتمعين.
بعد اطلاع الشيخ الضاري على ما شرحه المندوب رحب بالفكرة وأيدها بقوة وقال ما نصه: (إني عربي ووطني وعراقي، وها إني ابذل كل ما لدي من نفس ونفيس في سبيل مصلحة بلادي ضد الظالمين.
ولينعم العلماء وأخواني الزعماء عيناً وها إني باسم الله سأعمل وستسمعون أعمالي وترونها، تلك الأعمال التي سوف يرضاها الله وترضونها أنتم إنشاء الله( ).
غادر المندوب وكله حماس لما سمعه من الشيخ ضاري، بعد وصوله إلى كربلاء اجتمع مع القادة الذين كانوا متواجدين فيها لغرض أداء زيارة الإمام الحسين (ع) وأبلغهم تأييد الشيخ ضاري لفكرتهم وانه مستعد للقيام بأي عمل يطلبوه منه تنفيذ كما اجتمع مع الشيخ محمد تقي الحائري الذي كان ابرز رجال الدين في تلك الفترة ومن المؤيدين لاستقلال العراق.
فرح قادة القبائل والشخصيات التي كانت قد عقدت الاجتماع الهام في كربلاء والذي قرروا فيه وضع الأسس المطلوب تنفيذها حول هذه القضية الهامة بموافقة الشيخ ضاري على مؤازرته ودعمهم لجهودهم في قضية المطالبة باستقلال العراق.
يذكر الشيخ سلمان بن الشيخ ضاري حول تأييده والده للعلماء الأفاضل ولرجال الثورة في منطقة الفرات فيقول إن الكولنيل لجمن أقام وليمة دعا إليها شيوخ المنطقة وبعد أن تناول الطعام أخذ يتحدث معهم حول شؤون العراق الداخلية وفي أثناء حديثه أخذ يضرب على أوتار الطائفية البغيضة لزرع بذور الفتنة فقال الكولنيل لجمن ما نصه:
(انه يود الوقوف على رأيهم باعتبارهم من أهل السنة فيما يطالب به الثوار الشيعة من إقامة حكومة مستقلة، فانبرى الشيخ ضاري يرد عليه قائلاً ليس في الإسلام سنة وشيعة بل هو دين واحد وكلمة واحدة.
فقال لجمن: إن الحكومة البريطانية حائرة في أمركم لا تدري هل تشكل حكومة شيعية أو سنية، فرد عليه الشيخ ضاري: إن علمائنا حكومتنا وقد أمرنا القرآن بطاعة الله والرسول وأولي الأمر منهما، فإذا اعتديتم عليهم فإننا سننتصر لهم ونحاربكم بجانبهم والأولى أن تلبوا ما أرادوا( )، بعد انتهاء الوليمة عاد الشيوخ إلى عشائرهم ومنهم الشيخ ضاري وكان كلام الشيخ ضاري مع الكولنيل لجمن بأن الشيخ ضاري ليس من أعوانهم فاخذ يضمر له العداء.
في 12/ أب/ 1920 أرسل الكولنيل لجمن على الشيخ ضاري للاجتماع به وإخباره عن الأحداث التي جرت في بغداد وقيام حكومة الاحتلال بمهاجمة دور رجال الحركة الوطنية في بغداد لاعتقالهم كما حدثه عن الثورة في منطقة الفرات( ). في أثناء الاجتماع جاء أحد الأشخاص وأخبر الكولنيل لجمن عن وقوع حادثة سلب وقعت بالقرب من سدة الترك بعد أن سمع لجمن بهذه الحادثة التفت إلى الشيخ ضاري قائلاً هذي كلها حركات، فأخذ الشيخ ضاري يؤكد له بعدم علمه بهذه الأشياء.
أمر لجمن عبد الجبار الجسام أمر الشبانة أن يتوجه إلى مكان الحادث لمطاردة المهاجمين وقد أخذ خميس ابن الشيخ ضاري لكي يعاونه في مطاردة هؤلاء.
التفت الكولنيل لجمن مرة أخرى نحو الشيخ ضاري وأخذ يوجه الإهانه له فاخذ يكرر اتهامه بأنه مسؤول عن وقوع هذه الحوادث لم يتحمل الشيخ ضاري هذه الكلمات الجارحة فأمر ابنه سليمان على إطلاق الرصاص على لجمن فسقط على الأرض وهو مضرج بدمائه بعدها سل الشيخ ضاري سيفه وهو على جثة الكولنيل لجمن يضربه على رأسه وصدره إلى أن مات.
في اليوم التالي لمقتل لجمن توجه الشيخ ضاري على رأس عدد كبير من أفراد عشيرته وبقية العشائر المتحالفة معه إلى محطة التاجي لقلع سكة الحديد التي تربط بغداد بالفلوجة( ).
بعدها توجه الشيخ ضاري إلى الفلوجة واجتمع مع بعض رؤوساء المنطقة وحثهم على إعلان الثورة ضد الانكليز وقد أيده عدد كثير من هؤلاء فطلب منهم القسم بالقرآن الكريم على أن لا ينقضوا الاتفاق وعلى أثرها قام السيد محمود رامز وهو من الضباط البغداديين والذي كان يرافق الشيخ ضاري بتحليفهم بالقرآن الكريم( ). في هذه الفترة كانت أربع بواخر انكليزية تسير في الفرات. فقامت العشائر بمهاجمتها وتمكنت من إعطابها ثم استمرت العشائر بمهاجمة معسكرات الانكليز وقوافلهم.
بعد هذه التطورات أعد الجنرال هالدين قوة كبيرة لفتح الطريق الذي قطع بين بغداد والفلوجة فتصدت العشائر لهذه القوة إلا أن القوة تمكنت من السير بعد أن تكبدت عدد من القتلى والجرحى فوصلت هذه القوة إلى قلعة الشيخ ضاري فهدمتها وساوتها مع الأرض.
بعدها دخلت هذه القوة مدينة الفلوجة، على أثر دخول القوة الانكليزية لمدينة الفلوجة قرر الشيخ ضاري مغادرة المنطقة فأمر ابنه خميس أن يتجه مع قسم من أفراد عشيرته إلى نواحي نصيبين في داخل الأراضي التركية( ).
أما الشيخ ضاري فتوجه إلى مدينة كربلاء مع عدد كبير من أفراد عشيرته ونزل ضيفاً عند أحد قادة ثورة الكربلائيين وهو السيد حسين الدره( ). بعدها اتجه الشيخ ضاري مع من صحبه من أفراد عشيرته إلى منطقة الوند مقر تواجد زعماء الثوار.
في أثناء تواجده في الوند جاءه الشيخ مرزوك العواد رئيس عشيرة العوابد وطلب منه أن يقبّل يده التي قتلت الكولنيل لجمن إلا أن الشيخ ضاري رفض ذلك.
فقال له الشيخ مرزوك – هل تريد هجمان بيتي؟ فأستفسر منه الضاري: ما علاقة تقبيل يدي بهجمان بيتك؟ فقال له الشيخ مرزوك: لقد أقسمت بالطلاق أن أقبل اليد التي صرعت لجمن فأمدد يدك إذن فامرأتي طالق وهي أم لأطفال، أثمها في رقبتك، وسيكون الحضور شهود على هذا الطلاق.
اضطر الشيخ ضاري بعد هذا الإلحاح أن يمد يده فقبلها الشيخ مرزوك( ).
في أثناء وجود الشيخ ضاري في جبهة الوند جرى احتفال كبير بمناسبة تعيين السيد محسن أبو طبيخ متصرفا لمدينة كربلاء( ) المحررة فحضر الشيخ ضاري هذا الاحتفال.
لم يمكث الشيخ ضاري في كربلاء حيث إن القوات البريطانية قد تمكنت من احتلال مدينة طويريج (الهندية) القريبة من كربلاء الأمر الذي جعل قادة الثوار يغادرون المدينة لكي لا يقعوا في أيدي القوات البريطانية فاتجه الشيخ ضاري مع بقية القادة إلى مدينة النجف الأشرف ومنها إلى البادية وظل يتنقل بين القبائل إلى أن وصل إلى منطقة نصيبين فالتحق مع عشيرته التي كانت متواجدة في هذه المنطقة.
كان الانكليز قد خصصوا جائزة كبيرة قدرها عشرة آلاف ربيه لكل من يلقي القبض على الشيخ ضاري حياً أو ميتاً( ).
بعد انتهاء الثورة أصدرت حكومة الاحتلال البريطاني عفوا عاماً عن المشاركين في الثورة إلا أن السلطة المحتلة استثنت الشيخ ضاري من هذا العفو حيث نصت الفقرة (أ) من العفو العام ما يلي: الشيخ ضاري، وولداه خميس وسلمان، وسرب، وسلوبي ولدا محياس ودهام بن فرحان، وجميع هؤلاء، لعشيرة الزوبع، وجميعهم متهمون بقتل الكولنيل لجمن أو التحريض على قتله( ).
على أثر إعلان الانكليز عن الجائزة الكبيرة التي خصصها لكل من يلقي القبض على الشيخ ضاري رغب أحد السواق يدعى ميكائيل كريم أن يتبنى هذه القضية لكي يحصل على المبلغ فأخذ يتتبع أخبار الشيخ ضاري وقد حالفه الحظ في يوم 3/تشرين الثاني/ 1927 عندما كان الشيخ ضاري يريد الالتحاق بعشيرته حيث كان قد حلّ ضيفاً على عشيرة شمر في سوريا وبعد أن مكث عندهم عدة أيام غادر المنطقة وقد أراد أفراد من العشيرة مرافقة الشيخ ضاري في رحلته هذه خشية عليه من أي عارض( ) إلا انه رفض ذلك الطلب.
في أثناء توجه الشيخ ضاري إلى مدينة حلب سنحت الفرصة للسائق ميكائيل كريم فعرض خدماته على الشيخ ضاري ووضع سيارته تحت أمرته وبما أن صحة الشيخ لا تساعده على المسير والتنقل على الحيوانات فقرر ركوب السيارة المشؤومة.
ما أن صعد إلى السيارة شعر بان هناك شيء غريب سيحدث وبالفعل وصل السائق ميكائيل إلى مخفر شرطة سنجار العراقي القريب من الحدود السورية.
ما أن وصل إلى المخفر نقل منه إلى مخفر الموصل ثم نقل إلى بغداد بعد وصوله إلى بغداد دخل السجن.
في 23/كانون الثاني/ 1928 قدم للمحكمة التي شكلت برئاسة حاكم بريطاني وعضوية اثنين من العراقيين هما جميل خوشابه وأحمد طه أما المدعي فكان خالد الشاهبندر.
تطوع عدد من المحامين للدفاع عن الشيخ وهم: داود السعدي وأمجد الزهاوي وعلي محمود وياسين الدوري ... عقدت المحكمة عدة جلسات وكانت آخر جلسة في 30/ كانون الثاني/ 1928م وبعد مذاكرة استمرت ثلاث ساعات أصدرت المحكمة حكمها الجائر على الشيخ ضاري وهو الإعدام شنقاً حتى الموت مع تبديل الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة لكبر سنه وسوء صحته.
بعد صدور الحكم نقل الشيخ ضاري إلى السجن إلا انه سرعان ما تدهورت صحته الأمر الذي جعل مأمور السجن أن ينقله إلى المستشفى وفي المستشفى لفظ أنفاسه الأخيرة.
ما أن أعلن عن وفاة الشيخ ضاري حتى احتشدت الجماهير على أبواب المستشفى تريد استلام الجثة لتشييعها إلا أن الحكومة رفضت ذلك وأمرت عدد من أفراد الشرطة نقل الجثة إلى مقبرة الشيخ معروف.
أثناء قيام الشرطة بتنفيذ الأمر هجمت الجماهير على المستشفى وأخذوا الجنازة من الشرطة وخرجوا بها وهم يكبرون.
حُملت الجنازة على الأكف واشترك حوالي مائة إلف شخص في التشييع وهذا عدد كبير جداً بالنسبة لذلك الوقت حيث لا توجد وسائط نقل سار موكب الجنازة وسط هتاف الجماهير ضد بريطانيا ومن هذه الهتافات (هلهوله للكاتل لجمن، أنحب ايده للكاتل لجمن، نام هنيه يا كاتل لجمن)( ). سارت الجنازة في شارع الرشيد ثم عبرت إلى جانب الكرخ ومرت أمام دار الاعتماد البريطاني حيث ازدادت الجماهير حماساً في شتم بريطانيا( )، بعدها سار المشيعون إلى مقبرة الشيخ معروف فدفن هناك وسط هتاف الجماهير بسقوط الاستعمار البريطاني.
لقد جاهد الشيخ ضاري وحارب المستعمر البريطاني الغاشم بالرغم من شيخوخته، وبهذا أصبح ضاري بطلا من أبطال الاستقلال ورجلاً ثائراً من أبرز المساهمين بالثورة العراقية فتحمل من جراء مواقفه الوطنية هذه الملاحقة والتشريد من قبل قوات الاحتلال البريطاني قبل وأثناء وبعد الثورة العراقية الكبرى فظل ينتقل بين القبائل مدة ثماني سنوات متعذباً بعيداً عن وطنه وأهله إلى أن تم إلقاء القبض عليه من أحد أعوان الانكليز فسجن وعذب إلى أن اختاره الباري عز وجل إلى جواره فذهب إلى جنات الخلد وهو مطمئن ومرتاح لأن أبناءه أبناء الرافدين قد حققوا آماله في تحرير بلادهم من نير الاستعمار الغاشم وقد تمكنوا من استنشاق هواء الحرية.
جليل الخزرجي
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملثمون يوقفون المحامية سونيا الدهماني من داخل دار المحامين ف


.. نبض أوروبا: هل حدثت القطيعة بين بروكسل ومالي بعد وقف مهمة ال




.. الأردن يُغلق قناة تابعة للإخوان المسلمين • فرانس 24


.. المبادرة الفرنسية و تحفظ لبناني |#غرفة_الأخبار




.. طلاب جامعة هارفارد يحيون الذكرى الثانية لاغتيال شرين على يد