الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توليستوي والمسيحية

واثق غازي عبدالنبي

2011 / 4 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تمهيد:

خلال القرون العشرون التي تلت ظهور السيد المسيح، برزت شخصيات وجماعات تصدت للعنف، ونادت بالتمسك بتعاليم المحبة والسلام، ولكن تكاتف أنصار العنف من حكام ووعاظ كذبة، جعل من صوت العنف أعلى من صوت اللاعنف الذي جاء به المسيح، فاشتعلت الحروب، وسُفكت الدماء. وما يزيد القلب حسرة هو أن هذه الحروب كانت ترتكب باسم المسيح، وتحت شعار الحروب المقدسة، ولكن هذا لم يخمد صوت اللاعنف، ولم يمحو كلمة المحبة والسلام التي جاء بها المسيح، فقد ظهرت العديد من الشخصيات والجماعات التي وقفت أمام تيار العنف الجارف، اخترنا من بين أشهرهم الكاتب الروسي توليستوي ليكون انموذجاً للشخص الباحث عن الحقيقة، الذي رفض تعاليم عصره، ودرس بنفسه، وكتب دون خوف.

عقيدة توليستوي:

أعترض توليستوي قبل حوالي أكثر من قرن على العنف الذي ينتهجه بعض المسيحيين. فهو يرى أن العنف ليس من المسيحية في شيء، وأن الحروب التي يُسخر فيها أسم المسيح، هي حروب ظالمة لا يرضى عنها المسيح، وأن العنف غير مباح تحت أي ظرف من الظروف، فهو يقول: (إني اعتبر عقيدة الكنيسة التي يطلقون عليها عادة اسم المسيحية، مغلوطة، ولا تماثل عقيدتي).
وقد شرح توليستوي عقيدته في اللاعنف في عدد من كتبه ورواياته، من بينها كتاب بعنوان (ما هي عقيدتي؟) ألفه عام (1884) هاجم فيه مبدأ استخدام العنف من قبل الحكومات والذي تدعمه الكنيسة ورجالها. وقد طالب بالتمسك بتعاليم المسيح الواضحة والصريحة، المتعلقة بالمقاومة غير العنيفة للشر، وهاجم رجال الكنيسة بعنف، فقد كتب في تعليقه على هذا الكتاب: (أني أتهم في كتابي "ما هي عقيدتي؟" معلمي الدين في أنهم يعلمون مبادئ مخالفة لمبادئ المسيح... إن هؤلاء الوعاظ يزيلون عن تعاليم المسيح كل معناها).
وقد أعاد بعد سنوات نشر أفكاره هذه والتأكيد عليها، في كتاب صغير آخر حمل عنوان (ملكوت السماوات في أنفسكم). في هذا الكتاب تعرض توليستوي إلى أربعة نقاط رئيسة هي:
أولاً، الدور السيئ لرجال الكنيسة في دعم العنف ومساندته، وفي ذلك يقول: (من بين المخالفات العديدة لرجال الكنيسة تجاه تعاليم المسيح، أبين فيما يلي المخالفة الرئيسية وهي: عدم الاعتراف بتعاليم مقاومة الشر بدون عنف. أنها أكبر المخالفات التي تشهد بتشويه الكنيسة لتعاليم المسيح).
ثانياً، رفضه للدول القائمة في عصره والتي تنتهج سياسة العنف، حيث كتب (حين يختلق رؤساء الدول مسيحية اسميه خارجية، فأنهم يخترعون نظريات لا يمكن تصديقها، بارعة، تتلاءم بفضلها الديانة المسيحية مع الدولة. ولكن كل إنسان في زمننا هذا لا يمكن إلا أن يرى عدم التوافق الواضح بين المسيحية الحقة، مدرسة التواضع وغفران الأهانات والحب، وبين الدولة وكبريائها وأعمالها العنيفة، وعقوباتها، وحروبها. ولا تزيح العقيدة المسيحية الحقيقية كل أمكانية للاعتراف بالدولة فحسب وإنما تحطم دعائمها)، ويضيف أيضاً: (إن تعاليم المسيح تحطم الدولة. وقد فهم الناس ذلك منذ ولادة المسيحية وهذا هو السبب في صلب المسيح).
ثالثاً، أعلن رفضه الصريح للمحاكم التي أُسست على العنف، وهو عنف لا يرتضيه السيد المسيح، فقد كتب متسائلاً: (هل يحق للمسيحي، نعم أو لا، أن يكون عضواً في محكمة تحاكم أمثاله؟ هل يحق له، ما دام مسيحياً مخلصاً لتعاليم المسيح، أن يطلب من هذه المحكمة حمايته بواسطة القوة؟ هل يستطيع المسيحي المخلص لتعاليم المسيح أن يكون فرداً من أفراد إدارة تستخدم العنف ضد الرجال؟)
رابعاً، أعلن رفضه للحروب وللخدمة العسكرية الإلزامية للجميع، فهو يتساءل (هل يستطيع، نعم أو لا، المسيحي المخلص لتعاليم المسيح، أن يتدرب على قتل جاره وعلى ارتكاب القتل بصفته جندياً؟)، وقد استمر في تساؤله هذا قائلاً: (كيف نوفق بين تعاليم السيد المسيح، الواضحة والدقيقة في قلوبنا، حول الغفران، والتواضع والحب لأمثالنا، الأصدقاء والأعداء، وبين ما يطلب منا: ممارسة العنف العسكري ضد رجال من جنسنا ومن جنس أجنبي عنا؟).

تناقض عجيب:

بالإضافة إلى ما سبق، أكد توليستوي على التناقض الذي شيدت على أساسه الحضارة المسيحية والمتمثل بقبول (قانون الحب) الذي بشر به المسيح وبين (قانون العنف) الذي جاء به الحكام ومن يقف معهم من وعاظ، لذلك نجده يقول: (لقد قبل أبناء العالم المسيحي قانون الحب في نفس الوقت الذي سمحوا فيه بممارسة العنف. زد على ذلك أنهم ما داموا قد أسسوا حياتهم على العنف فأن الوجود الكامل للشعوب المسيحية لم يمثل سوى التناقض المطلق بين ما يبشرون به، وبين الأساس الذي يبنون عليه حياتهم... ولم يكف هذا التناقض عن الاستفحال مع تطور المسيحيين ليبلغ في الزمن الأخير، أعلى درجة له).

لا تقاوموا العنف بالعنف:

أمام هذه الاعتراضات الكثيرة على شكل المسيحية القائمة في عصره، قدم توليستوي اللاعنف وسيلة لمقاومة الشر. فهو لم يدعو الناس لمحاربة الشر بالشر، وألا كانت دعوته عبثاً. أنه يطلب من الناس أن لا يجعلوا أي سلطة على أنفسهم غير سلطة الإله، لذلك نراه يقول: (يتحرر المسيحي من كل سلطة للرجال عليه حين لا يعترف فوقه سوى بقانون الإله الذي أوضحه المسيح. وهذا التحرر لا يظهر مطلقاً بواسطة العنف، أو بواسطة تحطيم أشكال الحياة الموجودة، ولكن في تعديل طريقة فهم الحياة. كل عنف بالنسبة للمسيح هو عمل غير شرعي، لا جدوى منه).

الخلاصة

إن توليستوي مسيحي متدين، آمن بالمسيحية عن وعي ودراسة وتأمل. أخذ تعاليم دينه من منبعه الرئيس وهو الإنجيل، ولم يأخذه من رجال الكنيسة، ولم يقبل على نفسه أن يكون تابعاً لهم. فهو لم يتبع سوى عقله وقلبه. لذلك نحن نرى أن توليستوي مؤمناً وليس متديناً فحسب. عندما وجد توليستوي أن المسيح دعا إلى المحبة والسلام واللاعنف، آمن بذلك، ولم يلتفت إلى ما هو سائد في عصره من تبريرات تبيح العنف. وهو لم يخشى من إعلان رأيه الواضح والصريح فيما يراه مخالفاً لتعاليم المسيح. وان أروع ما في توليستوي أنه آمن باللاعنف قولاً وعملاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الكنيسة
تحسين خليل ( 2011 / 4 / 24 - 19:43 )
اخي العزيز, انا لم اغضب من مقالك السابق , لقد قلت لك انك لاتستطيع ان تجبر عشرات الملايين على تغيير عقيدتهم . المؤسسة الدينية لا تمثل بالضرورة الدين نفسه . المسيح كان يهوديا وقد هاجم الموسسة الكنسية اليهودية لانها كانت فاسدة ولانه كان ثائرا ونصير الفقراء والمظطهدين . المسيحية حسمت الموضوع بفصل الدين عن الدولة ( اعطوا ما لقيصر لقيصر .... ) وفساد الكنيسة كان وراء حركة الاصلاح الديني وكذلك الثورة البلشفية . المهم ان تبقى القيم المسيحية معيارا للكنيسة كما ان كل الدساتير الغربية قد اقتسبت اخلاقياتها من المسيحية بالرغم من انها علمانية. تقبل احترامي


2 - عبدالنبي
عما يوحنا ( 2011 / 5 / 4 - 15:51 )
ياملا واثق ابق على عقليتك وتعصبك وابقى على تهجمك على المسيحية يا عبدالنبي ولسانك هو يدينك
امثالك الحقائق لاتعني اي شيء لهم وللاسف.

اخر الافلام

.. العراق.. احتفال العائلات المسيحية بعيد القيامة وحنين لعودة ا


.. البابا تواضروس الثاني يستقبل المهنئين بعيد القيامة في الكاتد




.. الطوائف المسيحية الشرقية تحتفل بأحد القيامة


.. احتفال نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل من الإخوة المسيحيين بقدا




.. صلوات ودعوات .. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسي