الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كابوس النفاق والتملق

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2011 / 4 / 25
التربية والتعليم والبحث العلمي


كنت متوجها للعمل وأنا أفكر فى تلك المحاضرة التى سوف ألقيها على الطلاب ومحاولا تذكر عناصرها الرئيسية التى سهرت الليل كله ألملم خيوطها متنقلا بين هذا الكتاب وذاك المرجع ثم فجأة رن التليفون فرددت عليه فإذا بأحد مسئولى فرع الجامعة يطلب منى ضرورة الحضور فورا وحين دخلت مكتبه وجدته يخبرنى بأن السيدة الأولى أو الهانم سوف تأتى إلى أسوان وسوف يمر موكبها من أمام البوابة الرئيسية للجامعة. فقلت له وماذا نفعل لها؟ قال مطلوب من كل عميد كلية أن يسارع بتجهيز عدة لافتات ترحيب بها ولا مانع من تعليق لافتات تشير إلى الأعمال العظيمة التى تتبناها مثل محاربة الختان ومشروع القراءة للجميع ومشروعات خيرية أخرى. كما علمت أيضا أن الجميع سوف يجتمع فى مكتبه للتوجه إلى المدينة الجامعية حيث سنقوم باصطحاب الطالبات إلى الشارع المقابل للبوابة الرئيسية. وقفت حائرا متسائلا: هل السيدة الأولى سوف تأتى لزيارة الجامعة حيث تلتقى بالأساتذة والطلاب؟ بدد المسئول حيرتى حين أخبرنى أنها ستمر من أمام البوابة ونحن نريد أن نقف لتحيتها. تمتمت بأسى وحزن: تماما كما يفعل تلاميذ المدارس. ثم استطردت قائلا: وهل ستتوقف سيادتها لرد التحية أو لمصافحة العمداء والطالبات؟ قال: لا أظننى أنك أبله فكيف بالله عليك تتوقف سيدة أولى أو حتى ثانية لمصافحة جماهير تقف فى الشارع. واصل المسئول حديثه موضحا أنها سوف تتوجه لافتتاح بعض المراكز والمواقع المهمة فى أسوان ومراكزها. استأذنت للانصراف عازما تكليف أحد العاملين لسرعة إعداد لافتات السعادة والفرحة بمرور السيدة بجوار البوابة الرئيسية للجامعة.

وبالفعل وصلت إلى الكلية متحمسا للمهمة التى نحن بصددها وسرعان ما أصدرت تعليماتى لإدارة رعاية الشباب طالبا سرعة إعداد اللافتات المرحبة بالسيدة الأولى. لم اعبأ بالطلاب الذين ينتظرون المحاضرة بل ربما تبخرت المعلومات التى أردت نقلها لهم. لم تمض بضع دقائق حتى توجهت مرة أخرى إلى مكتب القيادة الجامعية حيث كان يجلس فى معيته رهط من الأساتذة والعمداء وجميعهم يجتهدون فى تأليف الشعارات التى تحملها اللافتات والبعض يقدم اقتراحات تتعلق بالمواقع المناسبة لوضع اللافتات. لقد أقترح أحدهم بأن تعلق اللافتات على الأشجار القريبة من الشارع الرئيسى غير أن آخرين اعترضوا بحجة أن السيدة لن ترى اللافتات وهى داخل السيارة. فقرر المسئول أن يتأكد بنفسه من هذا الأمر حيث استقل سيارته وسار بها فى الطريق لعله يستطيع أن يحدد المواقع المناسبة لوضع اللافتات. وبالفعل نجح المسئول ومرافقوه فى تحديد المواقع وتم تكليف العمال بالبدء فى تعليق اللافتات فورا لأن موعد طائرة السيدة قد اقترب.

وحين اطمأن المسئول على سلامة اللافتات ومواقعها قرر أن نتوجه جميعا إلى المدينة الجامعية لاصطحاب الطالبات بعد توزيع الأعلام عليهن. تلاحظ أن بعض الطالبات حاولن الاعتذار عن أداء هذه المهمة القومية غير أن المسئول هددهن بالفصل من المدينة إذا لم يمتثلن للأوامر. قالها بشكل صريح ومباشر مشيرا إلى أن هذا الأمر "أكبر منى ومنكم وإنتو شايفين حتى العمداء لن يستطيعوا الاعتذار لأي سبب من الأسباب." تعالى صوت إحدى الطالبات التى عبرت عن رغبتها فى حضور المحاضرات والشكاسن حيث لن تستطيع أن تفهم الدروس إذا تأخرت أو غابت عن قاعة المحاضرات. رد المسئول قائلا: "يا إبنتى أن هذه المهمة أهم واشرف من المحاضرات. فالمحاضرات يمكن تعويضها وسوف اطلب من المعيد أو الدكتور أن يعيد الدروس وهو لن يستطيع أن يرفض إذا عرف إنكم كنتم فى مهمة وطنية سوف ترفع من مكانة الجامعة فى نظر حبايبنا الحلويين" وأضاف: "وعلى فكرة تقاريرهم متخرش المية. فأرجوكم... العيون مسلطة علينا ولا نريد مشاكل مع أحد." أردفت الطالبة قائلة إنها أمضت ثلاث سنوات فى ربوع الجامعة وعمرها لم تخرج إلى الشارع لتحية مسئول." رد المسئول قائلا: "إن الأمر مختلف الآن فلابد أن نعبر عن فرحتنا وسعادتنا الصادقة أو الزائفة بزيارة أى فرد من أفراد الأسرة الحاكمة التى تستطيع أن تفعل أى شىء فى هذا البلد ولن يستطيع كائن ما كان أن يتبوأ منصبا إذا لم يكن محل ثقتهم وأنا أريد أن أحول الفرع إلى جامعة حتى أترأسها وبالطبع تعرفون من يقوم بتعيين رؤساء الجامعات فى البلد." قالت طالبة: "يا دكتور بس أنتو كده بتعلمونا فنون النفاق والتملق." رمقها المسئول نظرة قاسية معرضا ومشيحا بوجهه عنها.

وفجأة استيقظت على صوت آذان الفجر لأجدنى مستلقيا على السرير وأنا أتصبب عرقا وأشعر بعطش شديد. فتناولت كوب ماء ليساعدنى على اجتياز الكابوس الذى تملكنى طوال الليل وهو الكابوس الذى زالت أثاره بمجرد أن استيقظت وتذكرت ثورة 25 يناير وتوابعها التى انتشلتنا من مستنقع الإذلال والتردى والانحلال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينتزع الحراك الطلابي عبر العالم -إرادة سياسية- لوقف الحرب


.. دمر المنازل واقتلع ما بطريقه.. فيديو يُظهر إعصارًا هائلًا يض




.. عين بوتين على خاركيف وسومي .. فكيف انهارت الجبهة الشرقية لأو


.. إسرائيل.. تسريبات عن خطة نتنياهو بشأن مستقبل القطاع |#غرفة_ا




.. قطر.. البنتاغون ينقل مسيرات ومقاتلات إلى قاعدة العديد |#غرفة