الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسفة نزار قباني في المرأة والحب والجنس والحرية والتغيير*

محمد لفته محل

2011 / 4 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يسمونني أذن شاعر المرأة في الماضي كان اللقب يسليني، ثم أصبح لا يعنيني، وفي الفترة الأخيرة أصبح يؤذيني تحول من نعمة الى تهمة، ظاهرة الألقاب هذه لا توجد إلا لدينا، ولعلها من مخلفات عصور الإقطاع، وموروثات الإمبراطورية العثمانية، حيث كانت النياشين، والفرمانات والأوسمة التي يحملها الإنسان أهم من الإنسان، لا أريد أن يعتقد الناس أن همومي النسائية هي كل همومي، أنني شاعر الرجل والمرأة والعلاقات الإنسانية جميعا.. وأنا مع حبي الأعظم للمرأة لا أريد أن أختنق بهذا الشكل المجاني ولا أقبل أن تفرض علي الإقامة الجبرية في داخل الجسد النسائي وحده، أن طموحي أن أكون في جسد العالم كله، الحب الذي ربطوني به، ليس الحب الذي تحدده جغرافية جسد المرأة. فالمرأة قارة من القارات التي سافرت إليها، ولكنها بالتأكيد ليست العالم كله. أن الحب عندي يعانق الوجود كله، أنه موجود في التراب، وفي الماء، وفي الليل، وفي جراح المناضلين، وفي عيون الأطفال، وفي ثورات الطلاب، وغضب الغاضبين، الحب عندي عناق للكون، وعناق للإنسان. أن رسوباتنا وعقدنا الجنسية جعلتنا لا نستطيع أن نتصور الحب إلا مقروناً بالمرأة.. وبجغرافية جسدها؟ هذا تحديد ساذج للحب وأنا حين كتبت شعرا في المرأة، لم يكن قصدي توقيع معاهدة أبدية مع جسدها، بحيث لا أقول شعرا إلا بها أو لها.. قضية الحب ككل قضايانا، لا تحل إلا حين تحل قضية الحرية في المجتمع العربي فلا يمكن أن يكون الجسد العربي حرا.. إلا إذا كان العقل العربي حرا.. والرأي العام حرا.. والكلام العربي حرا.. والقمع الجنسي، كالقمع السياسي، كالقمع الاجتماعي، كالقمع الاقتصادي، هو إحدى حلقات السلسلة الحديدية، أذن فنظرتنا المتخلفة الى الجنس هي وراء تخلفنا الاقتصادي، ووراء انقسام المجتمع العربي جنسيا الى قارتين منفصلتين. وهذا ما يدفعني الى اعتبار الجنس مشكلتنا الأساسية، وأنا يائس من كل ثورية تجعل الجنس على هامش دعوتها، ويائس من كل نظام تقدمي يترك جسد الإنسان العربي في بئر الكبت ومضاجعة مجلات الجنس. وحين يختلس الإنسان الحب اختلاسا، وتتحول المرأة الى شريحة لحم نتعاطاها بالأظافر.. ينتفي الوجه الحضاري للحب، وتنتفي أية صيغة إنسانية للحوار، أنني أطالب (بأنسنة) العلاقة بين الرجل العربي والأنثى العربية، وجعلها أكثر شفافية، أن الجنس مهما قيل عنه، هو حوار ذكي بين جسدين. أشعر كلما سافرت في جسد حبيبتي أني أشف.. وأتطهر، كل شيء يتحول بالشعر الى ديانة، حتى الجنس يصير ديناً، والغريب أنني أنظر دائما الى شعري الجنسي بعيني كاهن. وأفترش شعر حبيبتي كما يفترش المؤمن سجادة الصلاة.
ليت الذين يتهموني باستعباد المرأة وإذلالها واستعمالها كدمية، يعرفون أنني نقلت الواقع العربي في تعامله مع المرأة، ولم أخترعه من عندي .. كان أمامي عالم عربي، يتحكم فيه الإقطاع الاقتصادي، والجنسي، والسياسي، والخرافات، والشعوذة، والسحر، والتنجيم، والطب العربي .. وعندما تحدثت في شعري عن (الإقطاع الجنسي) الذي يمارسه الرجل العربي، كما في قصائدي (حبلى).. (أوعية الصديد).. (صوت من الحريم).. (يوميات امرأة لا مبالية) كان في ذهني أن افضح الظاهرة واعريها، فإذا بها تلبسني.. أن شعري وثيقة اجتماعية للحياة العاطفية بين الجنسين خلال الثلاثين سنة الأخيرة، كنت أحاول أن أسجل علاقات الحب في عصري بطريقتي الخاصة، أن المرأة في أكثر الشعر العربي مادة ميتة، وأعضاؤها الجميلة مصفوفة على موائد الشعراء كأطباق المشهيات، فهي طرف كحيل، أو عجز ثقيل، أو خصر نحيل، وأود أن اعترف إنني في أعمالي الأولى ورثت هذه النظرة التجزيئية الى الجنس الثاني وهذه نظرة لها جذورها القبلية والتاريخية، والاجتماعية، والدينية. المرأة العربية تغيرت.. وغيرتني معها.. هي صارت اشد ذكاء، وحبي لها صار أكثر حضارة، في الأربعينات كانت المرأة عندي غزالا .. أو وردة .. أو فراشة ربيعية.. أما في الخمسينات وما بعدها، فهي ارض نقاتل عليها، ونقاتل من أجلها، وهي جزء أساسي من أحزان المنطقة ومن قلقها.. ومن كبتها وقمعها وكوابيسها، المرأة هي الآن عندي أرض ثورية، ووسيلة من وسائل التحرير، أنني اربط قضيتها بحرب التحرير الاجتماعية التي يخوضها العالم العربي، ولكن على المرأة أيضا أن تكون مسؤولة عن نفسها، أن أكثر المتعلمات عندنا لا يزلن يناقشن شؤون الحب والزواج والمهر بمنطق أمهاتهن.. أو جداتهن، حتى الذهاب الى الجامعة، لم يغير مواصفات الفكر النسائي كما نعرفه. فالجامعية تفكر وتتصرف، على طريقة جدتها، أن هدفها الاستراتيجي الوحيد، هو أن تكون مشتهاة.. ومرغوب فيها.. وقادرة على جذب الذكر، فالتي تتكلم عن الحرية لا تطبقها.. والتي تطبقها لا تتكلم، يجب أن نتوقف فورا عن اعتبار جسد المرأة هو المعيار الأخلاقي لشهامتنا وشرفنا، فكيف تريد أن تسمع صوت المرأة، والرجل العربي يفضلها خرساء، بلهاء.. وأمية، الحرية التي أطلبها للمرأة هي حرية ممارسة خياراتها وإنسانيتها.. وتركها في مواجهة مسؤولياتها، دون أن يقطع رأسها، وقبل تحرير الرجل من عقد التسلط، والأنانية، والنرجسية، وقصقصة أظافره.. وغسيل دماغه من مخلفات ألغزوا والنهب والاستيلاء على السبايا.. فلا سبيل للبحث في تحرير المرأة، فليس هناك امرأة حرة.. إلا بوجود الرجل الحر.. أن غياب الديمقراطية هو أساس الخلل في المجتمع العربي وما ينطبق على السياسة ينسحب على الحب. ومادمنا عليلين سياسيا.. فنحن عليلون عاطفيا.. وعقليا.. وجنسيا.. وكما الفكر العربي هو فكر انفصالي تجزيئي فئوي.. فأن الفكر العربي والجنسي العربي، هو فكر انفصالي.. وأناني.. ونرجسي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هذه مقتطفات أعددتها من الأعمال النثرية للشاعر نزار قباني جمعتها ورتبتها بحيث تختصر مجمل فلسفة نزار كأنها مقال واحد، اهديها لذكرى الشاعر الكبير بمناسبة مرور أربعة عشر عاما على رحيله، نقلتها من كتاب (عن الشعر والثورة والجنس) و (المرأة في شعري وفي حياتي) و (قصتي مع الشعر) و (ما هو الشعر)، نظرا لأهميتها التي توضح صورة الشاعر وفلسفته تجاه المرأة الحب والجنس والحرية والتغيير، وللرد على التهم التي اتهمته بالمتاجرة بعواطف الناس، وبالشهريارية، والدونجوانية، لتوضح فكره الثوري التقدمي الذي لم يتضح بشعره جيدا والذي طغى للأسف على أعماله النثرية المهمة جدا، وقد عبر نزار في إحدى مقابلاته بان نثره أهم من شعره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الغوطة السورية .. قصة بحث عن العدالة لم تنته بعد ! • فرانس 2


.. ترشح 14 شخصية للانتخابات الرئاسية المرتقبة في إيران نهاية ال




.. الكويت.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصب


.. حماس ترحب بمقترح بايدن لإنهاء الحرب.. وحكومة نتنياهو تشترط|




.. الجبهة اللبنانية الإسرائيلية.. مزيد من التصعيد أو اتفاق دبلو