الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية والدين في الولايات المتحدة

رباح حسن الزيدان

2011 / 5 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن وضع الأديان في الولايات المتحدة لفت إليه النظر كثيرا وكان مكان للتساؤل في القارة الأوربية، لاسيما أن الأديان في البلدان الأوربية، بشكل خاص في فرنسا، هي في المجال الخاص تماما ولا "تتدخل" في المجال العام. في الولايات المتحدة، ترافق تحديث المجتمع وصرامة الديمقراطية مع حيوية الكنائس و الممارسات الدينية حتى في المجال العام، ومع خطاب سياسي لا يتردد في استعارة المفردات الدينية والاستناد إليها.
على الصعيد الدستوري، الدستور الأمريكي هو دستور علماني ضمن معنى أنه يفصل بين المؤسسات السياسية والمؤسسات الدينية، أو ما يمكن أن نسميه [علمانية الدولة]. الدستور الأمريكي لعام 1787 هو دستور حيادي فيما يتعلق بالمسألة الدينية، لا يستند إلى الدين إلاّ مرة واحدة وبشكل سلبي، حيث يؤكد في مادته الرابعة أن الوصول إلى الوظائف السياسية لا يَعتَمِد على العقيدة عند الأفراد. بالإضافة لذلك، التعديل الأول لدستور عام 1791 يضمن الفصل بين الكنائس والدولة الفيدرالية، ويؤكد على عدم إعطاء أية امتيازات سياسية للأديان وعلى الحرية الكاملة للمعتقد .
نحن نرى أن الرئيس الأمريكي يقسم على الكتاب المقدس، ورأينا سابقا أن الرئيس الأمريكي [إيزنهاور] وبعد وصوله إلى البيت الأبيض في عام 1952 قام بتعميد نفسه وفق الطقوس الكنسية، ونرى أيضا أن الشعار الأمريكي، والموجود على العملة الأمريكية أيضا هو [بالله نثق]، والأطفال يقسمون بالوفاء [لأمة تحت رعاية الله] ؛ ولكن رغم ذلك علينا أن نذهب أبعد بكثير من هذه الرموز والصور. فالولايات المتحدة [كأمة] وعلى المستوى الفيدرالي، تتم إدارتها "دستوريا من خلال الفصل بين الكنيسة والدولة، ولكن ليس من خلال الفصل بين القيم الأخلاقية والدينية والحياة السياسية" . على مستوى الولايات [أي داخل كل ولاية] يمكن للأشياء أن تتغير، بمعنى أن للأديان بعض الهوامش في الحركة و المناورة على صعيد الولاية، لاسيما فيما يتعلق بالمحاكم القضائية. وبما أن "المحكمة العليا" لم تبت نهائيا بهذا الموضوع، فإن بعض الولايات يمكنها وحتى يومنا هذا فرض تشريعات تحرّم ممارسات اجتماعية [الإجهاض مثلا] أو تشجع حضور الأديان في الفضاء العام، لاسيما المدرسة.
إن الأديان في الولايات المتحدة تبقى رغم كل شيء فعّالة على صعيد تعريف "القيم الأخلاقية"،ومهمة داخل اللعبة السياسية. لقد لاحظ " ألكسي توكفيل " في عصره التناقض القائم في العلمانية الأمريكية، فالأديان كانت في نفس الوقت حاضرة جدا، ولكن الفصل كان كبيرا أيضا بين الأديان والسياسة، أي أكثر من أوربا نفسها، يقول في هذا الصدد:" أتساءل كيف يمكن أن يحصل هذا الشيء، فنحن نقلل من القوة الظاهرة للدين، ونقوم بزيادة قوته الحقيقية ".
يشرح الكاتب هذه الحالة كما يلي :" عندما لا يبحث دين معين عن إقامة إمبراطوريته إلاّ على رغبة الخلود في داخل قلب كل البشر، فإنه يستطيع أن يكون شاملا؛ ولكن عندما يبلغ حد الاندماج في الحكم، فإن عليه تبني حكما لا يمكن تطبيقها إلاّ على بعض الشعوب. كذلك، عندما يتحالف الدين مع السلطة السياسية فإنه يزيد من قوته على البعض، ويفقد الأمل في الحكم على الجميع" . يتابع" ألكسي توكفيل":" في الولايات المتحدة، الدين ربما أقل قوة كما لم يكن في العديد من الأوقات عند بعض الشعوب، ولكن تأثيره أكثر استمرارية. لقد تقلّص إلى قواه الحقيقية والتي لا يستطيع أحد أن ينتزعها؛ إنه لا يتحرك أو يتصرف إلاّ في دائرة واحدة، لكنه يسير فيها بكاملها ويسيطر عليه دون جهد".
إذن، العلمانية لا تعني في هذه الحالة أو بالضرورة تراجع أو ضعف الأديان؛ بالعكس، يمكنها أن تشارك بكل حيويتها وقدرتها في التأثير على المجتمع. أما التناقض الثاني في العلاقات بين الدين والسياسة في الولايات المتحدة يأتي ضمن موضوع ما يسمى [الدين المدني]، هذا "الكل من المعتقدات، الطقوس والرموز التي تربط دور الإنسان بكونه مواطنا و مكانته في المجتمع مع المعاني النهائية للوجود".
يعود مفهوم [الدين المدني] إلى جان جاك روسو ، لكن Robert Bellah كان أول من استخدم هذا المفهوم لتصنيف الشكل الأصلي الذي تلبسه القومية الأمريكية، لأنه وكما كتبت Elise Marientras:" من الدين، القومية الأمريكي لها الأساطير الأصلية، الإيمان، الطقسي والشعائري، و القديسين الكبار. تضم هذه القومية أيضا معنى الزمانية السامية المتفوقة والتي تقود أمريكا نحو العصر الذهبي، وتضم الرؤية لفضاء متجرد "غير مجسد" حيث تتجابه الحضارة مع التوحش ".
هذا الدين المدني الأمريكي، ["شكل من أشكال الدين الشامل الذي يجمع المواطنين أبعد من المراسيم والشعارات الطائفية "، و الذي "يستند على إله "الله" محدد ثقافيا ولكنه مُعَرَّف قليلا من الناحية الطائفية "]، أخذ شكله و تجسده أثناء وصول الولايات المتحدة على استقلالها. إن الدين المدني الأمريكي وقع في حالة توتر بين، من جهة، فكرة [التبشير كمثال يمكن السير وراءه] حيث نشر الطريقة الأمريكية في الحياة Amercican Way of Life والتي تشهد بنجاح المشروع الأمريكي، ومن جهة أخرى، فكرة [التبشير من خلال التدخل]، حيث تخرج الأمة خارج حدودها لتجرب فرض نموذجها على بقية العالم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال