الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابن لادن: صنعوه فاستعملوه فقتلوه

علي جرادات

2011 / 5 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لم يكن أسامة بن لادن الشخص، حياة ومماتاً، ليثير كل هذا الضجيج، ولم يكن ليكتسي كل هذه الأهمية، لو لم يكن رمزاً لظاهرة تحيل إلى حقبة سياسية لم تبدأ بتفجيرات 11 أيلول 2001، وإن كانت بلغت ذروتها بهذه التفجيرات وتداعياتها، دوليا وإقليمياً، بل تعود إلى أواخر سبعينيات القرن المنصرم. حقبة سادها خطابين سياسيين مترابطين:
الأول دولي، وتمثل في سُعار الولايات المتحدة وطموحاتها الإمبراطورية، التي دشنها الرئيس ريغان إبان مرحلة "الحرب "الباردة"، وزادت وتيرتها في عهدي بوش الأب وكلينتون، سيما بعد انهيار القطب السوفييتي، فيما بلغ سُعارها ذروته في عهد بوش الابن.
والثاني إقليمي، وتمثل فيما صنعته الطفرة النفطية الخليجية من "صحوة إسلامية"، أفرزت فيما أفرزت ظاهرة "الأفغان العرب"، كبضاعة صنعتها أمريكا بسند باكستاني، وجرى تنسيقها مع، وتمويلها من، محور الخليج العربي بقيادة سعودية، المحور الذي زاده التآلف السياسي مع نظامي السادات ومبارك، كارتداد على الخط القومي الناصري، نفوذاً على نفوذ في السياسة العربية.
حتى انقلاب "البنلادية" كظاهرة سياسية على صانعها الدولي والإقليمي، ظلت بمثابة أداة إستعمالية للسياسة الأمريكية وتوابعها الإقليميين في مواجهة القطب السوفييتي منذ وصمه ريغان بـ"إمبراطورية الشر"، حتى قبل تورطه في المستنقع الأفغاني. لكن انهيار القطب السوفييتي، ورغم انقلاب سحر "البنلادنية" على ساحرها، لم يلغِ القيمة الإستعمالية لـ"البنلادنية"، بل حوَّل شكل واتجاه استخدامها فقط. حيث جرى اتخاذها ذريعة، خاصة بعد تفجيرات 11 أيلول 2001 لتحقيق ذات الأحلام الإمبراطورية الأمريكية، وعبر التنسيق مع ذات الحلفاء الإقليميين، حيث جرى الاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق، وتدميرهما كدول، لا كنظام وسلطة فقط، تحت يافطة نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان وصون الشرعية الدولية، وفي مواجهة "محور الشر" في المنطقة، كما وصم بوش الابن، (على طريقة ريغان)، كل من لا يدعم الطموحات الإمبراطورية للمحافظين الجدد، الذين اخترعوا بدعة "الفوضى الخلاقة" لكل أشكال الفتن السياسية الطائفية والمذهبية والإثنية والجهوية، بكل ما يعنيه ذلك من تفتيت، استهدف أول ما استهدف الوطن العربي، دولاً وقضايا وجغرافيا وفكرا سياسيا واقتصاداً ومجتمعات. ولا عجب في ذلك، ففي هذه المنطقة كنز اقتصادي استراتيجي من الموارد والنفط، مطلوب إحكام تفرد السيطرة الأمريكية عليه، وحليف سياسي إسرائيلي استراتيجي استثنائي، مطلوب تعزيز تفوقه على ما عداه من دول المنطقة وقواها.
هنا أيضاً لم يتغير خطاب "البنلادنية" من حيث المضمون، بل تغير في الشكل والاتجاه فقط، حيث ظل يتعيَّش على "محاربة الكفر"، الذي حمل في المرحلة الأولى صفة "الكفر السوفييتي وتوابعه"، بينما حمل في المرحلة الثانية صفة "الكفر الصليبي وملحقاته". إنه الخطاب الذي يتعامل مع أمريكا كـ"كافر"، لا كناهب ومستعمِر أو مُحتل، أما توابعه من الأنظمة المحلية، فهي أنظمة "كفر صغيرة" تدور في فلك نظام "كفر دولي كبير"، وليس أنظمة تابعة لناهب دولي كبير.
وهذا خطاب، وإن وُصف بالسياسي إلا أنه لا يحمل من السياسة سوى اسمها، فهو خطاب قرووسطي، تسلح بمقولة "فسطاطي الكفر والإيمان"، ما جعله وجهاً لعملة يشكل الغلاف الأيديولوجي لخطاب "المحافظين الجدد" وجهها الآخر، حين قسموا العالم أيضا إلى محورين: "محور الخير" و"محور الشر"، وإن كانوا لم يستخدموا مقولة "الفسطاطين" العصية على فهمهم دون الرجوع إلى معجم لسان العرب.
هذا على مستوى التحليل النظري لـ"البنلادية"، أما على المستوى السياسي، فإن "البنلادنية، ورغم كونها صناعة أمريكية بامتياز، وشكلت وجهاً آخر لعملة غلافها الأيديولوجي، فإن ما قامت به من تقتيل أعمى، دولياً وإقليمياً، كان بمثابة إجابتين خاطئتين على سؤالين صحيحين، هما:
سؤال غطرسة أمريكا وما تقوم به من احتلال ونهب وتفتيت في الوطن العربي، ناهيك عن تحالفها الاستراتيجي الاستثنائي مع إسرائيل كقوة احتلال ترفض التسويات السياسية إلا إذا جاءت على مقاس شروطها التعجيزية، بما يبقيها "الدولة القلعة" المفروضة على محيطها بقوة الحراب واحتراف الحروب، ويحافظ عليها كشريك حارس في نهب خيرات الوطن العربي، وكبحِ التغيير الوطني والديموقراطي فيه، الذي لن يكون فعليا إلا بفكاكه من التبعية.
وسؤال علاقة التبعية المُذلة القائمة بين الأنظمة الرسمية العربية وبين إتحاد الاحتكارات النهبية الغربية بقيادة أمريكية، مع كل ما تفرزه هذه العلاقة من خراب سياسي وفكري واقتصادي واجتماعي، عانت الشعوب العربية ويلاته لعقود.
هذان السؤالان الواقعيان كانا، وما زالا، سؤالين صحيحين، وعلى نارهما جوهرا، ظل مرجل الغضب الشعبي العربي يغلي حتى انفجر على شكل انتفاضات شعبية عارمة، ما زال لهيبها يتسع ويتواصل، تحت شعار سياسي ناظم يقول: "الشعب يريد إسقاط النظام"، ما أطلق صيرورة تغيير وطني وديمقراطي حقيقية، حققت ما حققت "حتى الآن" من انجازات، فيما لا تزال نتائجها النهائية مجال صراع محتدم بين الحوامل السياسية والاجتماعية لهذه الانتفاضات، وبين الحوامل السياسية والاجتماعية المعادية لها، داخليا وخارجيا بقيادة أمريكية لم تعد خافية حتى على رجل الشارع العادي.
ومن الإنجازات غير المنظورة للحراك الشعبي العربي أنه جاء ليكشف عن:
1: أن "البنلادنية" كمضمون ليست مجرد إجابة خاطئة على أسئلة علاقة التبعية الرسمية العربية لأمريكا فقط، بل، كانت أيضاً الذريعة الأمريكية لتعميق هذه التبعية، وفزاعة الأنظمة الرسمية العربية للتغطية على تبعيتها.
2: أن الشعوب العربية تلفظ طريقة التقتيل "البنلادنية" العمياء الجاهلة أكثر مِن، وقبل، مستخدميها الخارجيين والمحليين.
3: أن "القتل" السياسي لـ"البنلادية" كإجابة خاطئة على الأسئلة العربية، إنما هو الحراك الشعبي العربي، الذي جاء بالإجابات الصحيحة على هذه الأسئلة السياسية الواقعية، فيما عملية الإصطياد الأمريكي لبن لادن لم تفعل أكثر من إزالة الشخص، كعمل أمني لا يعجز عن إنهاء الظاهرة فقط، بل، ربما يؤججها أيضا، ذلك أن إنهاء هذه الظاهرة المتسترة بالدين لا يمكن أن يكون بالمعالجات الأمنية، فقد قيل: " لا يوجد ما يقوي الدين أكثر من اضطهاده".
قصارى القول: إبن لادن الظاهرة: صنعوه فاستعملوه فقتلوه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حرية الثرثره
صديم حسين ( 2011 / 5 / 4 - 10:20 )
وهنا تكمن عظمة امريكا انها تحرك العالم كما تحب وكما تشاء ولكنها تترك لنا حرية الثرثره

اخر الافلام

.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4


.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا




.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة


.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه




.. عظة قداسة البابا تواضروس الثاني في قداس عيد القيامة المجيد ب