الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبدالجبار عبدالله ابن الشيخ الديني الذي صار شيخا للعلماء

رزاق عبود

2011 / 5 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ولد العالم العراقي الكبير عبد الجبار عبدالله في قلعة صالح في محافظة ميسان يوم 4ايار1911. والده، مثل جده كان رئيس (شيخ)المندائيين الروحي في العراق، والعالم. هذا العالم الفيزيائي الفذ يعتز به العالم، ويخلد اسمه بصور شتى. لكن ملايين العراقيين، الغارقين اليوم في جحيم الفكر الديني المتعصب، يجهلون اسمه، وقدره، ومكانته. انه اثر خالد من اثار بلاد النهرين، مثل بابل، و نينوى، واور، و الملوية، وغيرها من نصب حضارة وادي الرافدين. لكنه للاسف، نصب شمله الاهمال، والنسيان، والتجاهل، والنهب مثل بقية اثار، وثروات العراق. الا من قلة قليلة تندب وحدها حظ العراق العاثر بحكام جهلة. يقال عنه انه، مفخرة للعراق والعراقيين، وانه رفع اسم، ومكانة العراق عالميا. فاهينت كرامته، ومسخت مكانته بعد انقلاب البعث الفاشي في 8 شباط 1963 حيث اعتقله طلابه من الحرس القومي في المرافق الصحية لجامعة بغداد. ليعكسوا بذلك مدى انحطاطهم، وسفالتهم، وسقوط اخلاقهم. لكنه ظل يسموا ابدا ويبقون هم في حفر الرذيلة. بعد تخرجه من الجامعة الامريكية في بيروت عام 1934، وعودته الى العراق عين مدرسا للغة الانكليزية في الثانوية الشرقية في بغداد. رفض الوظيفة وعاد الى مدينته العمارة ليعمل مدرس فيزياء، ورياضيات. تتلقفه احدى جامعات نيويورك، استاذا باحثا في خمسينات القرن الماضي. ورغم الاغراءات، يعود ليخدم وطنه فيعين مدرسا في دار المعلمين الابتدائية. الاجحاف بدأ معه، وضده مبكرا، فبعد انهائه الدراسة الابتدائية اضطر، ان ينتظر سنة كاملة حتى تفتح ثانوية(متوسطة) في العمارة ليواصل الدراسة فيها. هل لطالب موهوب مثله ان يلاقي نفس الاهمال في بلد يحترم نفسه، ولا نقول يحترم العلم، والعلماء. راينا كيف اهتم عبدالكريم قاسم، واعلامه بموهبة عادل شعلان، وقدراته الحسابية الخارقة، وهي لاتساوي صفرا مقابل نظريات عبدالجبار عبدالله العلمية. يعين "موظفا" في الانواء الجوية في "مطار" البصرة مابين عامي1938 و1941 رغم كونه عضوا في جمعية الانواء الجوية البريطانية، ويحمل شهادة تخصص من احدى ارقى معاهدها. ورغم الاهتمام العالمي به توليه الحكومة الملكية "رعايتها" اثناء الحرب العالمية الثانية فتجنده ضابط احتياط برتبة (ملازم ثان)! وفي حين تعينه نفس الحكومة مدرسا للفيزياء في الثانوية المركزية في بغداد تعرض عليه الجامعة الامريكية(M.I.T) المرموقة في نيويورك بعثة دراسة الدكتوراه عام1944. المعهد المذكور تعاقد مع العالم عبدالله للعودة مدرسا وباحثا فيه. وعندما عاد لبغداد عام 1946 حاملا شهادة الدكتوراه في الفيزياء يعين مدرسا في دار المعلمين العالية. كلية التربية التابعة لجامعة بغداد حاليا. ثم رئيسا لقسم الفيزياء فيها. حتى تقدره ثورة 14 تموز بتعيينه رئيسا لجامعة بغداد عام 1959 بعد اعفاء رئيسها الاول متي عقراوي. ومن رئيس جامعة، وباحث، ومشرف، ومحاضر في اشهر جامعات العالم، تاتي قطعان الحرس القومي لتمتهن كرامته. ولولا مكانته العلمية العالمية لما وجد لقبره اثر اليوم. وحتى رئاسته الجامعة لم يمر دون مخاض عسير، ومماطلة مملة، وعرقلات مقصودة، ونظرة حاقدة من غلاة رجعية ذلك العهد. فلقد رفض رئيس مجلس الرئاسة، وقتها نجيب الربيعي التوقيع على امر التعيين على اساس، ان عبدالله، لم يكن مسلما، والعراق "بلد اسلامي". وزير داخلية الزعيم وقتها احمد محي الدين رد على المعترضين في مجلس الوزراء: "اننا نريد تعيين رئيس جامعة وليس امام جامع". اما عبدالكريم قاسم، فقد هدد بحل مجلس الرئاسة كله، اذا لم يوقع الامر خلال المدة المقررة فاضطر نجيب الربيعي الى الرضوخ خوفا على منصبه وليس حرصا على مبدأ الافضلية. وفي حين يقلده الرئيس الامريكي هاري ترومان وسام "مفتاح العلم" في الخمسينات، فانه في بلده وفي عام 1964 احيل على التقاعد. وبسبب المضايقات، واتهامه بالانتماء للحزب الشيوعي العراقي المحظور وقتها، اضطر لمغادرة العراق ليجد مكانه المناسب في معهده، الذي يعرف قدره في نيويورك.
بعدها أنتظراربعين عاما، وهو مسجي في قبره، ليكرم باطلاق اسمه على احد شوارع بغداد، واحدى قاعات جامعة بغداد. وانا اقول ان التكريم معاكس فان شوارع بغداد، او العمارة، اوقاعة، او مدرسة، او أي جامعة في العراق تتكرم بان تحمل اسم هذا العالم. في السويد لايوجد عالم، او فنان، او كاتب معروف، الا وهناك ما يحمل اسمه فالشوارع، والساحات، والطوابع، ومتاحف خاصة، والتقود تحمل صور الكتاب، والفنانين، والعلماء، ونحن نشوهها بصور "القايد". وندفع المبدعين الى المنافي!
عبدالجبار عبدالله لم يكن عالم فيزياء، او انواء، او رياضيات، فحسب كان واسع الثقافة والاطلاع، ومتعدد المواهب والاهتمامات، ويمكن اعتباره اخر الموسوعيين على طريقة الفارابي، وابن سينا، وغيرهم. كان عارفا، ومهتما كبيرا بحضارة وادي الرافدين، وخاصة الموروث الثقافي لديانته المندائية. كان واحد من القلائل في العراق، والعالم ممن يجيدون اللغة الطقسية لديانته المندائية. يفهم ويقرأ النصوص والتراتيل. كان يجيد اللغات الارامية، والفرنسية، والالمانية، والانكليزية اضافة الى العربية. ولع بالادب العربي، الشعر الجاهلي خاصة. ويحفظ الكثير بذاكرة عجيبة تذكرنا بقدرة شاعره المفضل الجواهري على الحفظ. اهتم بالادب العربي عموما، وكان مشتركا وكاتبا في الكثير من مجلات زمانه. ومكتبته الخاصة في بغداد، او في البصرة ضمت خزينا من كتب الادب العربي القديم، والمعاصر. كان مهتما بشوؤن الفلسفة والتاريخ، وله باع فيهما تجلى في كتاباته في مجلة "الرابطة" التي كان سكرتير تحريرها في بغداد. اكد لي احد اقاربه انه كان يكتب الشعر، ولا ينشره. وربما كان له ديوان كامل. نامل من الباحثين ان ينشروه. فلقد كانت له مكانة خاصة بين ادباء البصرة تؤكد انه لم يكن عالما طبيعيات فقط. اهتماماته المتعددة، وتفوقه العلمي في الثانوية رشحه ليكون واحدا من بين 26 طالبا من كل مدن العراق، وقراه مبعوثا الى الجامعة الامريكية في بيروت عام 1930. كانت الجامعة، وقتها، اكبر صرح علمي في الشرق الاوسط. وهناك ايضا تجلت مواهبه التنظيمية، ومشاعره الوطنية، واهتماماته السياسية بمصير وطنه فقد ساهم في تاسيس اول جمعية طلابية عراقية خارج الوطن ضمت وجوها، لها دور في تاريخ، وحضارة، وثقافة، وسياسة العراق في العصر الحديث مثل عبدالفتاح ابراهيم، ومحمد حديد، وعلي حيدر سليمان واخرين. كانت الجمعية نواة الرابطة الثقافية، التي اسسها بعد عودته متفوقا في دراسته الى بغداد.

اثناء رئاسته لمجلس جامعة بغداد رفض تدخل السلطة في شوؤن الجامعة والبحوث، والدراسات، والحياة الجامعية، ووضع اسس استقلالية المؤسسات العلمية، والبحثية في البلد. الامر الذي احترمته حكومة قاسم وداست علية بالاقدام السلطات التي جاءت بعده. تمتع عبدالجبارعبدالله بسبب استقلاله العلمي، ومهنيته العالية باحترام عالمي كبير. كان ضيفا محاضرا، او مشاركا، او باحثا في كثير من الجامعات، والمعاهد، والمؤسسات العلمية العالمية المرموقة مثل (الجمعية البريطانية للانواء) و(الجمعية الاكاديمية للعلوم في نيويورك) و(جمعية الفيزياء الامريكية) وغيرها. عبدالجبارعبدالله، كان من اوائل الدعاة الى استخدام الطاقة الذرية للاغراض السلمية منذ عام 1957 . كان نائب رئيس اللجنة التي كلفت بدراسة المشروع بعد ثورة تموز1958. قدم دراسات، وابحاث، واقتراحات بهذا الخصوص، واختار بنفسه موقع الفرن الذري للابحاث في بغداد. والذين تلقوا، ويتلقون العلاج الاشعاعي في ذاك المصح عليهم ان يشكروا الدكتورعبدالجبار عبدالله على ذلك.
نحن لا نتحدث عن عبدالجبارعبدالله كونه عراقيا فنتحزب اليه، او نتعصب له، فهو ليس بحاجة لثنائنا، او مدحنا، ولا حتى كتاباتنا. لكنه ربما شعور بالذنب بسبب التقصير في حق هذا الصرح العملاق، او لعله الفخر لانتمائنا لنفس البلد، الذي اعتاد للاسف، ان يبخس حق مبدعيه. فعبدالجبارعبدالله اول من ادخل الفيزياء الرياضية في دراسة الموجات الجوية، وصار هذا الانجاز بعد ذلك شرطا موجبا لكل دارس، او باحث في علم الانواء الجوية. أي ان كل باحث، او عالم، او دارس في الانواء يعرف اسم العراق بفضل اسم عبدالجبار عبدالله. في المعهد الذي درس، وبحث فيه كان انشتاين احد اساتذته، وهناك اشادة بارشيف المعهد من العبقري انشتاين بالعبقري عبدالله. اضافة الى انه قدم الكثير من البحوث والنظريات. وكانت له ريادات سجلت باسمه حيث طبق قوانين الفيزياء على الانواء تحت اسم "الانواء الحركية" وادخل الاعتماد على قوانين الرياضيات لتمكن الارصاد الجوي من التنبأ بحصول العواصف، وطريقة سيرها، وسرعة حركتها، واتجاهاتها قبل وصولها الى الاماكن المنكوبة مما يتيح المجال للانذار المبكر، ويقلل الكثير من الخسائر البشرية والاقتصادية. كما انه اسس فرع بالانواء الجوية متخصص بدراسة تشكل الاعاصير، والزوابع.

فاين سيقف، لوعاد اليوم ليرى اعاصير الفساد التي تدمر بلده؟ واي مكان يختاره كمنفى؟ وهل سيطالب بالانتماء الى حزب اسلامي كي يعود، ولو موظف صغير في جامعة بغداد؟ ام سينصرف مثل ابيه للمطالبة بمعبد، ومقبرة خاصة لابناء ديانته، بعد ان تهدد وجودهم بالكامل؟ او لعله سيكتفي بمحاولة انقاذ رفات اجداده، وابناء جلدته في ابي غريب من جرافات التعصب الاعمى؟ من يدري؟

لقد تمتع بذكاء حاد، وسعة ادراك، وثقافة واسعة، وموهبة نادرة، ووعي عميق، وعبقرية متميزة. فهل هذه الصفات، والخصائص مطلوبة ومرغوبة اليوم في عراق الفساد، والطائفية، والتعصب القومي؟ هل ستنتبه العمارة مدينة ولادته ان تتشرف بوضع اسمه على شارع، او مدرسة، او جامعة؟ ام عليه ان يعلن اسلامه من مقبرته في ابي غريب حتى يسمح له بالبقاء هناك؟ كان عبدالجبار عبدالله يفتخر، ويتشرف ان يكون ابن العراق. انا اعتقد انه شرفا للعراق ان يكون احد ابنائه اسمه عبدالجبار عبدالله!

سمعت مرة ان احد علماء الفلك اطلق اسم العالم العراقي عبد الجبار عبدالله على احد الكواكب، او النجوم، او الاقمار الصناعية. لااتذكر بالضبط! فاين سيضع بلده العراق اسمه، وصورته؟ هل نكتفي بشارع، وقاعة؟ وهو الذي وصف بانه مفخرة العراق العلمية، وسفير العراق العلمي، ونجما عالميا متميزا، وضع العراق على خارطة العالم العلمية!

ان كتبا لاتفي حق هذا العبقري العظيم فكيف باسطر قليلة. ها نحن نغبنه من جديد، فعذراّ!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جماهير ليفربول تودع مدرب النادي التاريخي يورغن كلوب


.. ليبيا: ما هي ملابسات اختفاء نائب برلماني في ظروف غامضة؟




.. مغاربة قاتلوا مع الجيش الفرنسي واستقروا في فيتنام


.. ليفربول الإنكليزي يعين الهولندي أرنه سلوت مدرباً خلفاً للألم




.. شكوك حول تحطم مروحية الرئيس الإيراني.. هل لإسرائيل علاقة؟