الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آن لك أن تتقيأ.. في دول اللاجئين

شريف صالح

2011 / 5 / 7
المجتمع المدني



رضعنا أبجدية اللغة العربية ورضعنا معها مأساة فلسطين.. مفتاح البيت الذي هجره أصحابه إلى الأبد، مسرى القدس، منافي اللاجئين والموت في سبيل القضية.
اثنان وعشرون دولة تقارب في العدد حروف الأبجدية، بينها حرف واحد جريح اسمه "فلسطين".. أما بقية الحروف فهي آمنة مطمئنة ـ أو هكذا ظننا ـ رؤساؤها كالملوك وملوكها كالرؤساء، فمن يجلس على المقعد الأول يبقى راسخاً إلى أن يأتيه أحد الأجلين: الموت، أو القتل!
فقط لو تعالجنا من هذا الجرح، لو أعدنا المفتاح وأصحابه إلى البيت، سنصبح جميعاً إمبراطورية عظمى ذات أبجدية واحدة.. رغم ارتيابي المعتق في عروبة الصومال وجيبوتي وجزر القمر! لكن ما المانع أن نجعل من ليس منا.. عربياً.. كي يضاعف مآسينا؟!
الأبجدية أحياناً مثل تعويذة شريرة لا تنفث إلا أحط الكلام وأسوأ القيم.. والمأساة الواحدة نذير شؤم لألف مأساة قادمة.. لا يتطلب الأمر سوى لحظة مواجهة مع رعب الجغرافيا كي نرى بأعيننا منافينا الموعودة منتشرة خارج حدود الوطن، وأبجدية اللغة.
الله في عليائه يرانا الآن: عراقيين لاجئين في السويد وهولندا ولندن.. فلسطينيين لاجئين في العراق.. وفي سورية.. سوريين لاجئين في لبنان.. لبنانيين لاجئين في نيجريا والمكسيك والخليج.. تونسيين لاجئين في إيطاليا وفرنسا.. سودانيين لاجئين في مصر.. مصريين لاجئين ـ أو شبه لاجئين ـ في السعودية والكويت وقطر والبحرين.. وبحرينيين حتماً لاجئين الآن في بلد ما!
وهكذا نلعب لعبة "غماية" مع القدر، اثنان وعشرون مأساة لا نعرض منها بلا ملل سوى مأساة واحدة.. اثنان وعشرون بيتاً مسروقاً بلا مفاتيح لكننا نتباهي على الشاشات بمفتاح واحد.. اثنان وعشرون رصيف ومطار وباخرة وقارب هروب وطائرة وقطار وسيارة وجمل، تواصل في ظروف لا إنسانية تلجيئ لاجئين مجهولين.
دول اللاجئين هي في الوقت نفسه دول اللاقانون، فالوضع كله استثنائي، الرضا استثنائي، احترام آدمية البني آدم استثنائي، فهم ما يجري استثنائي، الحصول على المأوى والمأكل استثنائي، حرية الحركة استثنائي، والتعامل على قاعدة المواطنة استثنائي.
في دول اللاجئين تتشابه خريطة الوطن وخريطة المعتقل، فرد الأمن بالبلطجي، الزعيم بالمجنون، أستاذ القانون باللص، المثقف بالقواد والبقر بالبشر.
وإذا عنَّ لآدمي من خارج تلك الأبجدية الملعونة، أن يزورها لن يعرف صاحب البيت ممن استولى عليه، ولا المواطن من اللاجئ، ولا مبادئ السياسة من آليات الدعارة. على الأرجح سيصاب بالغثيان فيظل يبصق ويبصق.. على أبواب مدن ملعونة بالدم والنار ودخان الكراهية واستباحة المعنى.
لعل أحداً لن يصدقني أنني كلما رأيت شيئاً يتحرك أو يتكلم باسم تلك الأبجدية على إحدى الشاشات لا أُصاب فقط بمتلازمة البصق.. بل بحالة قيئ عنيف.. أضع يدي على فمي مقاوماً، خجلاً من مشاعر الخزي والألم والمرارة بينما صوت في داخلي يؤزني أزاً: آن لك أن تتقيأ.. تقيأ.. تقيأ! أنت في دولة لاجئين ولن ينتبه أحد أنك تتقيأ أو حتى تنزف دماً تحت أحذية جندي خرج مدججاً للدفاع عن آخر ما تبقى لدولة اللاجئين من شرف وكبرياء!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمريكيون يطلقون حملة إغاثة للمتضررين جراء الحرائق في ولاية ك


.. مبعوث الأمم المتحدة لسوريا: مؤتمر الحوار السوري سيعقد خلال أ




.. هيئة الأسرى الفلسطينيين: تعذيب بالمياه الساخنة والعادمة وبال


.. جيش الإسرائيلي: اعتقال خلية مسلحة في مدينة نابلس كانت تستعد




.. أمل جديد.. تطورات إيجابية بشأن صفقة الأسرى وانهاء الحرب في غ