الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين العدالة الاجتماعية أيها السادة؟

نوال السعداوى

2011 / 5 / 10
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


الوجوه فى الصورة المنشورة، تحت المانشيت بالبنط العريض: إنشاء المجلس الوطنى، اجتمعت القوى السياسية من جميع الفئات والأطياف وكل قوى ثورة يناير المجيدة فى مؤتمر مصر الأول الذى ضم ٤٣٠٠ شخص، تحت شعار: الشعب يحمى ثورته، وتشمل أهداف المجلس الوطنى إصدار وثيقة الثورة، والتقدم بقائمة موحدة لمرشحى مجلس الشعب فى الانتخابات البرلمانية المقبلة، الوجوه تشبه الوجوه فى النظام السابق، الطبقة ذاتها، والنخبة التى تكتب وتنشر فى كل العهود، مع بعض التعديلات التجميلية، اللغة هى اللغة السابقة، بدلاً من حرب أكتوبر المجيدة يقولون ثورة يناير المجيدة، خيالهم يعجز عن إبداع كلمات جديدة، إنهم الناشطون مثل آبائهم فى بورصة السياسة والمال والسوق الحرة والإعلام الحر والمنظمات الحقوقية الحكومية وغير الحكومية، لا يزيدون على خمسة آلاف، نخبة الحكم والمعارضة الشرعية، كلهم من الرجال العجائز،

قد نرى فى الصورة شاباً أو اثنين، أو امرأة شابة أو اثنتين، الصفوف وراء الصفوف، رجال جالسين منتبهين متحفزين فى كراسيهم القطيفة الخضراء أو الحمراء، ينتهزون الفرصة للانقضاض على السلطة والثروة، وإلا فما هذا التكالب بالمناكب على الوصول إلى العرش، هذا التنافس الرهيب بين مرشحى الرياسة على الكرسى، وكلهم يقسمون بأنهم سوف يضحون بآخر قطرة من دمهم من أجل الفقراء والمساكين وسكان القبور، يتشدقون بالعدالة الاجتماعية، يسبون اللصوص السابقين، نهبوا أموال الشعب، وكلهم (إلا القليل النادر) كانوا هناك حاضرين فى حفلات الرئيس والهانم والوزير، حاصلين على جوائز مبارك وفاروق حسنى وجابر عصفور، وغيرهم.

أتأمل وجوههم، أسمع كلامهم، أتعجب، أبتهج لأننى لست منهم، أزداد ثقة فى نفسى أننى أسير فى الطريق الصحيح، وكيف تجتمع كل فئات الشعب وأطيافه دون وجود الشعب ذاته، دون حضور الأغلبية الساحقة المسحوقة نساءً ورجالاً وشباباً وأطفالاً؟ المنبوذون والمنبوذات الذين إن خرجوا يطالبون بالخبز أو الشرف والكرامة لأطفالهم، يضربونهم بالرصاص، أو يوصمونهم بالعار، مطالبهم فئوية وليست نبيلة، يخونون الثورة المجيدة، ثورة الطبقة الوسطى الأصيلة، ليست ثورة الجياع الرعاع، ساكنى القبور والعشوائيات وأطفال الشوارع غير الشرعيين أولاد الحرام، تبرز العضلات السياسية والمالية والدينية والثقافية والصحفية والأدبية التى نمت وترعرعت فى ظل النظام السابق، يعرفون كيف يغازلون كل القوى فى الساحة، السلفيون والإخوان والأقباط والعلمانيون والشيوعيون ورجال الأعمال والبورصة «يسار ويمين ووسط» وكل شىء، يرددون كلمة العدالة الاجتماعية لإفراغها من معناها.

جمعتنى جلسة مع بعض الأطفال غير الشرعيين وأمهاتهم، هم أطفال الله، أحباب الله كما كانت تسميهم جدتى الفلاحة فى قريتى كفر طحلة، كانت تقول الطفل برىء، أبوه هو المجرم، اغتصب أمه المسكينة وهرب، الأب اللى يتخلى عن مسؤوليته مالوش شرف، أب غير شرعى، أنا تعلمت الأخلاق الصحيحة والعدالة الاجتماعية من جدتى الفلاحة، ليس من شيخ الأزهر أو وزير التعليم أو أساتذة الجامعة والمدرسين، كانوا يصلون وراء الملك فاروق ويؤيدون الاستعمار البريطانى، وطبقة كبار الملاك والمضاربين فى البورصة، كلمة البورصة ترتبط فى عقلى منذ الطفولة بكلمة البرص، السحلية، الثعبان الصغير، ومرض البرص لا علاج له، لم يعجبنى فى عهد عبدالناصر إلا اختفاء كلمة البورصة، أصبحنا نسمع عن الإنتاج الزراعى والصناعى، أن نأكل مما نزرع ونلبس تيل وقطن المحلة الكبرى من صناعتنا، نفخر بالكتابة باللغة العربية كانت لغة الخدم، تغير النظام فى عصر السادات ثم مبارك، أصبحنا ننتج ما لا نأكل ونأكل ما لا ننتج ونلبس ما لا نصنع،

انتشرت مكاتب الاستيراد والتصدير، أصبحنا نستورد خبزنا وملابسنا وتعليمنا، طغت كلمة البورصة على الاقتصاد والسياسة والثقافة والأخلاق، تمت خصخصة القطاع العام، إغلاق المصانع لصالح الشركات الأجنبية ووكلائها من رجال الأعمال المصريين أصحاب شركات القطاع الخاص، كسبوا البلايين وملكوا القنوات الفضائية، طغى الإعلام على الثقافة والفكر والأدب، أصبح المذيع أو المذيعة أهم من المفكر المبدع، تمت مطاردة المفكرين من الرجال والنساء فى محاكم الحسبة والتكفير، حكم عليهم بالسجن أو المنفى والتشريد وتشويه السمعة، زاد الأثرياء والحكام ثراءً وعاش نصف الشعب المصرى تحت خط الفقر.

تصاعدت القوى السياسية الدينية الإخوانية والسلفية والنقاب للنساء تحت اسم الحريات السياسية والشخصية، لماذا لا تطبق هذه الحريات على جميع فئات الشعب؟ لماذا الفصل بين الحقوق السياسية والحقوق الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية للرجال والنساء والأطفال؟ قالت واحدة من الأمهات المسحوقات تحمل على كتفها طفلاً مسحوقاً: نحن الأمهات المطلقات الحاضنات ليس لنا حزب أو اتحاد نسائى يدافع عن حقوقنا وحقوق أطفالنا، الرجل يطلق زوجته غيابيا دون علمها ثم يتهرب من مسؤولية الانفاق على ابنه.

اشتغلت بالبيوت لأنفق على طفلى وأعالجه، ثم يأتى أبوه يريد خطفه منى ليحرق قلبى، يتفق مع آباء آخرين مثله لعمل مظاهرة للاستيلاء على حقوق الأم، تحت اسم حق الأب فى رؤية ابنه، لو كان حريصا على مصلحة ابنه لأرسل له مصاريف الطعام والعلاج، لكنه يستخدم ابنه الطفل المسكين ليبتز أمه المسكينة، ليفرض عليها التنازل عن النفقة، تنازلت الأم عن نفقتها ونفقة ابنها حماية للطفل من سطوة أبيه، لكنه يهددها تحت اسم حقه فى رؤية الطفل ليأخذ شقتها وفلوسها التى تكسبها بعرق جبينها، جاء تعديل قانون الطفل الأخير لصالح الأطفال المساكين، وليس من أجل سوزان أو جيهان أو غيرهما، لكن هؤلاء الآباء الفاسدين يسيطرون على الأمهات والأطفال بحكم السلطة الأبوية الطبقية، النظام الأبوى الطبقى السائد يقف مع الأقوى ضد الأضعف.


يلعب العرف والشرع والقانون الوضعى دورا فى التحيز للرجل وإن كان مغتصبا غاصبا، يستغل حب الأم لطفلها لابتزازها وسلبها حقوقها، تظاهر بعض الآباء أمام مشيخة الأزهر للمطالبة بإلغاء قانون الخلع وقانون الطفل الجديد تحت اسم الثورة المجيدة على قوانين الهانم سوزان أو جيهان، لكن تعديل هذه القوانين القديمة المجحفة لحقوق الأطفال وأمهاتهم جاء بسبب نضال النساء والرجال من ذوى الضمائر الحية، النضال الطويل على مدى القرون، دأب المنافقون والمنافقات على سلب الجهود من المناضلين وإعطائها للحكام من النساء والرجال.


وتقول الأم التى داخت فى المحاكم لتأخذ حق أطفالها الثلاثة من أبيهم غير المسؤول: الرجل الذى يطلق زوجته أم أولاده من أجل شهوته الجنسية ويعرضها لذل المحاكم (سعيا وراء نفقة أطفالها)، هذا الرجل لا يستحق الأبوة، ولا يستحق أن يكون له أطفال، أين منظمات المرأة وحقوق الإنسان؟ لا نسمع لها صوتاً إلا الدفاع عن حرية المرأة لارتداء النقاب؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كم نحن بحاجه لنقاد من امثال المفكره نوال
عبدالرحمن مرزوق ( 2011 / 5 / 11 - 12:27 )
تحيه طيبه لك سيده نوال
من القراء لكتبك ومقالاتك
واتمنى ان تكتبي جزء جديد من مذكراتك
لااني اعرف ان عندك كلام مهم لم تكتبيه في الاجزاء السابقه


2 - رمز الثورة الانسانية
فؤاد محمد ( 2011 / 5 / 12 - 08:15 )
السيدة العزيزة نوال السعداوي
تحية واحترام واعجاب
كل ما تكتبينه رائع وجميل وثوري
حبي ومودتي اعانقكم


3 - العدالة الاجتماعية الضائعة
الطيب /// عبد الله محمد صقر ( 2011 / 5 / 12 - 20:07 )
الاستاذة الفاضلة نوال نحن نحترمك ونقدرك لانك من الرعيل الذى يكتب بقصد التنوير , وهذا يحسب لك ولفكرك , وكل مقالاتك فيها قيمة اجتماعية عليا نحن نعتز بها .
أريد أن أذكرك بأننا لم نعش فى ظل العدالة الاجتماعية منذ مئات السنين , لان العدالة الاجتماعية لم نشعر بها مع أنظمة ديكتاتورية كانت تحكما بالنار والحديد , عشنا سيدتى القهر يعينه فأصبحنا كالعميان , كانوا يقولون لنا كن فيكون , أجيال كاملة باتت خانعة خاضعة لحكام ظلمة , فأصبحنا جبناء نخاف أن نطلب أقل الحقوق وأدناها , كما أنهم زرعوا فينا الخوف والرعب وأنت تعلمين وتدركين معنى ما أقصده من زوار الفجر وغيرهم , كيف بالله عليك نطلب حقوقنا ونقق العدالة الاجتماعية وهى بعيدة المنال فى زمن كان المواطن درجة عاشرة , والعدالة الاجتماعية تتطلب تكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع الواحد ,فهل مع الرشوة والمحسوبية والواسطة يكون فى المجتمع عدالة اجتماعية ؟ أشك فى ذلك لان هناك كان يوجد عناصر الفساد الذى دمر القيم الانسانية للمجتمع المصرى , وانا لا ألوم الفاسدون بمفردهم , لاننا أيضا أشتركنا فى هذا الفسا وكنا ضمن المنظومة الفاسدة , سوف تستعجبى من كلامى سيدتى , الساكت

اخر الافلام

.. تفاصيل تغيير كسوة الكعبة .. لأول مرة المرأة السعودية تشارك ف


.. لحظة انتشال امرأة أوكرانية على قيد الحياة من تحت أنقاض مستشف




.. قلوب عامرة - د. نادية عمارة توضح حكم -ذهاب المرأة المتزوجة ل


.. رئيس الوزراء: سنعمل على تعزيز دور الشباب والمرأة في كافة الم




.. لبنان.. دراسة لمؤسسة سمير قصير تؤكد تعرض 37% من الصحفيات للت