الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مأساة الثقة العمياء

واثق غازي عبدالنبي

2011 / 5 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لعل حوادث طائرات البوينغ كثيرة، ولكننا نود أن نقص لكم واحدة منها، لأننا نعتقد أن فيها عبرة لنا. فقبل إجراء التحقيق في أسباب سقوط إحدى طائرات البوينغ كان يُعتقد أن عطل محركي الطائرة معاً هو السبب، ولكن الاطلاع على التسجيلات الصوتية لحوار الطيار مع مساعده أثبت خلاف ذلك. فما حصل هو أن أحد وليس كلا المحركين قد تعطل. فقد شاهد الركاب عبر نوافذ الطائرة حزاماً من اللهب ينبعث من المحرك الأيسر لها. ولكن ما حدث هو أن الطيار ومساعده اعتقدا خطئاً أن المحرك الأيمن هو الذي تعرض للعطل وسبب ارتجاج الطائرة بشكل عنيف، لذلك قاما بإيقافه عن العمل، أي أنهما أوقفا المحرك السليم وابقيا على المحرك العاطل. وبسبب ظروف تقنية خاصة بكمية الوقود الواصل إلى المحركات، توقف الارتجاف حال إيقاف المحرك السليم، وهذا ما عزز فكرة كونه هو المسئول عن ارتجاف الطائرة. ولكن بعد دقائق قليلة توقف المحرك الأيسر عن العمل بصورة نهائية، وسقطت الطائرة متسببة بمقتل (47) راكباً من مجموع (126) راكباً.

عندما سُئل الناجين عن سبب عدم تنبيه الطيار ومساعده للخطأ الذي وقعا فيه، خصوصاً وأنهما اخبرا الركاب عبر الميكرفون بإيقاف المحرك الأيمن، وكان الركاب عبر النوافذ يرون النار تنبعث من المحرك الأيسر، قال الركاب: (إننا كنا نعتقد أن الطيار ومساعده يعرفان ما يفعلان وأنهما اقدر على حل المشكلة منا، لم نكن نعتقد أنهما يمكن أن يخطئا مثل هذا الخطأ الكارثي). هذه الثقة العمياء التي منحها الركاب للطيار ومساعده كانت السبب في كارثة السقوط ووفاة عدد من الركاب. إنها مأساة الثقة العمياء، فلو توجه واحد فقط من الركاب لتنبيه الطيار ومساعده لخطئهما لربما كان الأمر قد اختلف تماماً.

إذن، ما هي العبرة التي نتعلمها من هذا الحادث؟ أنها ببساطة لا تثق ثقة عمياء بمن تعتقد أنهم أكثر معرفة منك، فلربما يخطئون أو يسيئون حل المشكلة. وهذه العبرة ضرورية جداً لنا، خصوصاً نحن العرب، الذين تعودنا أن نثق بشخصيات قد لا تكون مستحقة لهذه الثقة. إننا كثيراً ما نعتمد على الآخرين في حل مشاكلنا، وهذا ما يزيد من تعقيد مشاكلنا، ويعظم كوارثنا. إننا عادة نؤمن بمن لا يستحقون الإيمان، ونقدس من لا يستحقون التقديس، ونثق بمن لا يستحقون الثقة. إن عبارات من مثل (ضعها برأس العالم وأخرج منها سالم) والتي يرددها العراقيون كثيراً، قد تكون هي السبب في الكثير من مشاكلهم وهمومهم، كما أن العبارات المماثلة التي يرددها أبناء الشعوب العربية الأخرى قد تكون هي أيضاً المسئولة عن العديد من مشاكلهم وهمومهم.

لعل من ابرز الذين نثق بهم بصورة مبالغة، على الرغم من عدم استحقاق الكثير منهم لهذه الثقة، هم رجال الدين ورجال السياسة. فرجال الدين يدّعون احتكار الحقيقة ورجال السياسة يدّعون احتكار الحكمة. والمشكلة أن من بيننا من يصدق هذه الادعاءات. إن اعتقادنا بأحقية رجال الدين، وحكمة رجال السياسة هو المسئول عن الكثير من أزماتنا وكوارثنا، لذلك إذا أردنا أن يصبح حالنا أفضل علينا أن ننزع الثقة العمياء عن رجال الدين والسياسة، وعلينا أن نشك في صحة ما يقولون، ونتدخل في وضع الحلول، حتى لا يستمر تساقط طائرات الحياة بنا، واستمرار الخسائر في الأرواح والأموال.

بعد انتهاء التحقيق في سقوط الطائرة واثبات الخطأ الذي وقع فيه الطيار ومساعده، أصدرت جميع شركات الطيران توجيهاً إلى طياريها يلزمهم بالسماح للركاب أن يبدوا آراءهم ومقترحاتهم في حالة حدوث مشكلة أثناء رحلة الطيران. فهل نتوقع مثل هذا التوجيه الذي يلزم رجال الدين والسياسة بأن يأخذوا رأي الشعوب في الفتاوى أو القرارات السياسية التي يصدرونها أثناء فترات الأزمات التي كثيراً ما تنتاب مجتمعاتنا؟ هذا ما لا نتوقع حدوثه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا اتفق معك 100%
حكيم العارف ( 2011 / 5 / 13 - 04:41 )
لا اتفق معك 100%



الموضوع محتاج تشغيل دماغ


2 - السلفيين لم يؤلفوا الكتب الدمويه
حكيم العارف ( 2011 / 5 / 13 - 05:03 )
الغاء الثقه بالكامل فى كل شئ سيجعلنا شكاكين بكل شئ حولنا وربما نصاب باحباطات وامراض نفسيه خطيره ... الموضوع عايز حكمه فى التفكير ... التفرقه بين الصح من الخطاء فى ضوء الحريه الشخصيه للانسان ومن حوله ... ومن هذا المنطلق ستجد ان الافعال العاديه لشخص المسلم (تقى) يصلى فى الشارع فى حقيقته هو فعل منافى للاداب والذوق العام فى البلاد الغربيه -قبل دخول المسلمين فيها-..

فتصرف الطيار هو خطاء فنى او خطاء تخيلى وليس خطاء عقائدى او اكاديمى بالكتب ويجب اتباعه...

ما اريد قوله ان الشيوخ السلفيين هم المسلمين الحقيقيين ... مهما حاولت محاربتهم... فهم لم يؤلفوا الكتب الدمويه التى تغذيهم ليشيعوا فى الارض ارهابا ...

اخر الافلام

.. الطوائف المسيحية الشرقية تحتفل بأحد القيامة


.. احتفال نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل من الإخوة المسيحيين بقدا




.. صلوات ودعوات .. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسي


.. زفة الأيقونة بالزغاريد.. أقباط مصر يحتفلون بقداس عيد القيامة




.. عظة الأحد - القس باسيليوس جرجس: شفاعة المسيح شفاعة كفارية