الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كُلنا نتبرك بروث البقر

واثق غازي عبدالنبي

2011 / 5 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قال صاحبي: كم هو غبي هذا البروفسور الهندوسي الذي يتبرك بروث البقر، ألم تعلمه الجامعة شيء؟ ألم تُعينه مناهج البحث العلمي، التي يستخدمها في بحوثه ودراساته العلمية، من اكتشاف الخطأ الكبير الذي يوقع نفسه فيه عندما يعتقد أن البقرة مقدسة، وأن كل ما يخرج منها مقدساً حتى روثها؟.

قلتُ له: إن له معتقداته التي ورثها عن أبويه وعن مجتمعه والتي تدعوه إلى فعل ما تراه غباءً. إنه لم يفعل سوى ما أملاه عليه محيطه الاجتماعي الذي نشأ فيه، فالعقيدة لا تخضع إلى العقل في كثير من الأحيان. أنها ليست سوى ما نتعلمه من الآخرين. بدا لي أنه لم يقتنع بكلامي، لذلك أضاف متسائلاً: ولكنه يقدس روث البقر! فقلت له بوضوح: جميعنا نقدس روث البقر.

لم تزده إجابتي إلا غموضاً، فقال: ماذا تقصد؟ عندها أصبحت مضطراً لإعطائه مثالاً توضيحياً من عقيدتنا، كنت على يقين أنه سوف يثير حفيظته، ولكن لابد مما ليس منه بد، علماً أن الأمثلة تضرب ولا تقاس، وأنه مثال واحد من مئات أو آلاف الأمثلة التي تزخر بها جميع العقائد الدينية وغير الدينية دون استثناء، لذلك قلت له: اسمع مني هذا المثال ولكن حاول أن تبقى هادئاً. أنا وأنت نضع رؤوسنا ساجدين على قطعة طين مجففة، ندعوها التربة، ونرى فيها من البركة التي لا يراها الآخرون فيها، ونفعل ذلك كل يوم أربعة وثلاثون مرة، في سبعة عشر ركعة، في خمس صلوات. إلا تعتقد أن من يرانا نفعل ذلك سوف يصفنا بأننا أغبياء، ولربما كان من بينهم ذلك البروفيسور الهندوسي الذي وصفته أنت بالغباء؟ أنا وأنت اتبعنا آباءنا واطعنا مجتمعنا الذي يرى أن قطعة الطين المجفف هذه مباركة، لذلك أخذنا نسجد عليها ونمسح بها وجوهنا بعد كل صلاة، بل أحياناً نعطي جزءً منها للمريض ليأكلها معتقدين أنها تساعده على الشفاء. أنا وأنت درسنا في الجامعة وحصلنا على الشهادات العليا، وتعلمنا أساليب البحث العلمي، كتبنا العديد من البحوث العلمية، وتعمقنا في دراسة العلوم، ولكننا ما زلنا نسجد على قطعة من الطين، إلا ترى أن هذا غباء؟.

أحمر وجه صاحبي غيضاً، ولم تنفع معه الابتسامة المرتعشة التي رسمتها على وجهي، فقد اشتعلت عينا صاحبي حتى ضننت انه سيلكمني على وجهي فيكسر لي أسناني أو يفقع عيني. وحتى أجنب وجهي التشويه الذي قد يتعرض له، أردفت قائلاً: لم يكن قصدي الإساءة، ولكني فقط أردت أن أنقل لك تصورات الآخرين عنا، وهي تصورات ليست بالضرورة صائبة. عندئذ خف غضب صاحبي واطمأننت على وجهي.

قال صاحبي: أنت تعلم أننا لا نتبرك بالتربة عن جهل، نحن قرأنا ما كتبه علمائنا عن فضل التربة ومكانتها وكرامتها، فاقتنعنا بكل ذلك فسجدنا عليها، ولكن ليس كل الناس يفهمون ما نفهم، لذلك يتجنون علينا ويصفوننا بالغباء. ولم أجد في صاحبي رغبةً في تفهم ما أقصد، لذلك اكتفيت بهز رأسي أسفاً وهو يعتقد أني أهزه إيجاباً وقبولاً.

بقي ذلك الصوت في داخلي يقول: أننا جميعاً، مهما اختلفت أدياننا وأعرافنا وتقاليدنا، نتبرك بروث البقر على طريقة البروفيسور الهندوسي، ولكن بصور وأساليب مختلفة، ولو راجع كل واحد منا عقيدته بموضوعية، وهو أمر لا يتيسر للجميع، لوجد فيها الكثير من الروث الذي يتبرك أو يتمسح به أو حتى يقدسه. فكل واحد منا، مهما علت مكانته العلمية أو المعرفية، مازال بطريقة ما، يتبرك بروث البقر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المسيحيون الأرثوذوكس يحيون عيد الفصح وسط احتفالات طغت عليها


.. فتوى تثير الجدل حول استخدام بصمة المتوفى لفتح هاتفه النقال




.. المسيحيون الأرثوذكس يحتفلون بعيد الفصح في غزة


.. العراق.. احتفال العائلات المسيحية بعيد القيامة وحنين لعودة ا




.. البابا تواضروس الثاني يستقبل المهنئين بعيد القيامة في الكاتد