الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع حول الدولة المدنية فى مصروتونس

عماد مسعد محمد السبع

2011 / 5 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بعد تعثر مشهد الإنتفاضات الجماهيرية فى ليبيا واليمن والبحرين وسوريا بات ربيع الثورة العربية مرهونآ - إلى حد بعيد - بأنجازونجاح واقعة التطورالديموقراطى والحقوقى فى كل من مصروتونس .

وممالا شك فيه أن المرحلة الإنتقالية الحالية فى حياة السياسة والمجتمع المصرى والتونسى ترتبط بالخصائص العامة لمرحلة مابعد التغييرالثورى حيث ينشأصراع على كافة المستويات الواقعية والقانونية والإدارية مابين مفاهيم النقاء الثورى وطموح التحول الجذرى والسريع نحوالمجتمع الحديد , وبين قوى الردة على الثورة وشبكات مصالح وفساد نظامها القديم . وعبرتلك المنطقة الرمادية تشيع مظاهرمن الفوضى والخوف والإضطراب حتى يتم التمكين لعملية بناء قيم ومؤسسات ورموزمغايرة للدولة والمجتمع .

ولكن فى أطارالتجربتين المصرية والتونسية يتقدم بعد أضافى يفرض مزيدآ من التحديات داخل هذه المنطقة ويتصل بالصراع حول ( الهوية الوطنية والقومية للدولة ) , وقواعد أرتباط وأنفصال الدين عن الدولة والمجتمع .

وتتعلق هذه الخصوصية بمعطيات الواقع التاريخى والسياسى العربى , حيث فشلت دولة مابعد الإستقلال العربى فى حسم الموقف بشأن علائق هويتها الوطنية , ولم تقدم نموذج ذاتى بشأن مشروع ( الدولة والأمة المدنية الحديثة ).

مسألة البحث عن هوية وشكل ومقومات الدولة الأساسية - فى حقبة مابعد التحول الثورى بمصروتونس - لا يمكن ترحيل نقاشها ذلك أن الأنظمة الشمولية العربية عمدت لتوظيف الدين فى صراعاتها السياسية والدهرية ,ولم تسمح بتمايز العلاقة بين دائرة ماهووضعى ومجتمعى وبين ماهو ميتاوضعى – أيا كانت مصادره .

فهذه الأنظمة لم تتمتع بالحياد أزاء المنظومات الدينية , وظل المعطى الدينى حاضرآ دومآ فى المجال العام ومؤثرآ على أنتاجه القانونى والسياسى والقيمى , كما صادرت نشؤمجتمع مدنى يقف فى المسافة بين الدولة والفرد ,وحالت دون أعتبار ( التشريع والحريات والإلتزامات والواجبات المتصلة بالفرد ) نتاجآ بشريآ وتعبيرآعن التوازنات بين القوى الإجتماعية المتصارعة .

ومن هنا,وعلى أثر نجاح الثورتين المصرية والتونسية تقدمت القوى الدينية وأستدعت أيديولوجبتها وأعلنت صراحة عن سعيها لجعلها ( هوية للدولة ) فى مرحلة مابعد الثورة,وعلى سند من أحقية كل فصيل فى أختيارمرجعيته . ومن ثمة تصاعدت المخاوف من سطوة وهيمنة القوى الدينية ,لاسيما وأن المشروع الإستراتيجى لكافة تيارات الإسلام السياسى والسلفى بلا استثناء - وفى التحليل النهائى - هو أقامة ( الدولة الدينية ) .

مخاوف الجماعة الوطنية لها من يبررها , فمن جانب تبدو الحاجة ماسة لحسم مسألة هوية الدولة وتوظيف الدين فى مناورات السياسية كأساس لبناء مجتمع جديد , ومن جانب آخر فأن الجماهير لم تنتفض لهدف تطبيق الشريعة الإسلامية وأقامة الحدود الدينية , وأنما لأجل تحقيق مطالب دنيوية هى العدالة والحرية والديموقراطية.

وفى مصرعززت ممارسات هذه القوى تلك المخاوف , حيث سارع الأخوان والسلفيون الجهاديون للإعلان عن تشكيل أحزابهم السياسية ذات المرجعية الدينية , كما كونوا جبهة للتصويت بالموافقة على التعديلات الدستورية وباعتبارها " أنتصارآ للإسلام " وحماية للمادة الثانية من الدستوروأطلقوا عليها أسم " غزوة الصناديق الكبرى " .

كماأصاب الفزع شرائح عديدة بالمجتمع التونسى أزاء عودة " جماعة النهضة والتيار السلفى " لممارسة العمل السياسى , وازدادت المخاوف بشأن تبديد بعض المكاسب المدنية والعلمانية التى راكمتها الدولة التونسية خاصة فى مجال المرأة والحقوق الفردية .

واقع الأمر أن الخلاف بين أنصار الدولة المدنية والداعين لمشروع الدولة الدينية هو " خلاف بنيوى " بشأن طبيعة العلاقة بين الدين والدولة , وبالأحرى حول أشكالية " شمولية الإسلام " من عدمه , ويبرهن على نفسه عبر ثلاثة تيارات رئيسية :

الأول : تيار يذهب إلى ترديد فكرة الحاكمية بمفومها السلفى ,ويؤكد أن حاكمية الإنسان غير شرعية على الأرض وأن مصدر السلطات هو الوحى اللآلهى , فالدولة أصل من أصول الشريعة تدين بالولاء لحكم الدين ونصوصه ورجاله.

الثانى : تيار يذهب ( لمدنية الدولة ومرجعية الإسلام الحضارية ) ويرى أن مضمون " الشمولية " يستوجب البحث عن أيجابيات الإسلام وتكامله . أيجابيته بمعنى الإعتداد بمتغيرات الوجود الإنسانى .وتكامله بمعنى القدرة على أنشاء صورة للحياة لا تنغرس فى الأرض بنوعيتها المادية المتطرفة ولا تنزع للسماء تهويمآ فى المثالية ومفارقة للواقع ( ينسج " حزب الوسط الإسلامى " الجديد فى مصر برنامجآ سياسيآ على هذا المنوال ) .

الثالث : تياريذهب إلى مدنية الدولة وفق قاعدة أنه ( لا سياسة فى الدين ولا دين بالسياسة ) ,وأن شكل ( السلطة / الأمة ) وكيفية عملها لم يكن واضحآ فى النص الدينى المركزى ( القرآن ) ولا الحديث النبوى , كما أن الإجماع لم يتوافر حول " شكل الحكومة و النظام الإسلامى "فى التجربة التاريخية المؤسسة /الراشدة . ومن ثمة فهو يؤكد على تاريخية الإسلام ويتحفظ على فكرة صلاحية الشريعة للتطبيق فى كل زمان ومكان .( وأن كان هذا الفصيل الذى يضمن أطيافآ ليبرالية ويسارية وقومية لا يدافع صراحة عن " المبدأ العلمانى للدولة " - بعد أن طال مفهوم العلمانية تشويه عمدى مستمر) .

ثمة حاجة للتأكيد على أن صمود هذا الرافد الثالث وتياره المدنى العلمانى , والحيلولة دون أختطاف الدولة فى مصر وتونس من جانب القوى الدينية يظل رهنآ برؤية سياسية تنتمى لمعطيات الواقع المصرى والتونسى فى الأساس .

فالعطب الأكبر فىخطاب التبشر( بالدولة المدنية ) يكمن فى أنه لم يتأسس على واقع وصراع مكثف – كما حدث فى الحالة الأوروبية - وأنه مازال ينتج خارج الفعل الإجتماعى -السياسى والدينى المعاش .

ومن هنا يبدوهذا الخطاب مستعارآ و نخبويآ ,ويركز على مطالب المعارضات السياسية وبعض نشطاء الجماعة الثقافية والأكاديمية التى تختلف أولوياتهم عن أهتمامات المواطن العادى الضعيف والمنهك والمسحوق فى دائرة حياته اليومية .

خطاب الدولة المدنية يجب أن يكون خطابآ للشعب ومرتبطآ بمشاكله ونابعآ من حاجات الجمهور, على أن تكون ركيزته الأساسية هى الحقوق الإقتصادية والإجتماعية بداية من علاج الفقر والعوز ومرورآ بقضايا الأجوروالدخول والتعينات والبطالة وأنتهاءآ بمشاكل الصحة والتعليم والسكن .. وغيرها

ومن هنا فالمدخل المناسب لجذب التأييد والدعم ( لدولة الحقوق المدنية الديموقراطية ) أنها ستكون رافعة لتحقيق المطالب السابقة , وأن أطروحة الدولة الدينية التى ينادى بهاالأصوليون ستكون الوجه الآخر للدولةالطبقية والتفاوت الإجتماعى وأهدارآ قواعد المساواة والمواطنة بأسم الإسلام وكلمة الدين .

فالفريق الدينى ينتصرعندما يصبح خطاب الدفاع عن الدولة المدنية مرادفآ لأفكارالحريات الليبرالية العامة ولنسق التعددية ,أذ يسهل علي السلفيين النيل منه بأدعاء الخصوصية وأن الإسلام يمتلك نظام الشورى بديلآعن الديموقراطية , والتوافق عوضآعن التنافس السياسى والإجتماعى .

وعلى هذا الخطاب المدنى أن يدرك حقيقة أن الوعى الثورى القائم هو وعى ناضج , لم يتشكل بطريقة نظرية كما أنه لن يكذب أو ينافق مثل وعى النخب ,فالجمهورلن تستغرقه الآن أحاديث الغيبيات وعدالة السماء , فهويعرفه مصالحه ومن القادرعلى تمثيلها وترجمتها والدفاع عنها .

كما القادة والرموز الشعبية الوطنية التى تتمتع بمصداقية وحضور جماهيرى يجب أن تكون الحاضن الإجتماعى للخطاب المنشود حول الدولة المدنية فى الإستحقاقات الإنتخابية والرئاسية القادمة بمصر وتونس .

أجهاض مشروع الدولة الدينية ( أوالمدنية بمرجعية حضارية أسلامية كما يذهب البعض ) ليس أمرآ مستحيلآ فى مصروتونس عندما يكون الطريق نحو الدولة المدنية هو طريق الحقوق الإقتصادية والإجتماعية كضامن لمنظومة الحقوق السياسية الليبرالية , وعبرالإرتباط والإيمان بوعى الجمهورالثورى وخريطة طريقه نحو مصالحه و مجتمعه الجديد .
عماد مسعد محمد السبع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز


.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية




.. الخلود بين الدين والعلم


.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل




.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي