الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القلق المستَبِدّ وضراوة الإشاعة

خليل فاضل

2011 / 5 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لم اقلق أثناء الثورة ولا في أثناء (موقعة الجمل)، لكن قلقت بعض الشيء عند أحداث(أطفيح) واستبد بى القلق تماما في أحداث إمبابة.
القلق المستبد كالشهوة المستبدة، ينزف، يستنزف، يحرق، وما بين محاولة تطبيق الحكم بالسجن على(العادلى) ورفض ارتداء البدلة الزرقاء على أساس أنه ورفاقه في (محنة ترانزيت)، سيخرجون بعدها بأي ثمن، ليس بالضرورة أن يأتي مبارك أو ابنه لكن بالضرورة أن يستمر نهب مصر وألا تُغلق أبواب الفساد.
لكن صديقي طبيب الأسنان المسيحي، كان قبل سنة أو نيّف حزين لأنه جعل أولاده يحبون مصر التي فسدت وكان يتمنى أن يهاجروا إلى كندا أو أوروبا مثلاً، صديقي وطبيبي كان اليوم حزيناً للغاية لأن المصريين المسيحيين صاروا (ملطشة ـ عل...وفوجئت به صريحاً للغاية، يؤكد لي بثقة أن لا إسرائيل ولا أمريكا يريدان لمصر أن تكون قوية وغنية، وكان مبارك ونظامه، ووزراءه وضباطه ورجال أعماله، كنز استراتيجي لإسرائيل (حسب تصريح قادتها)، بمعنى أن في خلال فترة حكمه أنهك مصر وحاول إفساد روحها، دمّر اقتصادها، قضى على زراعة القطن والقمح تماماً لصالح العدو الإسرائيلى ولصالح أمريكا التي ترفض تماماً وجود دولة بحجم مصر التاريخي والحضاري قويةً تؤثر على وجود دولة لا تتميز بشيء إلا بتفوقها العسكري الذي لا يعنى شيئاً في بحر الحضارات وذكاء الشعوب العربية الثائرة، يقال ـ والعُهدة على الراوين جريدة الفجرـ أن محمد حسنى مبارك قال لعمر سليمان مشيراً برأسه إلى المشير طنطاوي بحضور سامي عنان (خلّيه يشيل)، لم يقصد مبارك (يشيل مصر بثورتها الفتية)، لكن كان يقصد (يشيل مصر خائفة، مفتتة، تسقط منها الإشاعة على جموع من الجهلة الأميين دينياً وأبجدياً؛ فتشعل الحرائق هنا وهناك، تحصد الأرواح حصداً).
فرحت الثورة بأنها (سلمية) تلك الصفة الكريمة التي رددّها السيد أوباما المتعهد بحماية أمن إسرائيل بشكل مطلق، رددّها مرتين (سلمية ـ سلمية) معجباً بها، وعلى الرغم من أنها بالفعل ثورة بيضاء، ألا أن مقاومتها لما كان، كان (على قدّْها).
الثورات الناجحة لها أسنان، لها إيديولوجية، وقائد، ولها ميلشيات، سلاح الجيش لم يحتضن الثورة ألا بعد أن نجحت في الاستمرار، وغياب (صورة الرئيس) يكمُن في العقل الباطن للناس، والبلطجي ببعض أقراص (ترامادول) من ذلك الذي ترمى به سيارات نقل بدون أرقام عبثاً في مناطق عشوائية (شبرا الخيمة ـ مثالاً)؛ فيضيع الفكر والعقل، ويموت الضمير ويصبح البلطجي بالفعل كالروبوت، تُحركه فلول الوطني ورجال الأعمال وضباط العادلى السابقين.
ما بين الحكم بالسجن على حبيب العادلى، وبين كارثة إمبابة كان مؤتمر مصر الأول في قاعة المؤتمرات، كان لا يمكن أن يمر الحكم هكذا في ظل دهشة العادلى، إن باستطاعة القاضي الحكم عليه هو بالسجن، وهو .. حبيب العادلى قائد ميلشيات البلطجية (أربعة آلاف وخمسمائة بحسب بعض المصادر أي ربما أكثر عدداً من تعداد الجيش المصري).
سخر المحامى المشهور من الثورة قائلا ـ ( ثورة إيه وبتاع إيه، دى انتفاضة وائل وشادي) .. وهى بالفعل لم تكن كذلك، كانت ثورة الشعب المصري كله ماعدا هؤلاء اللصوص والقوادين، لكن الظاهر للعيان، أن وائل ( شرحوه وتركوه صامتاً متفادياً للعمل العام، يحاول القيام بمجهود تعليمي من خلال ترجمة الفيديو على النت، على طريقة سلمان الهندي، أسرع وسيلة للنهضة ولنشر المعرفة ومحاربة الوعي الضيق، ومرةً أخرى، بالطبع إسرائيل لا تقبل بذلك أبداً؛ فالمصريين عدا (حفنة) يجب أن يظلوا فقراء، محرومين، جهلة، مرضى، معوقون.
أما (شادي) فهو الثائر الحق يعمل وينظم وينتظم لكنه أصبح كذلك مذيعاً في قناة جديدة وبرنامج جديد، والكل فرحان بتلك (الهيصة) الديمقراطية.
إن المسالة أبعد وأعمق من لجان جديدة، وأحزاب جديدة، وكما قال د. طارق حرب فالسرطان لا يعالج ألا بالاستئصال، والجرّاح الشاطر بل أي جراح لا يتمكن من العمل ويداه مرتعشتان، وأتذكر جراحاً لقلوب الأطفال أًجبر على ترك مهنته لأنه يداه كانتا ترتعشان، والثورة لم تزل جنيناً ليست له ملامح، أعداؤها كـُثر داخل وخارج مصر، إعلامها ضعيف، تلفزيونها عاجز، قنواتها مفتتة ولا تضمّها سوى قاعات المؤتمرات وميدان التحرير، ثورة فقيرة تعانى الإنهاك بعد أن خوت خزنتها وسرقت نهاراً.
من هم في السجون يحركون خارجهم، هم سجناء أحرار، ومن هم خارج السجون أحرار معتقلون في إطار نظرية واحدة، ألا وهي إسقاط الثورة بكل رموزها ومفاتيحها حتى لو كلف ذلك الغالي والنفيس، فلا مانع من صرف المليارات وفتح أبواب مخازن الأسلحة كما ذكر بلال فضل في أخطر مقالاته (هذا بلاغ للشعب).
الدين كالأرض وكالعرض، مقدس، المساس به مساس بالكيان والإنسان، والكنيسة رمز ليست مجرد زينة وصلبان وأحجار مصفوفة.
إن أعداء الثورة يدركون تماماً وهم كـُثر وفى منتهى الدهاء والخبث والقدرة على إدارة المؤامرة بحذق ومهارة لا تضارع، يدركون جيداً أن الدين نقطة ضعف وثغرة يمكن إشعالها في أماكن الوباء، والأرض الجاهزة، إمبابة، عين شمس، الصعيد.
كافأ أعداء الثورة حكام مصر الحاليين وأظهروهم مرتعشى اليد وأوضحوا أن (المخابرات) لم تتمكن من سد فراغ (أمن الدولة) بعد أن إنهار جهاز الشرطة والآن يَحبى دون أقدام، ويحارب دون أذرع وكل العلاقات مع (السلفيين، الإسرائيليين، الإخوان الـ C.I.A) .. مع ضباط الداخلية الحاليين والسابقين وبعضهم إن لم يكن كلهم يخدمون نظام مبارك ويقبلون قدميه قبل يديه لدى كل عملية ناجحة.
هل نخشى من (الإعدام) علناً في إمبابة أو في ميدان التحرير، لأن ثقافتنا (رقيقة المشاعر)، وأننا شعبٌ (سلمى)، سيحترق سِلماً وسلاماً، ويقولون بالبلدي أن الفرق بين الطيبة والهَبل شعرة، وأن ضراوة العدوّ الإسرائيلى وكل من يكره لمصر استقرارها وقوتها وغناها، كل من يحب ويهوى إفساد فرحتها.
رأى مذيع معروف في مبارك أنه (أجمد من ربنا)، استغفر الله العظيم، لكن هو كذلك بالفعل يؤكد على ذلك مع كل عملية ينفذها رجاله بعد أن (شال الجيش الليلة وشال الشعب خراءه وبلوته وفضائحه) ، لا يريد أن يموت ألا بعد أن يرى الثورة يأكلها بلطجيته، أولئك الذين يعاقرون الخمر وينامون مع أكثر من امرأة ورجل، ويدخنون الكوكايين، هؤلاء الذين يصيعون بوجوه مدممة مُشرطة مشروخة كالحة وأيدى خشنة، يضربون حبوب المخدر لكي لا يحسّون بخوف الإنسان، ولا بذنب البني آدم العادي، ويستخدمون نفس طرق أعدائهم التكنولوجية (غرف التشات) التي يخترقها ويدربهم عليها ضباط أمن دولة سابقين أو حاليين وربما بعض رجال مكافحة الإرهاب السابقين.
هكذا يبدو المشهد كالمثلث، (ضلع الأمن بين يدي الجيش الذي وجد نفسه متورطاً في دور الشرطة، والشرطة التي تلملم جراحها، ضلع الحكومة بكل شرفها ونقائها ونزاهتها وقلة خبرتها في إدارة الأزمة وإدارة البلاد، لأن الحكم صنعة يحتاج إلى ممارسة، إلى صنايعى يقضى وقتاً يمارسه، لا أن يخرج من رحم الميدان فقط فنرفعه على أعناقنا، ونتمتم في أحاديثنا الأسرية ما أجمله، ما أروع مسْحته الإيمانية، هكذا فقط.
الثورة تريد وحوشاً وجيوشاً، تريد صرامة وشدة، حتى لا يكره الناس الثورة ويومها (بدأوا كذلك فعلاً) .. وهذا هو هدف مبارك وأذنابه، وحتى لا يردد الناس (مسروقين لكن مستقرين)، وهم مدركين أنه كان استقراراً أقرع، هش، منخور، مائع حقير، تداس فيه الكرامة في كل لحظة، لكن بالفعل الناس بدأت تردد ذلك القول إلى حد أن طبيب اسنانى المسيحي إياه ردد (ما كنا عايشين، أنا بشتغل وأنت بتشتغل والدنيا زيّ الفل، مبارك كان حرامي، آه حرامي، يمكن حقه، نصيبه في إنه يمِّن علينا بالأمن والأمان، فاسد آه، لكن مفيش رعب كده وحزن كده وخوف كده).
لابد من وأد الفتنة وبعنف مماثل قاتل، لا بدّ من محاصرة ظاهرة "الشيخ جابر" الطبال البلطجي ـ بحسب سرد أشرف جمال ـ الذي أصبح أمير الجماعة في إمبابة ولا ننسى أن (أمن مبارك) سيطر على دولة جابر الإسلامية بعد مواجهة فى عام 1992 في أكبر مواجهة، بتطهُر كمبضع الجراح القوى ذا اليدين الثابتتين القويتين الدقيقتين، بحرب شوارع استمرت سبعة أيام.
خطيئة جهاز مبارك الأمنى أنه ظل يفعل ذلك من باب أن أمن مصر هو أمن الرئيس، وأنه لم يقضِ على بذور الفتنة، ولا اقتلع جذورها مستخدماً عناصر كثيرة من هؤلاء الجهلة، كعناصر مزدوجة متعاونة ومحاربتهم ببلطجية شديدي البأس، كل هؤلاء صاروا الآن سلاحاً في يد مبارك وأعوانه لطعن الثورة في سويداء القلب.
الضلع الثالث هو الناس بكل قضهم وقضيضهم، يريدون أن يحيوا حياتهم في عزّة وكرامة، ويودون أن يذهب أولادهم لمدارسهم وان يأكلوا ويشربوا في هناء.
لا أحد يريد العيش فوق سطح صفيح ساخن، ولتلتقي أضلع المثلث وليكشف الجميع عن وجهه الحقيقى، ولتأت لنا أجهزة المخابرات بهؤلاء الأوغاد المختبئين في أوكارهم، هؤلاء الذين لا هم لهم إلا سحق الثورة.
علينا أن نعيد قراءة التاريخ جيداً.
خاصة تاريخ كل الثورات في العالم، ولنعلم ولنتعلّم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا: القيادي اليميني المتطرف إريك زمور يتعرض للرشق بالبيض


.. وفد أمني إسرائيلي يزور واشنطن قريبا لبحث العملية العسكرية ال




.. شبكة الجزيرة تندد بقرار إسرائيل إغلاق مكاتبها وتصفه بأنه - ف


.. وزير الدفاع الإسرائيلي: حركة حماس لا تنوي التوصل إلى اتفاق م




.. حماس تعلن مسؤوليتها عن هجوم قرب معبر -كرم أبو سالم- وتقول إن