الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعادة إنتاج أسامة بن لادن

احمد عائل فقيهي

2011 / 5 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



في تاريخ الأفكار وهو تاريخ كتب فيه باحثون ومتخصصون ومفكرون تبرز مهمة المنظر والمفكر لأي فكرة وأي أيدولوجية.. وفي تاريخ الأفكار تجد نفسك أمام تراكم معرفي هائل واسع وعميق.. تلك الأفكار التي تعمل على تغيير مسار المجتمعات وصياغة حالة دينية وسياسية واجتماعية جديدة.
في العصر الحديث حيث قامت أيدلوجيات وتأسست منظمات كانت الأفكار هي المحرك والمحرض الأساسي وهي أفكار تدعو إلى التغيير وتؤسس لإحلال حالة سياسية ودينية محل حالة أخرى سابقة.
وربما تكون هذه الأفكار هي منظومة متشابكة ومتداخلة من الأفكار الدينية والاقتصادية والثقافية والسياسية تشكل إضافة للفكر الإنساني.. وإضاءة إلى مجموع الإضافات والإضاءات الكبرى التي قدمها المصلحون والمفكرون والعظماء من رجالات التاريخ ولكن ثمة أفكار وأيدولوجيات لم تضف للإنسانية شيئا ولا تقدم الجديد.. المضيء والخلاق بل ساهمت في تأخر البشرية.. وأعاقت العقل الإنساني.. وجعلت من القدرات التي استخدمتها أكثر تخلفا ورجعية.. وقدمت نماذج مظلمة هي نتاج الأفكار الظلامية والأيدولوجيات السوداء.
ومن الحكيم الصيني كونفشيوس إضافة إلى فلسفة سيبنوزا إلى كارل ماركس.. مرورا بكل المنظرين الذي غيروا وجه التاريخ الإنساني.. كانت هناك حالة من الجدل والسجال داخل نظرية ذلك المفكر.. أو هذا المنظر وكان ثمة أيدولوجية تحكمها قيم تقوم على تأسيس بنى جديدة تضيف وتضيء بناء الدولة وأركان المجتمع خاصة في العصر الحديث الذي انتقل من مرحلة إلى مرحلة تكرست فيه وعبر مفهوم الدولة الحديثة حيث كان الانتقال من الحداثة إلى مرحلة ما بعد الحداثة.. وحيث تم فصل سلطة الكنيسة عن المجتمع والدولة وصياغة المشروع الحضاري الحديث في الغرب وتحديدا في أوروبا..
تداعت كل هذه الأفكار في ذاكرتي وأنا أتابع مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن عبر عملية عسكرية كانت خاتمة لعملية استخباراتية دقيقة ــ كما قالت وأكدت وكالات الأنباء ــ وتداعي هذه الأفكار جاء نتيجة لإيماني بأن في حال مات أسامة بن لادن أو لم يمت فثمة أيدولوجية دينية أصولية سوداء معادية لكل ما يمت ويتصل بقيم الحداثة وقيم المدنية ومفهوم الدولة الحديثة، وأن ثمة تلاميذ وأحفادا ومريدين لأفكار أسامة بن لادن موجودون في مفاصل المجتمع ومؤسسات هذا المجتمع.. وهناك متعاطفون مع فكر القاعدة.. ومجندون لخدمة الأفكار.. والأيدولوجية التي تقوم عليها ثقافة القاعدة، حيث يحلم هؤلاء بإقامة دولة الخلافة الإسلامية في جزيرة العرب على نموذج دولة طالبان.. وحيث يطمح ويطمع هؤلاء إلى صياغة اتجاه فكري ديني وسياسي معاد لكل ما هو غربي.. وحديث وفي حالة خصومة مع كل انفتاح على العصر.
ولعل التفجيرات التي نفذها تنظيم القاعدة في هذا البلد توقظ الذاكرة الوطنية والضمير الوطني عند أولئك الذين يرون في فكر أسامة بن لادن هو الفكر المضيء ونموذجا للفكر الإسلامي الحقيقي في حين هو العكس تماما.. إذ إن فكر أسامة بن لادن هو فكر يقدم صورة معادية للإسلام والوجه الناصع والخلاق لهذا الإسلام، ذلك أن الإسلام الذي بنى حضارة إنسانية قائمة على البناء والتنمية وقدم عبر هذه الحضارة نماذج فكرية ساهمت في الفكر الإنساني بدءا من ابن سينا والغزالي وابن رشد.. وانتهاء بالشيخ محمد عبده (الأستاذ) ومحمد رشيد رضا وجمال الدين الأفغاني وعلي عبدالرازق وعبدالرحمن الكواكبي وخير الدين التونسي وغير هؤلاء الكثير من الإصلاحيين في الفكر الديني الذين يمثلون النماذج الرفيعة والعالية في الفكر الإسلامي والذين يقدمون الإسلام بوصفه عقلا يفكر.. ويضيف ويضيء وليس عقلا يدعو إلى التدمير والهدم والخراب. وإشاعة الخوف في المجتمعات، ذلك أن هناك فرقا بين العقل التنويري والعقل التدميري.. بين عقل يدعو إلى الإعلاء من قيمة الإنسان وعقل يدعو إلى قتل هذا الإنسان.
ولئن قتل أو لم يقتل أسامة بن لادن بالرغم من الرمزية والشخصية القيادية التي يحملها فإن الأيدولوجية التي تأسس عليها فكر القاعدة قادر على إفراز وإنتاج عشرات أسامة بن لادن.. ذلك أن الأشخاص والمنظرين والمفكرين لأي اتجاه أو أيدولوجية يموتون ويذهبون لكن يظل الفكر قائما ومستمرا باستمرار الفكر والأيدولوجية ويعاد إنتاج منظرين ومفكرين جدد لا يقلون تأثيرا وربما خطورة كما هو في حال نموذج أسامة بن لادن.
وأتساءل هنا..
كيف يمكنني أن أتعاطف مع رجل قدم نفسه بوصفه معاديا وخصما لهذا الوطن.. كيف يمكن لي أن أكون محايدا في حالة رجل قدم نفسه بوصفه مشرعا جديدا لإسلام جديد يحاول من خلاله محاربة كل ما يمت للحداثة والمدنية.. والحياة الجديدة وكل قيم الدولة الحديثة التي نحن منحازون لها وندعو في كتاباتنا لتكريسها والدفاع من أجلها.. وذلك نحو صياغة حياة جديدة تعلي من قيم الحوار والتعددية ومؤسسات المجتمع المدني وتنظر للمرأة بوصفها عقلا وليس بوصفها جسدا فقط وتجعل من العقل منارة إشعاع في الفكر الإنساني والحياة المعاصرة.
ومن هنا فإن مقتل أسامة بن لادن ليس نهاية لفكر القاعدة ولكنه بداية لفكر أكثر ظلامية وتشددا ودعوة للانغلاق وهو إعادة لإنتاج أكثر من أسامة بن لادن في عالم ينهض على الفكر والعلم والديموقراطية وفي لحظة تاريخية يحتاج العرب فيها في ظل الثورات الجديدة إلى عالم عربي جديد أجمل وأفضل وأكثر اتجاها إلى المستقبل لا أكثر انتكاسا ورجوعا إلى الماضي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قيادي بحماس: لن نقبل بهدنة لا تحقق هذا المطلب


.. انتهاء جولة المفاوضات في القاهرة السبت من دون تقدم




.. مظاهرة في جامعة تورنتو الكندية تطالب بوقف حرب غزة ودعما للطل


.. فيضانات مدمرة اجتاحت جنوبي البرازيل وخلفت عشرات القتلى




.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف