الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجذور العظيمة الطيبة تنزف دماءً في النيل العظيم...

فاضل الخطيب

2011 / 5 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الجذور العظيمة الطيبة تنزف دماءً في النيل العظيم...

يشعر كل متدين أن إيمانه هو الأصدق بالمقارنة مع غيره من معتنقي الديانات الأخرى، والآخرون أيضاً هكذا يشعرون. وهذا قد يؤدي إلى اعتراف بسيط وهو أن أتباع الديانات المختلفة ربما لا تختلف فقط في "فهم الله" أو الرب بل في طريقة تعاملها مع هذا أو ذاك "الإله"، وهذا يقودنا إلى استنتاج أن التعامل السلمي بين الأديان هو المدخل الرئيسي للسلام العالمي بين المجموعات والأفراد.
والحقيقة أن الدين والتدين هو ارتباط الفرد بمفاهيم يعتبرها مقدسة، وبنفس الوقت فيها شيء من الانفصال عن أي شيء لا يتفق معها، وهو كذلك ارتباط والتزام شخصي مع من يؤمن بتلك المفاهيم.
واليوم نحن شهود تلك الأعمال العدوانية الإجرامية بسبب الاعتقاد الديني، وبنفس الوقت محاولات حوار بين الأديان المختلفة.
قرابة ثلث سكان العالم يؤمنون بالمسيحية، وكل خامس إنسان يؤمن بالإسلام، وواحد من بين كل سبعة أشخاص ينتمي إلى المذهب الهندوسي، وكل عاشر فرد في هذا العالم هو بوذياً...إلخ. وهناك مئات الملايين الذين لا يعتبرون أنفسهم مؤمنين بأي دين كان أو "لا دينيون". وهناك ديانات جديدة، وتبقى الحقيقة ومن خلال تجربة تاريخية طويلة للبشر أنه لابد من الاعتراف أننا لا يمكن لنا العيش في جُزُر منفصلة عن بعضها.
يوجد في العالم أكثر من 670 مذهب ديني "كبير"، ويقال أن معتقد أو إيمان شخص واحد يستحق الاحترام كما لو كان هذا المعتقد لملايين كثيرة من البشر. وفي هذا العصر ما عاد مقبولاً استخدام تعبير كافر أو مرتد أو زنديق أو هرطقة أو وثنية...إلخ. وهنا جوهر المشكلة، وهو أنه يجب احترام معتقدات الآخر –الدينية أو الضميرية للملحدين ولمن يحمل أفكاراً أخرى، بل يُقال عن مثل هذه الحالات أنه وبكل بساطة مؤمن بطريقة أخرى. المطلوب هو التعايش والعيش المشترك وليس نشر الدين والمنافسة على التحدي. وكما تدعو كل الديانات على التواضع ومقاومة الشهوات الذاتية، فإنه مطلوبٌ مثله في الموقف من الأديان الأخرى ومطلوب أيضاً أن يَرى الإنسان ويُرى أنه (إذا كان هناك من يقول أنه يحب الله ويبغض ابن الله فهو كاذب، لأن من لا يحب أخاه الذي أبصره كيف يمكن له أن يحب الله الذي لا يُرى)!.

قرأت قبل سنوات كثيرة موضوعاً لأحد الكتاب المصريين قال فيه "أننا كلنا أقباط، وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها"، اعتقدت للحظة أنه يكتب من منطق التعاطف والتضامن مع الأقباط، لكن الحقيقة أن اسم مصر "إيجيبت" في كل لغات العالم تعني الأقباط، وهذا طبعاً لا يحتاج شهادة حسن سلوك من أحد مهما كان شأنه.

بين آخر عصرٍ جليديٍّ وبين صعود روما، معهم عَبَرت البشرية من عصر الإنسان البدائي إلى عصر الإنسان الحضاري. أكثر أساطير العالم ودياناته وعلومه ظهرت ونمت على ضفاف نهر النيل.
عرفوا التعامل الإنساني والاجتماعي قبل إبراهيم الخليل ويوسف الصديق، "صنعوا" اخترعوا أسس ديانات التوحيد وأساطيرها والتي من أجل نصرتها ونصرة آلهتها المتعددة تخندقنا وذبحنا وغزونا وسبينا!
ما تبقى من شعب حوض النيل يُذبحون ويتم القضاء عليهم فيزيائياً بسبب الجريمة التي اقترفها أجدادهم الأوائل وهي اختراعهم للديانات والآلهات، خطيئة اخناتون وامحوتب و.... وهي خطيئة عيسى ابن مريم وتعاليمه التي لا تصمد أمام تعاليم ابن لادن ومخففاته "اللايتية"! وأمام غزواته على ما تبقى من خميرة الأرض والقيم والإنسان.
كما كانوا الجسر الذي نقل الإنسان إلى الحضارة قبل عشرة آلاف سنة فإن أبناء شعوب بلادنا الأصليين سواء في بلاد الهلال الخصيب أم في حوض النيل يمكن أن يكونوا الجسر الذي يربطنا بعالم الحضارة والذي يقع على الضفة الأخرى للمتوسط، أو خلف البحار.
ابن لادن وابن الزرقاوي وقبلهم ومعهم ابن القرداحة وابن تكريت وابن النجادي وأبناء آوى كثر آخرون، يحفظون مقولة ابن الوليد والتي عبّر فيها عن ظمأه لشرب دماء الروم قبل حوالي ألف وثلاث مائة عام! سياسة واحدة وعقيدة واحدة، "من ليس معنا فهو ضدنا"، ومن كان ضدنا فهو ضد إلهنا أو سيدنا، ومن هو ضد إلهنا يجب قتله أو يصبح من سبايانا.
لست من الذين يُبشّرون للديانات، وعندي تحفظات على كثيرٍ منها، لكني أعتقد أن إله المسيحيين قد سُرّح من الخدمة العسكرية، ودور عباداتهم ليست مراكز للتجنيد، ورجال دينهم لا يؤمنون بـ"ماركتينغ" غوبلز، بل هم أقرب إلى ماركتينغ غاندي ولينكولن. وليس بالضرورة الأكثر جريمة في لحظة ما من يرفع بندقيته ويقتل شخصاً، بل هناك قبل تنفيذ الجريمة كانت جريمة الرغبة بارتكابها واحتضانها فكرياً وعملياً أيضاً.

إن انحسار المسيحية وخطر اندثارها في المنطقة العربية حقيقة ماثلة للعالم، وإن غياب جماعات أو قوميات عديدة مرتبطة بالديانة المسيحية في منطقتنا خسارة لا يمكن تعويضها وجريمة لا يمكن غفرانها. وربما يأتي يوم يصبح فيه جدال عن شرعية وجود هذه الشعوب، وسينكرون اضطهادهم لها، كما ينكر الأتراك إبادة الأرمن على يد قادة آخر دولة للخلافة الإسلامية بدل أن يعتذروا، وهو أقلّ ما يمكن أن يقوموا به!

إذا تخيلنا أنفسنا في طائرة على ارتفاع عالٍ فوق المحيط ونظرنا إلى مئات الجزر المتناثرة في هذا الأوقيانوس لوجدناها جواهر وجنات بكل ما تحمله الكلمة من معنى! وإن القوميات والديانات الصغيرة العدد في المنطقة هي جواهر في هذا البحر الإسلامي وغنىً لا يستطيع المتطرفون الجهلة تقديره.
إن بقاء "الأقليات" المسيحية في المنطقة ليست فقط قضية إنسانية بالدرجة الأولى بل هي مكسبٌ للغالبية المسلمة، هي ثروة لنا جميعاً.

قبل سنوات شاهدت معرضاً في أكبر متاحف بودابست للفن القبطي، تماثيل حجرية ولوحات وتحف فنية تاريخية كثيرة، وما لفت نظري أنه في كل تمثالٍ أو لوحةٍ تُشير إلى شيء دينيٍ(صليب، نور الشمس، ...) كان هناك تشويهاً مقصوداً واضحاً(كسر مثلاً..) عند أجزاء اللوحة أو التمثال التي ترمز للمسيحية، وقد سأل بعض أصدقائي المجريين الذين كنت معهم عن تكرار ذلك التشويه في كل عمل وتحفة قديمة فيها لمسة دينية! وبصراحة خجلت أن أقول لهم أنه نفس السبب الذي حُرقت من أجله مكتبة الاسكندرية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعن قراره الحكيم ذلك وجزاه خيراً عليه وبعد فتح(غزو) مصر بقيادة داهية العرب القائد المثقف عمر بن العاص الذي كان يُحب حرق الكتب غير الإسلامية! موضوع العلاقة بين المسيح أو أيّ نبي أو الرب والملائكة هو رمز، رمز أن ينتبه الناس لبعضهم وينفضوا الغبار عن المحبة، المحبة التي تدفعنا لممارسة المحبة من جديد، لأن المحبة تنتج نفسها محبة جديدة تكبر هنا وليس في السماء. إن الشاب الذي يقوم بفعل الموبقات وحتى بقتل إنسانٍ آخر ثم يعتقد أن صلاته ستغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر هو شابٌ بائس ويستحق الشفقة وإعادة التربية. لا أفهم ربطاً منطقياً وإنسانياً بين سفك الدماء ودخول الجنة! وهل يُمكن العيش في جنة تكون ثمن بطاقة دخولها قتل من هم خارج ديني أنا؟

العالم يبحث عن سلوك الحيوانات المنقرضة ويحاول فهم العالم الذي كان موجوداً قبل مئات ملايين السنين، ونحن نُدمر عمداً ثقافة وحضارات وقوميات وديانات شعوب كانت الحاضن "لثقافتنا وحضارتنا" وللإنسانية جمعاء. هل نسي داروين أن بعض البشر ليسوا بشر؟

اخترعوا الهلال والجَمال، والحضارة والطهارة، ومن بقي منهم يحمل صليبه في الساعة الأخيرة من ليلٍ ما عاد الهلال يكفي لإضاءة ظلامه. والفرصة الآن هي للبناء العقلاني لوطن المصريين كلهم، لأنه الرافعة لأوطاننا كلنا، ودفاعنا عن الأقباط هو دفاعٌ عن مصر وبالتالي هو دفاعٌ عن مستقبل أبنائنا ومجتمعاتنا كلها.
إذا تحوّلت الأمور على غير ما يُرام، فإنها تتحوّل بسرعة مُذهلة، وثورة شباب مصر كانت فريدة من نوعها ووعيها، وإن انتصارها لا يمكن أن يكون إلاّ بانتصار حقوق الإنسان، بانتصار المواطنة، والمواطنة في أرض "إيجيبت" لا يمكن أن تكون إلاّ مع إعطاء واحترام كامل حقوق الأقباط في دولة مدنية علمانية.. كلمة مصر تعني في كل لغات العالم "إيجيبت" وهي تعني الأقباط، حافظوا عليهم تحافظون على مصر(إيجيبت) وعندها تكون أم الدنيا...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس


.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت


.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا




.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية