الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دراسة حول القضية الفلسطينية / الحلقة الثالثة والأخيرة

حامد الحمداني

2011 / 5 / 18
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


بمناسبة ذكرى النكبة
دراسة حول القضية الفلسطينية
الحلقة الثالثة والأخيرة

رابعاً:استئناف القتال،والولايات المتحدة تفرض هدنة جديدة:

عندما أكره مجلس الأمن الدول العربية على وقف القتال قي فلسطين اعتباراً من 11 حزيران 1948 وعين الوسيط الدولي [ الكونت برنادوت ] لوضع حل سلمي للمشكلة الفلسطينية !!، كان أحد شروط الهدنة هو عدم استفادة أي طرف من الأطراف لتعزيز قواته، أو تحريكها.

لكن الحقيقة أن الصهاينة استفادوا من كل يوم، بل وكل ساعة لتعزيز مواقعهم، ولجلب الأسلحة والطائرات التي أخذت تنهال عليهم من الإمبرياليين الأمريكيين والإنكليز وغيرهم، فيما بقيت القوات العربية ملتزمة ببنود الهدنة، ولم تسعَ إلى تقوية مركزها، معتمدة على مصداقية مجلس الأمن!!.

لكن الدول العربية اضطرت في نهاية المطاف، وبعد أن وجدت التعزيزات العسكرية الصهيونية تجري ليل نهار، إلى استئناف القتال من جديد في 9 تموز، وفوجئت القوات العربية بأخذ القوات الصهيونية زمام المبادرة من أيديهم، وبدأت تهاجمهم بعنف، وخسرت القوات العربية [صفد] و[الناصرة] و [اللد] و[الرملة] والعديد من القرى العربية، وتشرد الألوف الجدد من أبناء الشعب الفلسطيني، تاركين ديارهم وأملاكهم وأموالهم، هرباً من المذابح الصهيونية.

وهكذا استطاعت الولايات المتحدة في نهاية المطاف أن تفرض على العرب هدنة جديدة، في 18 تموز 1948، وتخاذل الحكام العرب، وقبلت أربعة دول عربية هي مصر والأردن والسعودية واليمن مبدأ التقسيم، فيما رفضت الحكومتان السورية والعراقية الهدنة، لكن الموافقة على القرار تم بالأكثرية وقبل العرب إجراء مفاوضات لعقد هدنة دائمة مع إسرائيل في [لوزان ] بسويسرا.

وقد استنكرت الأحزاب الوطنية في العراق قرار مجلس الأمن، وقبول الحكام العرب له، في بيان مشترك صدر عن الحزب الوطني الديمقراطي، وحزب الاستقلال، وحزب الأحرار.
كما سيروا المظاهرات في بغداد يوم الجمعة المصادف 23 تموز 1948، احتجاجاً على قبول الهدنة، في حين أصدر الحزب الشيوعي بياناً يدعو فيه إلى وقف القتال، وسحب الجيوش العربية، والقبول بقرار مجلس الأمن، وكان ذلك الموقف استمراراً لمواقفه الخاطئة من القضية الفلسطينية، والتي أضرّت بالحزب وشعبيته ضرراً بليغاً .

خامساً: تطورات درامية في حرب فلسطين:

لعب الملك عبد الله، وقائد جيشه البريطاني [ كلوب باشا ] دوراً خيانيا مشهوداً، بعد أن تولى الاثنان قيادة الجيوش العربية في القاطعين الشمالي والشرقي من الجبهة .
فبعد أن أقّر رؤساء الأركان العرب في اجتماع [ الزرقاء ] خطة عسكرية فعالة لمجابهة القوات الصهيونية، أعترض عليها كلوب باشا واستبدلها بخطة جديدة، فقد أدرك كلوب أن تنفيذ تلك الخطة سوف تفشل المخطط الإمبريالي الصهيوني، وخطة الملك عبد الله الطامع في الأرض الفلسطينية، وكان بإمكان تلك الخطة القضاء على القوات الصهيونية، ولكن إقدام كلوب باشا على إبدالها أدى إلى الفشل الذريع للجيوش العربية وبالتالي أصبحت إسرائيل حقيقة واقعة.

كان هذا على الجبهتين الشمالية والشرقية، أما على الجبهة الجنوبية التي حارب فيها الجيش المصري فكانت الخيانة اعظم، عندما جُهز الجيش المصري بالعتاد الفاسد، مما سبب كارثة للجيش، ومكّن القوات الصهيونية من محاصرته في الفالوجه، وإلحاق الخسائر الجسيمة به والاستيلاء على الفالوجة .

وعلى الأثر سافر رئيس الوزراء، مزاحم الباجه جي، إلى القاهرة، والتقى زميله رئيس الوزراء المصري [ محمود فهمي النقراشي ] وبحثا الأحوال بعد سقوط الفالوجة، وجرى الاتفاق على إرسال لواء عراقي آلي مع فوجين سوريين لمساعدة الجيش المصري، وتم الاتفاق على موعد الهجوم على الفالوجة.

ولما اطلع كلوب باشا على الخطة رفضها فوراً، وأعلن أن الجيش الأردني في منطقة القدس لن يسمح بمرور القوات العراقية والسورية، وبذلك أفشل كلوب باشا خطة رؤساء الأركان العرب لمساعدة الجيش المصري، والذي بقي يقاتل لوحده متحملاً ضغط القوات الصهيونية .

وبانكشاف هذه المؤامرة الجديدة على القضية الفلسطينية، قامت المظاهرات العارمة في بغداد احتجاجاً على تخاذل الحكومة، وضلوع العرشين الهاشميين في تلك المؤامرة، وقد وقعت مصادمات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الشرطة، أصيب على أثرها أكثر من 200 من المواطنين بجراح، واعتقلت السلطات أعداد كبيرة أخرى منهم .

كما قام وفد من نواب المعارضة بمقابلة ولي العهد عبد الإله، ورئيس الوزراء الباجه جي، بعد اجتماع عقده نواب المعارضة، وقدموا مذكرة باسم المعارضة لهما، وقد دعت المذكرة إلى عدم التزام العراق بالهدنة التي تنتهكها إسرائيل باستمرار، والعمل فوراً على تقديم العون العسكري للقوات المصرية التي بقيت تقاتل لوحدها، وقطع النفط عن الدول الإمبريالية التي تدعم العصابات الصهيونية، وإنذار بريطانيا بإلغاء معاهدة التحالف معها إذا ما استمرت في سياستها الحالية .

كما فضحت المذكرة الدور الخياني لحكومة الأردن، وحذرت من أن ترك مصر لوحدها سوف يؤدي إلى انهيار الجامعة العربية، وانعزال مصر عن القضايا العربية، وفقدان الأمل في قيام وحدة عربية .

وقد وقّع على المذكرة كل من السادة النواب : خميس الضاري ـ ذيبان الغبان ـ داؤد السعدي ـ عبد الرزاق الظاهر ـ محمد حديد ـ عبد الجبار الجومرد ـ عبد الكريم كنه ـ فائق السامرائي ـ إسماعيل الغانم ـ روفائيل بطي ـ عبد القادر العاني ـ نجيب الصايغ ـ عبد الرزاق الشيخلي ـ هاشم بركات ـ حسن عبد الرحمن ـ جعفر البدر ـ ريسان كاطع ـ مصلح النقشبندي ـ خدوري خدوري ـ جميل صادق ـ برهان الدين باش أعيان ـ عبد الرحمن الجليلي ـ محمد مهدي كبه ـ حسين جميل ـ أركان العبادي ، وقد قدم النواب صورة من هذه المذكرة إلى رئيسي مجلسي النواب والأعيان .

وبالنظر لتطور الأحداث بهذا الشكل المتسارع، وشدة الانتقادات التي وُجهت للحكومة، ولخطورة الموقف، لم يجد مزاحم الباجه جي أمامه من طريق سوى تقديم استقالة حكومته إلى الوصي، في 6 كانون الثاني 1949، وتم قبول الاستقالة على الفور، وكلف الوصي رجل بريطانيا القوي في العراق نوري السعيد، لتأليف وزارته العاشرة في اليوم نفسه .

سادسا: مصير القسم العربي من فلسطين:

بعد إعلان قبول الدول العربية بالهدنة الثانية، والقبول بتقسيم فلسطين، قدمت الحكومة المصرية اقتراحاً لجامعة الدول العربية يقضي بإعلان حكومة عموم فلسطين العربية، على أن يعّين [ احمد عرابي باشا ] حاكماً عليها، وقد أيد العراق الاقتراح المصري، وأيده فيما بعد كل من لبنان والسعودية واليمن، وعارضه الملك عبد الله الذي كانت بريطانيا قد وعدته أثناء زيارته الرسمية للندن في 21 شباط 1946 بضم القسم العربي من فلسطين إلى إمارته [ شرق الأردن ]آنذاك، إذا ما حان الوقت لتقسيم فلسطين بين العرب واليهود، ولذلك جاءت معارضة الملك عبد الله، والتي اتسمت بالشدة، وهدد باتخاذ أشد الإجراءات الهادفة إلى إحباط الاقتراح المصري .

ودبر الملك عبد الله، بالتعاون مع الإنكليز، ما سمي [مؤتمر أريحا ] والذي جاءوا له بعدد من الشخصيات الفلسطينية الموالية لبريطانيا، وللملك عبد الله، ليقرروا ضم الجزء العربي من فلسطين إلى إمارة شرق الأردن لتشكل دولة الأردن بضفتيه.

فيما خضع قطاع غزة للإدارة المصرية، وهكذا اختتمت المسرحية التي أخرجتها الإمبريالية الأمريكية والبريطانية، ونفذها الحكام العرب، وكان ضحيتها ليس شعب فلسطين فحسب، بل الشعب العربي كله.
فقد أصبحت إسرائيل مصدراً للعدوان والتوسع على حساب البلدان العربية، واضطرت هذه البلدان إلى خوض عدة حروب معها، وكانت إسرائيل توسع كيانها في كل مرة على حساب العرب، ناهيك عن أنهاك الاقتصاد العربي بسبب تلك الحروب، والتسلح المستمر منذُ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا.

أثارت تلك المؤامرة الكبرى نقمة الشعوب العربية على حكامها، وأدركت هذه الشعوب أن الداء هو في وجود هؤلاء الحكام على رأس السلطة، وأن لا سبيل لإصلاح الأمور إلا بتغيير الأوضاع فيها.
كما أن الجيوش العربية التي عادت إلى بلدانها، ومرارة الحزن والأسى بادية على وجوه الجنود والضباط المغلوبين على أمرهم قد أدركوا أن الحكام العرب هم أساس البلوى، فقد باعوا أنفسهم للإمبريالية، ونفذوا مخططاتها في المنطقة العربية، وكان من بين أولئك الضباط قائد ثورة 23 يوليو في مصر [ جمال عبد الناصر ] و قائد ثورة 14 تموز في العراق الزعيم الشهيد[ عبد الكريم قاسم ].

ونتيجة لتك التطورات التي أفرزتها الحرب، شهدت البلدان العربية بعد عام النكبة 1948 تغيرات كثيرة حيث اختفت رموز كثيرة من المسرح السياسي، فقد وقع انقلاب عسكري في سوريا في 30 آذار 1949 بقيادة [ حسني الزعيم]، وقتل الملك عبد الله في 20 تموز 1951، كما جرى اغتيال رئيس وزراء مصر [محمود فهمي النقراشي ]، واغتيال رئيس وزراء لبنان [رياض الصلح ] إثناء زيارته الرسمية إلى عمان في 16 تموز 1951 .

أما في العراق فقد جرت المعارك في شوارع بغداد وسائر المدن العراقية بين قوات السلطة القمعية والشعب، وتم إسقاط وزارة صالح جبر الموالي للإنكليز، ثم جاءت ثورة 23 يوليو في مصر، وتم إسقاط حكم الملك فاروق، أحد المسؤولين الكبار عن النكبة، كما وقع انقلاب عسكري في لبنان في 18 أيلول 1952 أطاح بالرئيس اللبناني [ بشارة الخوري]، وأخيراً تكلل نضال الشعب العراقي بالنجاح في ثورة 14 تموز 1958 التي أسقطت النظام الملكي الموالي للإنكليز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - واحده من المشاكل هي صغر مساحة الأرض
سمير فاضل ( 2011 / 5 / 19 - 09:15 )

استاذ حامد الحمداني المحترم.


توثيقك امين ومنهجي كما عودتنا

في رأي ليس هنالك حل دائم للقضيه الفلسطينيه الأسرائيليه بل هنالك نوايا طيبه اتمنى ان تغلب التطرف والتعصب من الطرفين وابقى اقول ان لا محال في ايجاد حل يفرضه واقع الحال رغم تعقد المسأله وكثرة تشعباتها من نواحي عده ،، يمكن قادم الزمن وتغير الظرف الدولي كفيل
بحل بعض هذه العقد
سبق ان عقبت على مداخله للأستاذ يعقوب إبراهامي حول هذه القضيه


واعيد هنا القول وحسب رأي


انها قصتان وللشعبان الحق في العيش بسلام

تحياتي


2 - تتعقيب على تعليق الاستاذ سمير فاضل
حامد الحمداني ( 2011 / 5 / 19 - 11:29 )
استاذي العزيز سمير فاضل المحترم:القضية الفلسطينية صارت قصة لا تنته، قادة اسرائيل يريدون السلام والارض، وهذا مستحيل ، وسوف يستمر الصراع لحين يدرك قادة اسرائيل أن الحل الوحيد الممكن هو التخلي عن ما يسمى بالدولة اليهودية ، وهو ادعاء غير صادق من قبل دولة علمانية، وأن امام قادة اسرائل حل وحيد ممكن هو اقامة دولة علمانية ديمقراطية يتعايش فيها الشعبان على قدم المساوت في ظل السلام الدائم والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وإن أي حل آخر لو تم فسيكون حلاً وقتيا، وسوف يستمر الصراع بين الشعبين، وهذا ليس في مصلحة اسرائيل على المدى البعيد، وخاصة بعد الثورات الشعبية التي اجتاحت العالم العربي وما تزال ، ولا يمكن للظلم الذي لحق الشعب الفلسطيني أن يدوم إلى الأبد.

اخر الافلام

.. وزير التعليم المصري يرد على التشكيك بحصوله على -الدكتوراة-:


.. ماسك يهدد بمسح ثروة غيتس.. واستمرار لغز وفاة لونا الشبل




.. أميركا تفتح تحقيقاً جنائياً بحق سباحين صينيين نتائج تعاطيهم


.. ماذا تحمل الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية لفرنسا؟| #ا




.. روسيا.. اشتعال النيران في مستودعات نفط بعد هجمات بمسيرات أوك