الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الدول الاستبدادية تفقد مؤسسات الدولة شرفها

نبيل هلال هلال

2011 / 5 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إبَّان الحكم الملكي الأموي والعباسي - كما هو الحال في كل دولة استبدادية - فقدت مؤسسات الدولة الأساسية شرفها : مؤسسات الشرطة والجيش والقضاء , واستولي اللصوص والجلادون على البلاد .
والعقل المسلم المهزوم يرى التاريخ الإسلامي دينا فيعتبره مقدسا وأشخاصه من الملوك والخلفاء والسلاطين مقدسين لا يجوز انتقادهم فضلا عن تجريم مَن نهب البلاد وقتل العباد .
والمهمة الحقيقية للتاريخ هي ملاحظة السنن والآليات الفاعلة وراء الأحداث , وتسجيل وكشف أخطاء السلف ليعتبر بها الخلف , ولكن المؤرخ الإسلامي كتب التاريخ ليبرر الواقع , فقد كتبه في ظل سلطانه الذي لا يختلف عن باقي السلاطين الذين كتب عنهم , واحتاط ألا يكشف عن مخازي الماضي كي لا يُعَرِّض بسلطانه . وبمرور الوقت تحدث الفقيه عن التاريخ باعتباره من الدين , وأحاطه بسياج من القدسية- مثل الدين- لا يجوز انتهاكه , واعتبر المؤرخُ والفقيه أن أمثال صراعات الفتنة الكبرى صراعات مقدسة لا يجوز إدانة المتورطين فيها من الصحابة فهم رموز مقدسة لا يجوز المساس بها . ويفاخر الفقيه بطريقة تهربه من الحديث عن المخطئ في قتل ألوف المسلمين في هذه الصراعات , فيقول بأنه : قد سلمت سيوفُنا من دمائهم وما أحرانا أن نسلم من الخوض في سيرتهم ! وكأن على المسلم أن يغمض عينيه عن ماضيه كما أغمضهما عن حاضره , فكان له عينان ولكن لا يبصر بهما .
ولمَّا كانت كلها صراعات سياسية في حقيقتها ودينية في ظاهرها وخاض في أمثالها معظم خلفائنا الكرام, كان على مؤرخنا المسكين عدم الكشف عن أسباب مثل هذه الحروب والاكتفاء بتصويرها على أنها دينية يُراد بها وجه الله , وكل ما ارتُكب فيها من مجازر إنما كان اجتهادا متواضعا من عباد صالحين ذبحوا بعضهم البعض بقسوة نادرة بالنهار, وفي الليل يتهجدون وهم يبكون من خشية الله !! ولا يمكن لمنصف أن يصف هذه الحروب بأنها شُنت لخدمة الدين وليس لمصالح بعض من شاركوا فيها , ولا يمكن قبول القول بأنها دارت في حدود "اجتهادات" المجتهدين الذين شاركوا فيها , فليس لصاحب الرأي الأخرق أن يعتذر بأن ما كان منه هو اجتهاد .
ذلك كان دور المؤرخ والفقيه في تاريخنا وهو دور يعتمد على التزييف أكثر من اعتماده على التسجيل , وحتى هذا التسجيل كان لوقائع الدولة وأخبار السلطان , وأُغفل فيه أخبار الناس , إذ لم يكن لهم وزن في أي وقت , كما تم تصوير الانتفاضات الشعبية الرامية إلى مناهضة الظلم , والمنددة بالتوزيع غير العادل للثروات , على أنها خروج على الشرعية والدين , وكانت تُوصف دائما بأنها " انتفاضة حرامية " على حد تعبير أحد الرؤساء .
والفقيه يجهل التاريخ ولا يعرف منه غير مواقيت الغزوات وربما عدد القتلى وأوقات الفتوح ووفيات الأعيان , ولكنه يجهل وبصورة فاضحة السنن التي صنعت هذا التاريخ في الماضي وهي أيضا التي تصنعه في المستقبل , وحسبه أن يظن أن النصر يتحقق بالدعاء وأن الهزيمة والأوبئة سببهما كثرة ذنوب المذنبين , وأن ظلم السلطان قدَرُ الرعية المذنبة - كما تكونون يولَّى عليكم - وغابت عن الفقيه موازين القُوى الحقيقية وحسابات النصر الدقيقة التي تحدث في واقع الناس لا في عالم غيبي مسحور تحكمه لغة صبية المساجد ووعاظ المنابر .
وكان الجامع في العهد الراشدي هو الصيغة الأولية لممارسة التحاور وتداول الأمر وتبادل الآراء دون مؤاخذة كالبرلمان في الدول الديمقراطية المعاصرة , وكان منبرا لمزاولة نقد الإدارة ومساءلة مَن يحكم , ومنه كان المواطن العادي يقدم طلبات الإحاطة إلى الخليفة نفسه . وسجَّل لنا التاريخ أحد هذه الطلبات التي قدمها مواطن عادي من عامة الناس يسأل فيها الخليفة عمر بن الخطاب مسألة "عظيمة" : لم يسأله عن مليارات الجنيهات المسروقة من خزينة الدولة , أو عن مليارات الدولارات المنهوبة من أموال النفط, أو عن إهدار الأموال الطائلة من خزينة الدولة فيما لا طائل وراءه من مشاريع فاشلة , وإنما كانت المساءلة عن سبب استئثار الخليفة بثوب أطول من باقي الأثواب الموزعة من بيت المال على عامة المسلمين ومنهم الخليفة نفسه !!
واستدعى الخليفةُ " المتهمُ " ابنَه الذي بيَّن على رءوس الأشهاد أنه قد تبرع بثوبه إلى أبيه , ووصَل الثوبين معا فلبسه عمر الذي لم يغضب على من قدم طلب الإحاطة ولم يعتبره مشككا في ذمته المالية , ولم يطلب محاكمته كما يحدث الآن بتهمة سب الذات الملكية .
كانت تلك إحدى وظائف الجامع الذي أصبح بعد ذلك مقرا للقُصَّاص الذين جندهم الخليفة النبوي ليروجوا الأكاذيب عن صلاح السلطان وتقواه ونظافة يده . واقتصر دور الجامع على أداء الشعائر, ثم تُغلَق أبوابُه عقب الصلاة مباشرة في بعض البلاد , وفي بعضها الآخر يدخله المصلون ببطاقات ممغنطة يحدد فيها جامع بعينه للمصلي ولا يجوز له دخول غيره .
وبعد أن استبد بالأمر الخلفاءُ غيرالراشدين , لم تعد حرية الكلمة مكفولة في الجوامع كما كان مقررا لها , وإنما جثم على أنفاس الناس فيها عيونُ الفرعون ورجالُ العسسِ والبصاصون , وجلس على منابرها فقهاءُ السلطان , ووضعوا أحاديث نسبوها إلى النبي زعموا فيها أن من قال لمن يجاوره في المسجد في صلاة الجمعة : " أنصت " , فقد بطلت صلاته ‍!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ندوة توعية للمزارعين ضمن مبادرة إزرع للهيئه القبطية الإنجيلي


.. د. حامد عبد الصمد: المؤسسات الدينية تخاف من الأسئلة والهرطقا




.. يهود متشددون يهاجمون سيارة وزير إسرائيلي خلال مظاهرة ضد التج


.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان




.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل