الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فوبيا الشعر و الثورة العربية

عماد مسعد محمد السبع

2011 / 5 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فى يوم 21 مارس الماضى – الذى خصصته اليونسكو يومآ عالميآ للشعر – تحدث الشاعر/ عبده وازن بأسى عن خفوت الصوت الشعرى فى واقعنا وأبدى حسرة من أن عالمنا العربى الذى طالما أعتبر الشعر فيه " ديوانآ للأمة " سقط الشعرمن أجندته هذا العام ولم يحتف به أحد من أبناء العرب .

اللافت أن الشاعر/عبده وازن بررهذا التراجع الشعرى" بالحدث الثورى المتلاحق وأنه لامكان للشعرلأن شباب العرب أصبحوا شعراءهذا العام ويكتبون فى الميداين والساحات أجمل القصائد والمدونات الشعرية " !.

لكن إلى أى مدى يمكن الإرتكان لهكذا تحليل لاسيما وأن الشعر يعد " رديف وصنو الثورة ", وكان دومآ - شأن أجناس الفن التقدمى-محفزآ للتغييرومحرضآ نحو ثورة الجمهورالإستباقيةومبشرآ واعدآ بها.

ذلك أن جوهرالمهمة الأصيلة للشعرهوتغييروعى الناس وفتح أفاقآجديدة أمام التحررالإنسانى, وعلى أن يكون هادمآ للقيم التقليدية وشاهدآ ضد فسادوظلم الوضع القائم ودافعآ نحو تجاوزه.

هذا التمرد الشعرى يختزن روحآ ثورية ,ويؤكد على العلاقة الآنيةوالحميمة بين ديوان الشعروهيكل الثورة . وسواء كان ذلك من ناحية الشكل الجمالى عندما يكون الشعررافعة لتغييرجذرى فى أسلوب ومدلولات وتكنيكات أستخدام الأبنية والمفردات اللغوية,أومن ناحية الموضوع عندما يتمثل مصائرالأفراد وينال من عملية تقديس وتصنيم تابوهات الواقع وأقانيم قمعه.

ويبدومؤلمآ أن تلك اللحظة الشعرية النموذجية لم يتحقق عبرأنتفاضة الجمهور فى مصروتونس وليبيا واليمن,وحيث لم يكن الشعررأس حربةلإستشراف وحى تلك اللحظة ودفقتهاوثورتها من بعيد .

نعم ,كانت هناك أبداعات جادة كديوان الشاعر " حسن طلب " ( عاش النشيد ) الذى كتبه على أثر الفوزالمزيف لمبارك فى أنتخابات الرئاسة المصرية والتى نشرت قصيدتيه " نشيد الحرية ومبروك مبارك " بالصحف القاهرية وتداولتا على نطاق واسع بالجامعات والأحزاب السياسية , وكان مبارك مايزال هناك فى حكم مصر بسلطانه وجبروته .

وتعدهذه" تجربة ابداعية فريدة " تنتمى للدورالأصيل للشعر,ولكنها لاتمثل تيارآ متعينآ داخل الحركة الشعرية المصرية كان يروم نقد الأبنية والمنظومات السياسية السلطوية ويأخذعلى عاتقه هتك شرعية وتجريح جودهاوشعارتها الكاذبة .

فى حين ردد البعض مقولة أن " مجرد أكتساح قصيدة النثر للمشهد الشعرى فى السنوات الأخيرة كان نبوءة على الثورة وحيث وقف النقاد حائرين أمام عن بلوغ مغزاها الباطنى العميق فى حينه " (جريدة أخبار الأدب المصرية – عدد 13 فبراير الماضى ) .

وفى الحقيقة فأن هذا المنتج الشعرى على أكتساحه كان موشومآ بالإبتساروالضبابية بوجه عام ,ولم يكن -بحسب تقييم الراسخين فى النقد الشعرى-الإ قناعآلتجارب كينونية وفردانية تنسج على منوال بعض خرائط الشعريات الغربية وأستعارتها اللغوية والمجازية وتمثل أنفصامآ شعوريآ عن معطيات الواقع المعاش.ومن هنا فأن مجرد حضور قصيدة النثرداخل مشهد الشعرالمعاصرلا يختزن دلالة الإنتفاضة,ولم يكن نزيرآ فى موسيقاه وايقاعاه وصوره وبنائه بمدد الثورة القائمة.

ثمة أسباب موضوعية تقف وراء غياب هذه البصيرة الإبداعية الطليعية لديوان الشعر العربى–والقصيد المرسل فى القلب منه –عن تمثل ملحمة التحركات الشعبية المتلاحقة وعن التبشير والإحتفاء الواجب بها – تتلخص فى النقاط التالية :

أولآ : الثابت أن الشعرلم يكن أستثناءآ من التدهورالفنى والقيمى العام الذى صاحب منظومة القهروالفساد السياسي التى شوهت عملية الإبداع والثقافة الجادة والمحترمة على مدار سنوات طويلة . فالسنن القمعية ونسيجها الديكتاتورى كانت تفرض قيودآ على حريات التعبيرالفنى وبما يجهض مستويات الإبداع الخلاق وتروج لخطاب ثقافوى وأيديولوجى يدعم الهيمنة السياسية ويبررشرعية بقاء النظام .

فالوعى السلطوى تجاه الشاعركان حاملآ لتناقض بين الرغبة فى أستبعاده وأحتقاره من جانب ,وبين محاولات أحتوائه وتدجينه داخل حظيرة المؤسسة الثقافيةوعباءة الحكم من جانب آخر.

فالشاعر-عند السلطة -يبدو مذنبآ وغيرمنتظر ومخيف وفى أحسن الحالات وصل صدفة ولا مكان له ,أوهو شاعر المؤسسة التى تقدم له الدولة الإغراءات والمنح والعطايا لتطبيع علاقتهابالجمهور وضبط البوصلة الشعرية على رؤى وهوى السلطان .

ومن هناعمدت السلطة لإفسادالحياة الفنية ولتجريف وتبوير الوعى بأهمية الشاعروحضوره ,ذلك أنها تدرك جيدآ أنه مفجرالأسئلة الجديدة التى تتجاوزوضعيات المسلمات والأعراف السائدة,وأنه متمرد وأنقلابى وخوارجى يكشف تناقضات ويقف ضد الظلم الإجتماعى والقهرالإنسانى .

ثانيآ : حصار ومطاردة فقهاء السلفية للإبداع الشعرى عامة والمرسل منه على وجه أخص . فمع صعود حركات الإسلام السياسى والسلفى مارس فقهاء هذا التياروصاية ورقابة دينية و أخلاقية على الإبداع الشعري .وحيث طال أنتاجهم المعروض عبر السوق الدينية فى شكل فتاوى ومواعظ وخطب ومقالات العديد من القصائد والشعراء , وبل ولجأوا لإستخدام الآلية القانونيةوالقضائية بهدف مهاجمة المنتج الشعرى . وكان أبرز تلك المواقع مصادرة جريدة " أبداع " التى حوت قصيدة " بعنوان " شرفة ليلى مراد " للسشاعر حلمى سالم -على سند من أنها تمس الذات الآلهية وتشجع على الغوايةوالفتنة .

الهجوم الدينى على الشعروالشعراء ليس بجديد ,لكن جديده أن فقهاء الظلام يحاولون حصار قصيدة النثر بأسلحة التكفيروالتقبيح ,والحلال والحرام لتحقيق أهداف بعينها يمكن ايجازها فى التالى :
1- أنها تحول دون التمكين لهذاالشعر التحررى داخل دائرة المجال العام,وحيث تسعى هذه التيارات من أجل تدينه والسيطرة عليه وتعبئة العوام تحت شعاراته الإسلاموية.

2-هى تدرك أن الشاعر/ الناثربلغته وبناءه وقيمه الجديدة قادرعلى تقويض سلطتها الرمزية والقيم الجوفاء الأخلاقية التى تتدثر بهاومن ثمة النيل من المصالح الإجتماعية والسياسية والدهرية الكامنةوراء منظوماتها الدينية والتأويليةوالتفسيرية.

3-أن هذا المنتج الشعرى يثيرالفتن الجمالية الحداثية ويتحدث بلسان الخروج على الصراط المستقيم الوضعية بالمعنى والدلالة والمجازومن ثمة فهوأكبرجاذب لتيارالتقدم والتنويروالتأمل -بما يخلقه من مساحات صمت وفراغ وانتفاضة حواس ورماد رغبات –وجميعها تنال من الهيكل الطقوسى واللغوى والقيمى المحافظ والرجعى لرافع راية السلفية.

ومن هنا فأن تراجع وانتكاسات قصيدة النثرعن تلبية جانب مؤثرمن أدوارها التحررية ناتج عن هذا الهجوم السلفى وعن تشويه شاعريتهاباعتباره هرطقة وزعزعةللإيمان وترويج للبدع والمستحدثات.

ثالثآ : ثمة أعطاب بنيوية يتعين الإعتراف بها تطال القصيد العربي - المرسل منه على وجه أخص -وتحول دون تمدده وتعبيره الخلاق عن طموح وآمال الجمهور. فتجربة هذا الشعرمازالت تعانى سمت الإستعارة والغموض الممتحل والرمز المكثف المفارق لواقع الإنسان العربى ومفرداته وبيئته. فضلآ عن أن المحاولات الخاصة بأثبات مرجعيته وجذوره لصلب الشعرية والثقافة الشعرية والسردية لم يتثنى لها النجاح حتى الآن .ومن هنا تظل تلك القصيدة عاجزة عن هتك تصاميم اللغةوالرموز والأساطيروالتابوهات السياسيةوالإجتماعيةوالدينيةالعربية.

هذه الأعطاب كانت ستجد طريقها نحو العلاج فى ظل درس نقدى أصيل ,ومناخ سياسى وأجتماعى ودينى قادرعلى أحتضان الشاعر بصفته فاتح للأبواب المغلقة وطارح للأسئلة الجريحةومثير للإضطرابات الجمالية والفكرية.

لكن لم يحدث هذا وظل الشعروالشعراء من مصدرى الرعب والخوف "للسلطة ورجال الدين والعامة"على حد سواء - وأصبح متنه وعموده الشعرى نص موت وضعى,أو حديث حياة وحوارذاتى لاعلاقة له بالعالم والمحيط .

الشاعرالعربى لم يكتب له المرورلطريق الثورة لأنه موصد أمامه منذ عقود طويلة , وكيف له بذلك وهناك " محتسب سلطوى ودينى وأجتماعى وأخلاقى "حاضرللإغارة عليه والتنقيب حول ضميره وصوره ومجازه ؟!.

جبال من الكراهية للقصائد ,وفوبيا من الشعراء ,وجمهود وماضوية تعتقل الشعر : هذه هى تضاريس اللحظة الشعرية العربية .

ولكن هل سينهارهذا الميراث مع التوحد الجديد بين فعل الثورة وبين عموده الشعر؟ وبين الفائض السياسى والشعورى والتعبوى بميدان التغييروتفعيلة الشاعرالمحاصرهناك منذ زمن ؟ وبين موسيقى الأمل التى يعزف لحنها شباب الثورة وديثرامب القصيد الذى عانى الوأد البلاغى والمجازى والمفاهيميى على مدارعقود طويلة ؟ .
عماد مسعد محمد السبع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز


.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية




.. الخلود بين الدين والعلم


.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل




.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي