الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الله لا يحب العبيد

واثق غازي عبدالنبي

2011 / 5 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يقول برنارد شو: (يولد الإنسان حراً ولكنك في كل مكان تجده مكبلاً بالقيود). لطالما أثارت هذه المقولة في نفسي التساؤل: هل حقاً يولد الإنسان حراً؟ لا أعتقد ذلك.. فالإنسان لا يملك حق اختيار زمان ومكان ولادته، وهو أيضاً لا يملك حق اختيار أسرته، أبويه وإخوته وأقاربه، والذين قد يكونون مصدراً لسعادته أو شقائه، والنتيجة لكل هذا هو أن يكون الانسان مقيداً بقيود المحيطين به وبزمانهم ومكانهم. لربما كان برنارد شو يقصد بالحرية التي يولد بها الإنسان هو عدم امتلاك المولود لعقيدة ما، ولكن بمرور السنوات يتلقى عقيدته وآراءه من محيطة الذي يكبله بالقيود، إذا كان المقصود هذا فنحن نتفق مع برنارد شو كل الاتفاق.

لا يكتفي المحيطون بالمولود الجديد، الذي اصبح حبيس مكان وزمان واسرة، بهذه القيود بل يسعون إلى اضافة قيود جديدة له ابرزها اسمه وديانته. فعندما يولد الإنسان يُلصق به اسمه دون أن يختاره، وتُلصق به ديانته دون أن يكون له أدنى اختيار لها، ولا يحق له حتى أن يغيرها إذا شاء ذلك، لأنه في هذه الحالة يصبح مرتداً، وبالطبع المرتد يجوز قتله!! أي حرية هذه التي يولد بها الإنسان. اعتقد أن المقولة أعلاه ليست دقيقة، فالأصح في نظري هي أن تكون العبارة بالشكل التالي: (يولد الإنسان مكبلاً بالقيود، وتضاف أليه فيما بعد المزيد من القيود).

كم هو مسكين هذا الإنسان، فقيد الطبيعة يلاحقه، وقيد التاريخ يلف عنقه، وقيد المجتمع يكبل يديه ورجليه، وقيد الذات يعتصر قلبه وروحه. إنها القيود الاربعة الأزلية (الطبيعة، التاريخ، المجتمع، الذات) التي إذا لم يستطع أن يكسرها الإنسان خلال سنوات عيشه القليلة على هذه الأرض فأنه لن يصبح إنساناً حقيقياً أبداً. الحياة تعبير آخر عن القيود، ولكن الهدف منها هو أن يحياها الإنسان، ليس لكي يستسلم لها بل لكي يحطم ما فيها من قيود.

إذا أراد الإنسان أن يتحرر من القيود الازلية الاربعة عليه أن يعيد النظر في كل حياته من أول يوم ولد فيه إلى اللحظة التي يعيشها الآن. ولكي تكون إعادة النظر هذه مجدية عليه أن يشك أولاً في كل قضية حتى تثبت صحتها. وعليه ايضاً أن يطرح التساؤلات، والتي من ابرزها: من أوجدني؟ ولماذا أنا موجود؟ وماذا بعد وجودي؟. وهناك أسئلة مهمة أخرى، لمن يعيشون في دوامة الدين واحتكار الحقيقة، أرى أنها أسئلة قد تساعدهم على كسر قيود أحتكار الحقيقة، وتنقلهم إلى مستوى تقبل الآخر واحترامه ومحبته، لعل أهمها السؤال التالي: هل وجد الدين لخدمتي أم وجدت أنا لخدمته؟ إذا أدركت أن الإنسان هو أقدس المقدسات، وأن كل المقدسات الأخرى وجدت لأجله، ولم يوجد هو لأجلها، تكون قد كسرت أول وأصعب قيد.

إذا كنت ممن يعتقدون بوجود الله، وإذا كنت ممن يريدون أن يبنوا علاقة جيدة معه، فعليك أن تكون حراُ أولاً.. لأن الله لا يحب العبيد. والعبودية التي نقصدها هي الاستسلام لكل قيود الحياة، قيد الطبيعة، وقيد التاريخ، وقيد المجتمع، وقيد الذات. إن النتيجة الحتمية لاستسلام الانسان إلى هذه القيود، هي أن يتحول الإنسان إلى عبد، وبالتالي يخسر علاقته مع الله، لأن الله لا يحب العبيد كما ذكرنا، ولكن الكثير منا عبيد لأنهم استسلموا لأعراف وعادات وتقاليد قبائلهم وعشائرهم، كما استسلموا إلى أفكار وآراء رجال دينهم، وهذا الاستسلام جعلهم عبيداً لها، وبالتالي فقدوا علاقتهم الحقيقة مع الله، لأنه لا يوجد أحد قادر أن يأخذك إلى الله ما لم تشأ أنت الوصول إليه.

إن سر نجاح علاقة الإنسان مع الله يكمن في عدم تعارض هذه العلاقة مع نمو بقية العلاقات والتي هي: علاقة الإنسان مع نفسه، وعلاقته مع أخيه الإنسان، وعلاقته مع الطبيعة. فعادة ما تكون العلاقة مع الله، كما رسمها لنا رجال الدين، عائقاً في تنظيم علاقاتنا مع انفسنا والاخرين والطبيعة. فرجال الدين يرون أن العلاقة السليمة مع الله تتأتى عن طريق سحق الذات ورغباتها حتى اكثرها تجذراً بحجج واهية ونصوص لا تستند إلى الدين. كما انهم بتعاليهم الخاطئة يسيئون إلى علاقة الإنسان مع أخيه الإنسان عن طريق وصف الآخرين المخالفين لنا في العقيدة بالكفار والمشركين والانجاس وغير ذلك من الاوصاف. ونجدهم ايضاً يعيقون تنظيم علاقة الإنسان مع الطبيعة وذلك بوقوفهم الدائم ضد المفاهيم والنظريات العليمة بحجة انها لا تنسجم مع النصوص الدينية المقدسة. ولعل هذا ما يفسر لنا سر إبتعاد الكثير من الناس، وخصوصاً الشباب، عن الدين الذي اصبحت يُعيق تنظيم علاقاتهم مع انفسهم والاخرين والطبيعة.

ختاماً نقول: إن من يعترف بوجود الله، ويريد أن ينظم علاقة طيبه معه، عليه أن يتحرر أولاً من قيود الطبيعة، والتاريخ، والمجتمع، والذات. هل يتقبل الله صلاة احدنا إذا كان يصليها لأجل أرضاء والديه؟ وهل يقبل منا الصيام إذا كنا نصومه لأجل أرضاء الآخرين؟ فكما أن الله لا يعاقبنا إذا عملنا السوء مكرهين فأنه كذلك لا يثيبنا إذا عملنا الخير مرغمين. هل يعتقد رجال الدين أنهم إذا أرغمونا على السير على ما يرونه هم صالحاً، جعلونا أكثر قرباً من الله؟، لا اضن ذلك.. فالقرب من الله لا يأتي بدفع الإنسان إلى الله بل بالاختيار المحظ في السير في هذا الطريق. لا أكراه في علاقة الإنسان مع الله، لأن الله لا يحب المُكرهين، ولا يحب أن يلقى أحداً منا وهو مكبل بالقيود. الله يحبنا ويستقبلنا إذا جئناه بلا قيود، لأن الله لا يحب العبيد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية إلى : واثق غازي عبد النبي
أحـمـد بـسـمـار ( 2011 / 5 / 20 - 20:03 )
مـقـال شـجـاع...
وأكثر من شجاع...
مقال يصور واقعنا وحياتنا وتشريعاتنا وقوانيننا وعاداتنا وتقاليدنا, التي لم تترك لنا أي خيار من يوم مولدنا حتى مماتنا.. كما أنها لم تترك للإنسان من شعوبنا أي خيار..كما أنها لم تترك لشعوبنا ممارسة أي نوع من أنواع الحرية والديمقراطية من خمسة عشر قرن حتى هذا المساء.
أو لم يعلمنا ديننا ومشايخنا وتجار فتاوينا كل هذه القرون, أن نطيع الله وأولي الأمر منا؟؟؟.. وهل نستطيع اليوم إطاعة أولي الأمر منا, بعد كل طغيانهم وفسادهم؟... لنسمع عقلنا إذن...
يا سيد واثق غازي عبد النبي لك كل تأييدي..
وأطيب تحية مهذبة.
أحمد بسمار مواطن عادي بلاد الحرية الواسعة



2 - تناقض
فؤاده القيسي ( 2011 / 5 / 21 - 12:37 )
تحياتي استاذ واثق
ويقول برناردشو اذا لم تكن لك عينان واردت ان تنظر واصررت على محاولة النظر وجدت لك عينان واذا كانت لك عينان واردت كما ارادت السمكه ان تعيش تحت الماء الا تنظر فقدت عيناك , بمعنى ان لا نلوم يوما ظروفنا علينا ان نسعى لخلق ظروفنا لا نستسلم لها .
تحياتي مره اخرى لك عزيزي


3 - حوار مع صديق
عمر عبدالستار ( 2011 / 5 / 22 - 04:31 )
لدي صديق طيب ومتعلم وهو يدرس الدكتوراه الان ولكنه لم يقرء بحياته اي كتاب بالدين وان جميع المعلومات التي يعرفها عن الدين تلقاها سماعيا عن طريق رجال الدين وما يسمى بالخطب والمحاضرات الدينية
قال لي في احدى المرات انه يبغض احد الرموز الدينية اشد البغض (احد الخلفاء الاربعة) لان هذا الخليفة هو السبب الرئيسي في انحراف الدين عن المسيرة الصحيحة فقلت له لكن هناك مئات الملايين من الناس لايرون ذلك فقال لانهم على باطل فقلت هل يعقل ان يكون مئات الملايين على باطل استدرك قائلا ان رجال دينهم على باطل وهم جهلة يتبعون رجال الدين فقلت وما الحل لهم قال يجب ان يقرأوا ليعرفوا الحقيقة فقلت لكنك لم تقرأ يوما فكيف وصلت الى الحقيقة قال لانها واضحة كالشمس فقلت لماذا اذن تطالب هؤلاء الجهلة بالقراءة اذا كانت الحقيقة واضحة كالشمس فتهرب صديقي من الإجابة بدون ان يشعر وعاد الى بداية الحوار وبدء يسرد لي ماقام به هذا الخليفة من امور سيئة للدين
صديقي هذا هو نموذج لمئات الملايين من البشر المكبلين بقيود الدين فجميعهم يرون الامور بنفس الطريقة
ارجو ان تخصص يوما مقالة عن هذه الظاهرة السايكولوجية التي يعاني منها العقل البشر

اخر الافلام

.. زفة الأيقونة بالزغاريد.. أقباط مصر يحتفلون بقداس عيد القيامة


.. عظة الأحد - القس باسيليوس جرجس: شفاعة المسيح شفاعة كفارية




.. عظة الأحد - القس باسيليوس جرجس: المسيح متواجد معنا في كل مكا


.. بدايات ونهايات حضارات وادي الرافدين




.. شاهد: المسيحيون الأرثوذوكس يحتفلون بـ-سبت النور- في روسيا