الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحاضر مفتاح الماضي

واثق غازي عبدالنبي

2011 / 5 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


على الرغم من معرفتنا الجيدة به، ومعاصرتنا له، إلا أننا اختلفنا فيه، فبعضنا يقول أنه ديكتاتور وطاغية وسفاح ومجرم، ويقول بعضنا الآخر أنه مناضل ورمز وزعيم. بعضنا يلعنه كل يوم عشرات المرات وينسب إلية كل الرذائل، وبعضنا الآخر يترحم عليه كل يوم عشرات المرات وينسب إليه كل الفضائل. إنه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين (1938 – 2006). إن موقف المسلمين اليوم من صدام حسين هو أشبه ما يكون بموقفهم من معاوية أبن أبي سفيان الذي إذا ذكره بعض أهل السنة قالوا (رضي الله عنه) وإذا ذكره بعض أهل الشيعة قالوا (لعنة الله عليه)!!. ومن الجدير بالذكر أن ما يقال عن صدام حسين يمكن أن يُقال أيضاً عن عدد من الزعماء العرب أمثال: جمال عبدالناصر، وأنور السادات، وعبدالكريم قاسم وغيرهم الكثير. وما نريد قوله بهذا الخصوص قضيتان هما:

القضية الأولى:
إذا كان هذا هو حالنا مع شخصيات معاصرة فكيف بنا مع شخصيات التاريخ الغابرة؟ إذا اختلفنا هذا الاختلاف الكبير، بل والمتناقض، حول شخصية عرفها العراقيون والعرب أكثر من ثلاثة عقود، أفلا نختلف حول شخصيات مضى عليها عشرات القرون؟ وهل سوف نثق بما نقله التاريخ لنا؟ هل سوف نصدق ما نقرأه في كتب التاريخ عن فضل وقدسية هذه الشخصية وحقارة ودناءة تلك الشخصية؟. وسوف نكون مجبرين على التساؤل: هل أن صلاح الدين الأيوبي مثلاً، شخصية فاضلة حقاً كما يصفها لنا التاريخ؟ وهل أن عمر المختار هو المجاهد العظيم الذي استشهد فداءً لوطنه ليبيا؟ لماذا لا يكون عمر المختار مثل زعماء الجهاد في العراق، من السنة والشيعة، الذين يسفكون دماء العراقيين قبل دماء المحتلين؟. هذه تساؤلات أرى انه من الضروري أن نطرحها على أنفسنا قبل أن نقول بفضل أي شخصية تاريخية مهما علت مكانتها بيننا، وذلك لأن الذين كتبوا التاريخ ربما كذبوا علينا مثلما يكذب علينا رجال الإعلام اليوم، ولأن ما كتبوه قد يكون وجهات نظرهم التي يعتقدون أنها صائبة، أو كانت صائبة في زمانهم، وأننا اليوم غير ملزمين بقبولها.

القضية الثانية:
ما هي الدوافع التي تجعل الناس يختلفون في تقيمهم لشخصية ما؟ ما الذي يجعل البعض يصفها بأنها خيرة والبعض الآخر يصفها بأنها شريرة؟. أول ما يمكن قوله بهذا الخصوص هو أن هذه الدوافع متشابهة قديماً وحديثاً. وأنها عادة ترتبط بنقطتين هما: أولاً، مقدار انتفاعنا بهذه الشخصية. وثانياً، مقدار اقترابها من صورة النجاح التي نرسمها لأنفسنا وللآخرين. فإذا انتفعنا من شخصية ما وصفناها بصفات الحسن والكمال، أما إذا أصابنا ضرراً منها وصفناها بالسوء والنقصان. وإذا اقتربت هذه الشخصية من صورة النجاح التي رسمناها في أذهاننا وصفناها بالنجاح حتى ولو كانت هذه الصورة غير صائبة، بمعنى أن يكون مقياسنا عن النجاح خاطئ بالأساس. هاتان النقطتان، النفع ومقياس النجاح، هما المسئولان في نظرنا عن اختلاف أحكام الناس عن الشخصية الواحدة، أما أولئك الذين يدّعون أنهم يبحثون عن الحق والحقيقة فهم عادةً واهمون.

إذا أردنا أن ندرس التاريخ فعلينا أن ندرس الحاضر أولاً. علينا أن نعرف كيف نحكم على شخصيات الحاضر بمقاييس الحاضر، حتى نتعلم كيف نحكم على شخصيات الماضي بمقاييس الماضي. إذا كانت أحكامنا متناقضة ومتضاربة ومشوشة حول شخصيات معاصرة، فمن الطبيعي أن تكون أحكامنا عن شخصيات التاريخ متناقضة ومشوشة ومتضاربة أيضاً. لذلك أرى أنه من واجبنا أن نجد مقاييس أخرى للحكم على أشخاص الحاضر تختلف عن تلك التي استُخدمت من قبل المؤرخين في الحكم على شخصيات الماضي، لأن الحاضر يختلف عن الماضي، فما كان صالحاً ونافعاً لدى السابقون ليس بالضرورة أن يكون كذلك لدى المعاصرون. وأخيراً، علينا أن لا نحكم بصلاح أو طلاح أي شخصية تاريخية دون أن نشك بصحة ما نُقل عنها في كتب التاريخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اضافة على المقال
عمر عبدالستار ( 2011 / 5 / 22 - 18:41 )
نعم سيدي العزيز. نحن نرى الأمور بالطريقة التي تناسب خلفياتنا الدينية والعقائدية والسياسية ولا نرى الجانب السيئ من الاشياء التي نؤمن بها. طبعا كل انسان له صفات حميدة وصفات رذيلة ولا يمكن ان ندعي ان الانسان الجيد هو جيد في كل شيء والسيئ هو سيئ بكل شيء فالرئيس (الراحل او المقبور اختر ماشئت) صدام حسين لديه صفات جيدة وسيئة كونه بشر ونحن ننظر الى صفاته تبعا لخلفياتنا فتجد شخصا لايرى الا صفاته الجيدة وآخر لايرى الا الى صفاته السيئة وذلك تبعا لدوافعه السياسية والعقائدية.
بالنسبة للرموز التأريخية فنحن نقيمهم بنفس الاسلوب لكن الفارق هو ان المعلومات التي تردنا عنهم لايمكن الوثوق بدقتها واذا اردنا ان نستخدم المقاييس المعتمدة في تقييم البشر فسنجد نتائج متناقضة في تحليل الشخصية ذاتها بسبب ان التأريخ ينقل لنا روايات واحداث متناقضة عن هذه الشخصية وبالتالي نضطر الى استبعاد احدى الروايات التأريخية واعتماد اخرى لغرض الوصول الى نتيجة واحدة وهذا ايضا غير دقيق كوننا سنستخدم خلفياتنا العقائدية في تحديد صحة رواية واهمال اخرى
المحصلة النهائية اني اعتقد ان الرموز التأريخية ستضل محل جدل عقيم الى اجل غير مسمى

اخر الافلام

.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي


.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ




.. المسيحيون الأرثوذوكس يحيون عيد الفصح وسط احتفالات طغت عليها


.. فتوى تثير الجدل حول استخدام بصمة المتوفى لفتح هاتفه النقال




.. المسيحيون الأرثوذكس يحتفلون بعيد الفصح في غزة