الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحياة هي الوجدان

واثق غازي عبدالنبي

2011 / 5 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يُعدُ حياً كل من له شهادة ميلاد وليس له شهادة وفاة، ولكن هل نحيا جميعاً بنفس القدر؟ أرى أننا نحيا بمستويات مختلفة، فمنا من يحيا حياة كاملة ومنا من لا يحيا على الإطلاق، ومنا من يحيا كالأموات. وما يميز بين مستويات الحياة هو في نظرنا مقدار الوجدان الذي يملكه كل واحد منا، فمن يملك وجداناً أقل يحيا بنسبة أقل ومن يملك وجداناً أكثر يحيا بنسبة أكثر. والوجدان الذي نقصده هو العاطفة الواعية الشاملة، وليست العاطفة الجاهلة الضيقة. الوجدان هو الاهتمام المعرفي بكل شؤون الإنسان والحياة. أن يكون لك وجدان بشري معناه أن يكون لك اهتمام معرفي وعاطفي بكل إنسان على هذه الأرض، أما إذا اقتصر اهتمامك بنفسك وأسرتك وطائفتك وحزبك وجماعتك وغير ذلك من المسميات، فاعلم أنك تعاني من نقص في الوجدان.

إذا كان الوجدان البشري يهتم بالإنسان فان الوجدان العالمي يهتم بكل المخلوقات، وهذا ما نحتاج إليه. فالوجدان البشري لم يعد كافياً لبقاء الحياة واستمرارها. فمن يهتم بالإنسان على حساب الحيوان والنبات يسيء إلى الحياة. والوجدان العالمي أوسع من الوجدان البشري، لأن الوجدان العالمي يشتمل ضمناً على الوجدان البشري.

يعيش الحيوان في حياة أضيق، لأن وجدانه أضيق. فهو لا يدرك من الحياة غير حاجاته التي تعينه على البقاء، الطعام والجنس والتنازع. والمحزن حقاً هو وجود بشر لا يرغبون بأكثر من حياة الحيوان. فهناك من لا يملك أكثر من وجدان أسرته التي ولد فيها، فهو يتحمس لها ويدور في فلكها. وهناك من لا يملك أكثر من وجدان قبيلته أو عشيرته التي ينتمي أليها، لذلك تجده يتعصب لها ويدافع عنها، فيغضب لغضبها ويرضى لرضاها. وقد تزداد دائرة الوجدان قليلاً فتجدها تشمل المقاطعة أو الإقليم أو المحافظة، ولربما تزداد فتشمل الوطن بأكمله، ولكن حتى هذا الوجدان ناقص، فهناك وجدان اكبر من ذلك هو وجدان العالم بأسره. والسؤال هو كم من البشر يملكون هذا الوجدان؟ بمعنى كم من البشر يعملون لصالح الجميع؟ وعندما نقول الجميع نقصد كل ما في الأرض والعالم، من إنسان وحيوان ونبات وجماد. هل يوجد مثل هذا الإنسان؟ أم أن هناك وجدانات ضيقة تدور حول القبيلة أو الدين أو المعتقد؟

من لا يعيش بوجدان عالمي لا يمكن له أن يحيا حياة كاملة، قد يتسنى له أن يحيا حياة الأسرة أو حياة القبيلة أو حياة الطائفة أو حياة المعتقد والدين، ولكن لا يمكن له أن يحيا الحياة الإنسانية. الحياة الكاملة هي حياة الوجدان الكامل والوعي الكامل والإحساس الكامل، وإذا لم نستطع أن نحيا هذه الحياة، فيكفينا شرف المحاولة للوصول أليها. وأكبر مشاكلنا كبشر هي عدم سعينا لتفهم الآخر المخالف لنا، لذلك لا يزداد ويعينا ولا يكتمل وجداننا.

قد تكون المعلومات نافعة في زيادة وجداننا ولكنها ليست كذلك دائماً. فكم هم أولئك الذين يملكون معارف غزيرة دون أن يكون لهم وجدان أوسع من نطاق قبيلتهم أو مذهبهم أو طائفتهم. فرجال الدين الذين يدعون امتلاك علوم الكتب السماوية ويحرضون على كراهية الآخر المخالف يعانون من نقص الوجدان. وكذلك الحال مع رجال السياسة الذين يعتقدون أن الحق هو إطعام شعوبهم على حساب الشعوب الأخرى الضعيفة.

الوجدان العالمي هو الحياة والسعادة والشرف والعظمة، ومن ليس له مثل هذا الوجدان ليس له مثل هذه الصفات، يقول سلامة موسى: (السعادة هي الوجدان، بل كذلك العظمة، فأعظم الناس هو أكثرهم وجداناً، مثال ذلك غاندي.. وجدانه هو الوجدان البشري، ووطنه هو العالم).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الطوائف المسيحية الشرقية تحتفل بأحد القيامة


.. احتفال نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل من الإخوة المسيحيين بقدا




.. صلوات ودعوات .. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسي


.. زفة الأيقونة بالزغاريد.. أقباط مصر يحتفلون بقداس عيد القيامة




.. عظة الأحد - القس باسيليوس جرجس: شفاعة المسيح شفاعة كفارية