الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صور من المعركة .. سيدتا اللوحة والحزن

شذى احمد

2011 / 5 / 23
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


صور من المعركة

سيدتا اللوحة والحزن

(( عندما كنا مواطنين بدرجة مرعوب كنا نعيش زمن الحرب. يعرضون لنا على شاشات التلفاز صورا لقتلى .كانت الصور صامتة . لا تقل لنا ولا نقل عنها شيئا كنا نحدق بها وهي تحمل عنوان صور من المعركة .. كانت معركة طويلة واحدة تدور في جبهات بعيدة.تحرقنا بشظاياها، وتخطف خيرة رجالنا... مضى زمانها وانتهت . كبرنا صرنا بدرجة مذهول ولم يعد التلفاز يعرض علينا صورا صامتة لقتلى فحسب بل صارت تصاحبها كل الوسائل المساعدة من صراخ وعويل وتصريحات تعددت جبهاتها لكن غايتها ظلت واحدة تريد حياتنا. لتلقي بجثث أيامنا على قارعة العبث كل يوم ))

عن بغداد بدايات القرن العشرين
سيدة اللوحة المضيئة
الصورة الأولى
جلست تقص على مضيفها رحلة السنوات. هناك عندما كانت بغداد عاصمة الرشيد تنفض عنها في ثلاثينيات القرن الماضي غبار الاستعمار الحديث وتخطو نحو المستقبل بثقة وكفاءة. تابعها أبوها بعين المحب الفخور خطوة خطوة. كلما لمح فيها ميلا لفن و رغبة لهواية سارع لرعايتها كأنها برعم في بستانه. رآها تعشق الشعر فهرع ليحضر أستاذا يعلمها بحوره. وعشقت الموسيقى فسارع لتعليمها العزف. وتنوعت هواياتها ولم يمل في رعايتها.


بلاد الرافدين بدايات القرن الواحد والعشرين
سيدة الحزن
الصورة الثانية
تجلس منزوية . تتوشح السواد لا يشغل وقتها إلا القلق والخوف على صغارها. ورجلها الذي خرج لتوه مخافة أن يغيبه الموت المتربص بالعراقيين في الطرقات. بارود يحرق كل الطرقات والبنايات والمقاهي ويغلف الأرصفة بالدم القاني ويختلط بمياه الشوارع الآسنة فيترك الجثث صامتة تنتظر الجزعين ليزيحوها بانتظار جثث أخرى لتحل محلها.




بغداد منتصف القرن العشرين
سيدة اللوحة المضيئة
الصورة الثالثة
عشقت اللون والفرشاة وراحت تصنع لوحاتها. اختارت اسطواناتها لتعبئها باللون ، تتقدم للدراسة الأكاديمية فيكسر أستاذها اسطواناتها ويدعوها لتعلم الفن بجد. تغضب وتقرر ترك الفن ونسيانه. يعود أبوها لثنيها عن عزمها ويؤكد لها بان الأستاذ على حق .. الم يقولوا امشي وراء الذي يبكيك، بدموعك ستتعلمين. لم يجزع من الإيمان بقدرتها وإمكانية بناء مستقبلها. فتاة مبدعة تحقق طموحها ويخلي مسؤوليته في تربيتها على أتم وجه.

بلاد الرافدين بداية القرن الواحد والعشرين
سيدة الحزن
الصورة الرابعة

لم يعد للون وبهجته اثر في مظهرها. صار التيار الديني السيد المتحكم بالمشهد . بعضهم يؤكد حقيقة استمرار السياسة القديمة للرئيس العراقي السابق صدام حسين عندما تحول في أخر فترات حكمه إلى متدين رافعا شعار الحملة الإيمانية. لكن العراق اليوم تحكمه التيارات الدينية بكل أطيافها من كلا المذهبين الشيعي والسني وكلها تشترك في بقاء سلطة التحكم بمظهر المرأة وحجابها في يده حفاظا على هيبتها ـ بالطبع التيارات وليس المقصود المرأة ـ وتحقيقا لبرامجها وأجنداتها وان اختلفت من مذهب لأخر.
في الحضانة تعلم كيف تستحضر وتعد لمواكب العزاء على أرواح الأئمة الخالدين ، وتلقن بإتقان اللطم وترديد الأناشيد الدينية. الموسيقى والشعر والغناء والفن ربما لا يجدر بها تعلمهم .فهي للسلفيين السنة فسادا وكفر وللشيعة لعله حرام إلا الذي يكتب أو يعد في حب أل البيت.


سيدة اللوحة المضيئة
عواصم العالم المتقدم ستينات القرن العشرين
الصورة الخامسة

تتبختر في ألوانها المنتشرة ببذخ على لوحاتها. والتي صبغت ثيابها تنتقل من عاصمة لأخرى ، تذكر بضم التاء ببغداد وحكاياتها أو كما يسميها الألمان بلاد الصباح التي تشرق فيها الشمس كل يوم بلا كلل. وتغريهم لزيارتها وتحفز خيال كتابها وعباقرتها في استلهام روائع الأدب من قصصها و أسرارها وسحرها الذي لا ينضب. تتحدث سيدة اللوحة بثقة وفصاحة وتتسع لها العيون إعجابا و أكبارا ودهشة.



بلاد العالم بدايات القرن الواحد والعشرين
سيدة الحزن
الصورة السادسة
عواصم العالم تتردد في استقبالها. ثيابها الرثة ، أو التي عفرها تراب السفر في رحلة مرهقة كانت بها مختبئة في سيارة نقل قديمة أم زاوية مجهولة من مركب اخذ منها كل مدخراتها التي قايضت بها بيتها وتاريخها وممتلكاتها في العراق لتنفذ بصغارها من الموت والدمار . تتطلع الوجوه فيها بلا مبالاة واستنكاف، ثم بكثير من التبرم لثقل حضورها وحسرة على الحدود التي لم تحرس جيدا لتتمكن هي وصغارها من التسلل إلى داخل البلاد ،ثم تجبرهم بعد ذلك على استقبالها والتعامل معها كواقع حال.

بغداد منتصف الخمسينات
سيدة اللوحة المضيئة
الصورة السابعة
تجلس الفنانة وقد اكتملت لوحتها تلقي عليها نظرة المتوجس الباحث عن الأفضل. يقاطعها صوت بنعومة ليعرض عليها شريك عمر تقدم للزواج منها. تجيب بهدوء يوازي ذاك الذي تشرع فيه لرسم لوحة جديدة. لا مانع لدي اسألوا عنه فان وثقتم به فسأتزوجه.

عواصم عربية بدايات القرن الواحد والعشرين
سيدة الحزن
الصورة الثامنة
منكمشة تتنازعها الوساوس وتخاف طرقات الأبواب ، غاب السند ذبح بسكين مجهول الهوية ظلت وحيدة، رضيت بأحقر الأعمال دون بيع كرامتها، وباجر زهيد لكن حسنها ونضارتها ظلتا تطاردهما الضباع، لو تمكنت من إيجاد المعين والسند ليؤمن لها طرق الصباح ، ويسكن عنها وحشة الليل. لا احد يكترث بها والألسنة تلوك صبرها ، وتبتكر خرافات لزجة لتعلق بها أقدامها الحافية.

بغداد العقد الأول من القرن الواحد والعشرين
سيدة اللوحة المضيئة
اللوحة التاسعة

تتوكأ على هاجسها، ورصيدها من الحب أودعته مدينتها التي تربت وترعرعت فيها ، نخيلها وعطر أزهارها. مآذنها، و أجراس كنائسها، أسواقها ، طرقاتها، صباياها، حسانها، والجدية التي تخفي طيبة رجالها، شلالات التسامح والمحبة بين أبنائها، مروءة أناسها، أزقتها ، أبوابها ، قشلتها، متاحفها، كتبها ،ومكتباتها العتيقة، باعتها، وسائقي أجرتها..... تقدمت لشراء بعض الفاكهة أرادت انتقاء فاكهتها وتبادل أطراف الحديث مع البائع صرخ بها معنفاً. ارتجفت كالعصفور معتذرة... آسفة آسفة غلفها الإحباط . أين أنت بغدادي التي حلمت وعشت فيها
أين مسارحك ودور السينما التي كنا نرتدي لعروضها أجمل ملابسنا ، وكان الشباب الشهم المهذب ينبري لشراء تذاكر للنساء واحترام صفوفهن وعدم الإخلال بالأدب العام ولا بهندامهم المميز عند حضورهم كل عرض .. حزمت حقيبتها من جديد بيد ترتعش محدقة في فضاء لوحتها الشاسع بأي الألوان سترسمه عن ماذا ستتحدث لوحتها القادمة.

ملاحظة: طويلة وزاخرة قائمة الرائدات والمتميزات من الفنانات العراقيات والتشكيليات على وجه الخصوص، واللوحات المأخوذة من معارض الفنانة الرائدة وداد الاورفه لي. وعلها تتقاسم نفس الملامح والألوان ،والمواضيع مع صويحباتها من الفنانات وتلتقي معهن في الخطوط العريضة فهي عن واحدة في الكل . أو عن كل تؤدي دوره واحدة.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ذات يوم ... ستشرق شمسنا ، وستفتح كل الأبواب
الحكيم البابلي ( 2011 / 5 / 23 - 19:39 )
السيدة د. شذى أحمد
لنزار قباني ديوان بعنوان (الرسمُ بالكلمات) وهو يُليق بمقالك أو انينك الخافت الذي يسمعه كل من له حواس وبقية ضمير في زمننا العاهر اليوم
الصور التي رسمتيها عبر كلماتك تُعَبِر عن قصصنا نحن المنكوبين في حياتنا ووطننا ولا يهم ذكراً كُنا أم أنثى ، فليس للحرائق عيون تميز بها نوع وعمر وجنس ولون الضحية
أحسستُ إنها قصتي ، وقصة إبن عمي ، وجاري العراقي ، وزميلتي في النادي ، وأختي التي أراها كل خمسة أعوام كوننا نسكن قارات متباعدات
هو نحيب الطيبين المغلوبين على أمرهم
أتذكر جيداً وبكل نقاء وصفاء أبناء وبنات بلادي ، وكيف كانوا يتفتحون ويملآون الوطن بكل أنواع العلوم والفنون والإبداعات والمواهب والزهور، لكن مسوخ المجتمع وزبالته من العسكر والبدو وأرباع المثقفين واصحاب العقد النفسية الذين لم يستطيعوا الإرتقاء لقامات الآخرين ، بددوا ذلك الحلم الإنساني الجميل ، وإستكثروه علينا
أبكي معكِ سيدتي وطناً مثخن الجراح ، جريمته أنه أراد الإرتقاء بمُخلِصْيه إلى مستوى العالم المتحضر ، ولكن ... يأبى إناء البعض إلا أن ينضح بما فيه
في زمنٍ ما سينهض طائر الفينيق من وسط الرماد ، سياتي ذلك
تحياتي


2 - د. شذى الصديقة الغالية
مرثا فرنسيس ( 2011 / 5 / 23 - 23:27 )
افتقدتك كثيرا صديقتي الجميلة
لوحات معبرة رغم الحزن، ولكني اتفق مع الفاضل الحكيم البابلي ستشرق شمسنا وستنفتح الابواب، ويشرق فجر السلام والحب من جديد
محبتي وتقديري


3 - الصديق الحكيم البابلي
شذى احمد ( 2011 / 5 / 25 - 15:59 )
في زمنٍ ما سينهض طائر الفينيق من وسط الرماد ، سياتي ذلك
اليوم

معا نعلل النفس بالامال نرقبها ونؤمن بان العيش يضيق لولا فسحة الامل. واشاطرك الرأي ايها الحكيم باننا عندما نكتب فانما نمنح للكتابة بعض استحقاقاتها وللوطن بعضه لمحبينا وشعبنا بعض ونبقي البعض لانفسنا كي تبقى ارواحنا تنشد النقاء ولا يعفرها غبار المراوغة والنفاق والتدليس الذي يمارس في زمن الازمات وبكائنا بعض هذا البحث عن النقاء او كما تفضلت قائلا
أبكي معكِ سيدتي وطناً مثخن الجراح ، جريمته أنه أراد الإرتقاء بمُخلِصْيه إلى مستوى العالم المتحضر ، ولكن ... يأبى إناء البعض إلا أن ينضح بما فيه
دم لبابل حكيمها


4 - قمر النيل مرثا
شذى احمد ( 2011 / 5 / 25 - 16:04 )
كيف انت ايتها الجميلة التي تعمل في وقت الحرب والسلم مندوبا مخلصا للمسيح ولمحبته التي ملأت صفحتها وكلماتها.. علمك حبك الذي تسطريه بان الالم ضروري لنقاء الروح وادعوك لكي تواسي العراقيات اخواتك بالكلمات والمحبة فجراحهن ومصابهن ونكبتهن كبيرة بحجم العراق الذي يعيث فيه المخربون فسادا. صديقتي اتمنى لك دوام المحبة

اخر الافلام

.. زمزم سعيد نجيبة نازحة من بلدة بيت ليف وأم لخمسة أطفال


.. فاطمة حسين عباس نازحة من بلدة عيترون الحدودية




.. مجلة آفاق المرأة عام من العمل وتجارب مختلفة ومتنوعة


.. فيلم برفين نضال أم وابنتها




.. محافظا الجيزة والمنوفية يتفقدان مكان حادث سقوط ميكروباص الفت