الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدنيا على مقاس -سلفي-

شريف صالح

2011 / 5 / 24
المجتمع المدني




"الدنيا على مقاس "سلفي" لا تساوي جناح بعوضة ولو كانت تساوي ما سقى الله الكافر منها شربة ماء"!
ارتدى "السلفي" جلابيته البيضاء، القصيرة، وتحتها سروال قطني قصير، والطاقية البيضاء، و وضع السواك على زاوية فمه والمصحف في جيبه العلوي ثم وقف على جانب الطريق وشرد لحظات: ما حاجتنا إلى بناء مدن للعلوم والفنون وإنشاء جامعات وإصدار آلاف الكتب والصحف والقنوات وكل شيء موجود في "الكتاب"؟! ثم وضع يده على جيبه العلوي آمناً مطئناً.
غادر غرفته الصغيرة. هنا يحيا بأقل الأشياء: غرفة مكتومة الهواء في بدروم عمارة و"قلة" في النافذة يشرب منها على ثلاث رشفات وامرأة تلبي رغبته في الحلال كلما اشتهى. لا يعنيه كثيراً أن يخرج للشمس إلا للصلاة. ولا حاجة به لزيارة الحدائق والكورنيش والأهرامات وتضييع وقته أمام تفاهة القنوات التلفزيونية لمتابعة حمقى يركلون الكرة وأكثر حمقاً منهم يتحدثون في السياسة.
ركب "السلفي" أتوبيس "15" بشرطة وأخرج من جيب الجلابية البيضاء مصحفه صغير الحجم وراح يتلو بصوت خفيض ما شاء الله له أن يتلو دون أن يتلفت يميناً أو يساراً.. ما الفائدة التي ستعود عليه لو أصغى لنميمة الركاب عن الديمقراطية والانتخابات والرواتب وثروات البلاد المنهوبة؟! هؤلاء تائهون لا يدركون نعمة الإيمان التي أنعم بها الله عليه، فهو يكتفي من كل متاع الدنيا بجلابية يرتديها وأخرى يحتفظ بها نظيفة ومعلقة على حبل داخ الغرفة. امرأته كذلك لا تشغلها الموضة في محلات وسط البلد ولا في الأفلام فهي منقبة نقابا شرعيا تختفي تماماً في جلبابها الأسود السابل السابغ الذي لا تغيره صيفاً أو شتاء.
لو أصبح كل الرجال مثله بلحية وجلباب أبيض قصير وكل النساء مثل زوجته يرتدين جلابيب سود لانتهت مشاكل كثيرة وأصبحنا فعلنا سواسية كأسنان المشط. ساعتها لن يطالب أحد برفع الحد الأدنى للأجور وستعرف أمريكا أن المسلمين على قلب رجل واحد ولن نحتاج معونتها المغموسة بالذل والهوان.
نحن نعقد على أنفسنا حياتنا بالجري وراء كل هذه المتع الزائلة، رغم أن من كانوا أعظم منا عاشوا في صحراء.. كانوا ينامون ويتغوطون ويأكلون مما ينبت فيها. وكانوا أكثر منا صحة وسعادة. ماذا أخذنا من بناء العمارات والأبراج غير خراب الذمم وسقوطها على رؤوس ساكنيها وتطلع كل واحد منا إلى ما في يد غيره حسداً ودناءة نفس؟! ثم لماذا نشغل أنفسنا بمن يحكمنا إذا كنا مؤمنين حقاً بأن الحكم لله يؤتيه من يشاء؟ أوليس الخروج على من ارتضاه الله حاكماً خروجاً على مشيئته؟ وما الداعي لتعليم البنات طالما كل بنت مصيرها أن تكون أماً والأمومة بالفطرة السليمة ولا تحتاج إلى تعليم ومصاريف؟
كل هذا الجدل في الصحف والقنوات من عمل الشيطان كي يزيغ قلوبنا ويفرق بيننا، وكل هذه الأديان الأخرى محرفة وباطلة فالدين عند الله الإسلام. ولا حكم إلا لله ولا علم إلا في كتاب الله. ولا دستور لنا إلا القرآن.. ومن لم يؤمن بكتاب الله يُنصح أولاً ثم يستتاب وإن أبى يقام عليه الحد أو يدفع الجزية.
لو كل مسلم دفع الزكاة وكل غير المسلم دفع الجزية ما احتجنا إلى البنك الدولي ولا إلى وزارة مالية ولا إلى ضرائب على طريقة المغضوب عليهم والضالين.
إذا سألوني: ما الوطن؟ مصطلحات يضحكون بها علينا.. مرة باسم التاريخ ومرة باسم الجغرافيا، لكن الحقيقة إن أرض الله واسعة وأينما كان المرء يستطيع أن يعبده.. كل هذه الحدود المزعومة من آلاعيب الاستعمار لتبديد شمل المسلمين. والآخر لا يريد بنا خيراً فهو إما "ضال" أو "كافر" والعياذ بالله.

هكذا تناوبت الأفكار تلقائياً على وعي وعقل وروح "السلفي" أثناء ركوبه أتوبيس 15 بشرطة متجهاً إلى ميدان التحرير ومنه إلى ماسبيرو للظهور في أحد البرامج.. دون أن يتوقف طبعاً عن التلاوة بصوت خافت.
وهكذا هي الدنيا على مقاس "سلفي": رجال ملتحون في جلابيب بيض ونساء منقبات في جلابيب سود.. الجميع رجالاً ونساء على تلك الهيئة كأنهم مستنسخون من بعضهم البعض.
وعندما التقيته في البرنامج جرني السلفي إلى صحراء مترامية الأطراف في عقله فلم أستطع أن أقول كلمة ذات معنى عن المجتمع أو العلم أو القانون أو اختلاف الرأي والرؤية. الوطن كله كان يتحلل أمام عيني كلما تكلم السلفي.. تختفي قيمه ومعالمه ليصبح صورة طبق الأصل من تلك "الصحراء" الشاسعة في عقله.. وأنا الذي تحمست لمناظرته في البرنامج لا حول لي ولا قوة! تائه في صحراء بلا معالم أردد الحكمة الخالدة: إذا كنت لا تعرف أين تذهب فكل الطرق تؤدي إلى هناك!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية إلى : شريف صالح
أحـمـد بـسـمـار ( 2011 / 5 / 24 - 13:00 )
يا ويلنا.. ويا لمأساة عيشنا, من تكاثر أمثال صاحبك السلفي راكب الباص 15شرطة...
إنهم اليوم السرطان الفكري والاجتماعي الذي ينخر جميع قواعد مجتمعنا وآمالنا بتطوير مجتمعنا إلى الأفضل والأغنى والأسمى, وإلى عدالة إجتماعية تشمل جميع طبقات المجتمع وإثنياته المختلفة...
ولك مني أطيب وأصدق تحية مهذبة...
أحمد بسمار مواطن عادي بلاد الحرية الواسعة


2 - لاأعلم من يعيش منكما في الصحراء؟
عمارة كريم ( 2011 / 5 / 24 - 13:54 )
أتعجب كيف قلت هذا الكلام ؟وأين ذهب عقلك وأنت تُضحك على نفسك المجنون قبل العاقل بهذه الغوغائيات التي ترددهاتقليداً أو مجاملة أو...أما قابلت طبيباً سلفياًقط ؟ أما رأيت مهندسا سلفيا مرة ؟ أما تعلم ان هناك مدرسا سلفيا يدرس موادً كالكيمياء واللغات غير العربية ونحو ذلك ؟واذاا كان السلفي كما قلت لماذا ذهب اليك في برنامجك ؟ ولماذا لم تحاوره في هذه الافتراءات وتفتح باب المشاركات لرجال الاجتماع وطب النفس ليعالجوه وينقذوه من حجرته التي لاتدخلها الشمس؟ يا مسكين.
التجرد والانصاف والعدل صفات اتفقت عليها كل الثقافات وقبلها كل الناس .والكذب والافتراءوالبهتان والدجل يكرهها كل الناس ويتعرى من يتصف بها ويتعامل بها دون أن يشعر وتظهر عورته القبيحة وتنتشر رائحته المنتنة وتزكم أنوف الناس اذا اقتربوا منه او سمعوا سخافاته وكذبه .مع تمنياتي لك بكتابة مقالات يشم الناس منها رائحة التجرد والانصاف والعدل والصدق وعدم التبعية .


3 - شكرا
شريف صالح ( 2011 / 5 / 26 - 14:44 )
شكرا
شكرا أستاذ أحمد بسمار
شكرا أستاذ عمارة كريم، وألفت عنايتك الكريمة أنني لست محققا ولا أكتب بحثا عن الحركات الإسلامية، هي صورة أدبية لنموذج موجود في المجتمع، لا أقبله ولا أظنك تقبله.. أما إذا كان هناك طبيب ومهندس ومدرس متدين ويخدم مجتمعه ولا يفرض وصايته على من يختلف معه.. فأهلا به.. أحسبك توافقني الرأي؟

اخر الافلام

.. فرحة عارمة بين عائلات الأسرى الفلسطينيين


.. عودة مرتقبة لمئات الآلاف من النازحين إلى شمال غزة ضمن اتفاق




.. -نتنياهو حمل خريطة لها في الأمم المتحدة-.. وزير إسرائيلي ساب


.. الأسرى المبعدون إلى خارج -فلسطين-.. ما مصيرهم؟




.. ميلوني تدافع عن ترحيل أمير حرب ليبي مطلوب دوليا وتنفي تورطه