الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بكى لوريا!!

سعد تركي

2011 / 5 / 25
التربية والتعليم والبحث العلمي



لا خوف ورهبة يمرّ بها طالب ـ طوال حياته الدراسية ـ مثل رعبه من امتحان البكالوريا. هذا الامتحان الذي جعل طالباً يُضرب به المثل باجتهاده و(شطارته) يبكي دمعاً سخيناً من صعوبته وأهواله، كما كان يفسر لنا أهلنا معنى (البكالوريا) التي ـ بحسب زعمهم ـ جاءت بعد دمج كلمتي بكى ولوريا!!
كان الطلبة ـ السادس الإعدادي تحديداً ـ يستعدون لهذا الامتحان الرهيب والصعب بطرق وأساليب تختلف تماماً عن استعداداتهم لأي امتحان آخر قبله وبعده.. بعضهم كان يمتنع عن الاستحمام طيلة الشهر الذي يسبق الامتحان وأثناءه. وفي العادة تكون أياماً شديدة الحرّ.. آخرون كانوا يحلقون رؤوسهم (نمرة صفر) كي لا يضطروا للذهاب إلى الحلاق الذي يأخذ بعض وقتهم.. القسم الأقل منهم كانوا يأخذون أدوية تساعدهم على السهر، ذلك أن من طلب العلا سهر الليالي!!
كان التوتر النفسي والإجهاد البدني صفتين تلازمان هؤلاء الطلبة، وغالباً ما كان أفضلهم وأكثرهم جداً واجتهاداً ينال علامات ضعيفة تصدمه وتخيب رجاء أهله ومدرسيه فيه، لأنه ببساطة شديدة أنهك عقله الذي يقف عاجزاً عن إجابة سؤال قرأه وحفظه لمرات ومرات من دون أن يعطيه فسحة كي تهضمه الذاكرة..
الطريقة الشائعة للقراءة في ذلك الوقت تعتمد على (الدرخ) الذي يعني استظهار التعريف والنقاط والشرح عن ظهر الغيب، وهذه الطريقة كانت تؤدي غالباً إلى ضياع المجهود بأكمله لمجرد نسيان كلمة واحدة من تعريف أو شرح لموضوع. نسيان الكلمة الأولى (المفتاح) تجعل من المجتهد الذي سهر الليالي الطوال ولم يستحم ولم يذهب إلى حلاق، ومن دخل الامتحانات بـ(الشافعات) سواء بسواء، بل ربما تفوق الأخير لأنه احتفظ بصفاء ذهنه واستقراره النفسي!!
الفشل في امتحان البكالوريا يعني خسارة اثنتي عشرة سنة دراسية. وهذا خلل لم تستطع وزارة التربية معالجته، فليس الأكفأ والأقدر هو من اجتاز الامتحان، كما أن من رسب لا يعني أنه فاشل لا نفع يرتجى منه.. فكثيراً ما تفوق كسول انتفض قبل الامتحان بشهر ونال علامات، أو رسب مجتهد يتفوق على زملائه كل سنة!
حين كنا في السادس الإعدادي أخبرنا أحد المدرسين أن مستقبلنا ومصيرنا قد يتحكم به موظف أو موظفة أثناء نقل العلامات من الدفاتر الامتحانية إلى السجلات.. كان أقصى خوفنا أن نأخذ علامة ليست لنا وهي بالضرورة أقل من الاستحقاق.. أما اليوم، فالخشية أن يُنزع غلاف دفتر امتحاني من طالب ويعطى إلى آخر فيأخذ الكسول تعب واجتهاد وسهر ليالي من حلم أنه أوشك على الوصول إلى العلا!!
لوريا الذي بكى من هول الامتحان يخشى أن يجد نفسه يلطم الخدود ويشق الجيوب ويحثو رأسه بالتراب حين يجد أن جهده قد آل لغيره!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حديث إسرائيلي عن استمرار علمية رفح لمدة شهرين.. ما دلالات هذ


.. مجلس الأمن الدولي يعرب عن قلقه إزاء التقارير بشأن اكتشاف مقا




.. سلسلة غارات عنيفة تستهدف عدة منازل في شمال غزة


.. الجيش الإسرائيلي يوسع عملياته في رفح




.. الجيش الإسرائيلي يطالب بإخلاء مناطق جديدة في رفح وشمال غزة