الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللاحكمية

محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)

2011 / 5 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


اللاحكمية أو non-judgmentalism هو توجه فلسفي-اجتماعي-أخلاقي يحاول تجنب إصدار الأحكام على الأشخاص والأحداث والأفكار والمشاعر والمواقف اي باختصار كل ما يجري تقييمه ووزنه والحكم عليه و"وسمه" على مدار الساعة من قبل أغلب الناس سواء كان ذلك فعلا معلنا كتصريح برأي أو فعلا داخليا لا يتجاوز التفكير

وقد تترادف اللاحكمية هنا مع مصطلحات أخرى على بعض المستويات، فعلى مستوى نظرية المعرفة قد نعتبر أن اللاأدرية agnosticism هي موقف لاحكمي ابستمولوجي، وعلى المستوى السياسي والاجتماعي قد نعتبر جوهر الفكرة الليبرالية "دون دلالاتها واشتقاقاتها الأخرى" جوهرا لا حكميا من جهة موقفة من الحريات العامة وتقبل الآخر على اختلافه. الأفكار اللاسلطوية والأناركية (بدلالاتها الفلسفية والاجتماعية لا السياسية فقط) تحمل كذلك جانبا من اللاحكمية برفضها للسلطة باعتبارها تصدر الأحكام وتنتج الحقيقة وتحاول تشكيل الوعي وخلق الثوابت. كذلك يمكن اعتبار المواقف الحيادية إزاء الأحداث السياسية شكلا من اللاحكمية، وهذا المثال الأخير يكشف الجانب الحساس من التوجه اللاحكمي كتوجه أخلاقي قد يفسر على أنه شكل من الميوعة الفكرية واللامبالاة ونفي اي شكل للقيم الإنسانية حيث أن تساوي كل الأحداث والمواقف من ناحية السياسة مثلا قد يرى كحالة غثائية حين يساوي بين المعتدي والمعتدى عليه في حالة ما ولا يقيم الخطأ من الصواب

ذلك الجانب المتعلق بالقيم سواء كانت "قيما مطلقة مسقطة إسقاطا مثاليا من الايديولوجيا" أو "قيما مشتقة من الواقع الإنساني بترابطه وتفاعلاته المتشابكة" هو جانب يحتاج إلى وقفات كثيرة للتمييز بين اللاحكمية واللامبالاة، فاللاحكمية بالتأكيد تنفي الأشكال المطلقة للحقيقة وتتعارض مع الأديولوجيا، ولكن فهم الحقيقة وراء الموقف اللاحكمي من العالم قد يكون بداية الخيط الذي يميز جوهر اللاحكمية عن مجرد الحياد المتبلد (وإن كانت اللاحكمية تتعارض مع الانفعال وبالتالي تحمل نوعا من البلادة الحميدة)..

رغم أن اللاحكمية الآن "خاصة بشكلها الاجتماعي" هي سمة للمجتمعات المتقدمة إلا أن لها جذرا روحيا عميقا في الأساس، فهي قد ظهرت في الروحانيات الشرق اسيوية القديمة كحالة ذهنية تتيح للوعي أن يكتمل ويستوعب الكنه الحقيقي اللاحكمي للكون والذات، وبالتالي فهي حالة من التطهر الروحي من الكارما تترتبط بممارسات مثل التأمل والسعي للتيقظ وبالتالي هي ضمن هذا الفهم الهدف الأسمى والحالة الكاملة التي يحاول الإنسان الوصول إليها، والتي تتيح دخول المعجزات إلى حياته، لأن الأفق الواسع ضمن ذلك الفهم الروحاني هو وحده الذي يمكنه استقبال المعجزات والتغييرات الجذرية transformations التي تنهض بالإنسان إلى قامته الحقيقية

ولكن اللاحكمية كانت مرحلة مؤقتة ضرورية بالنسبة لبعض الفلاسفة والمفكرين الذين رأوا أن على الإنسان أن يتجرد من جميع الثوابت والأحكام المسبقة عند محاولته الوصول إلى الحقيقة، وهذا يتضمن نوعا من اللاحكمية، ولكن هذه اللاحكمية قد تتلاشى حين يصيح الباحث عن الحقيقة صيحة يوريكية تحاول إثبات شكل من الأشكال المطلقة للقيم أو الحقائق..

لإدارك جوهر اللاحكمية "كجوهر مجرد بسيط" بعيدا عن التفسيرات المعقدة والفروض الزائدة يمكن أن نفكر بمدى قرب أو بعد مفاهيم معينة من جوهر الموقف اللاحكمي للاقتراب من فهم اللاحكمية

اللاحكمية هي في حالة تنافر كبيرة مع مفاهيم مثل المقدس والمحرم والمنتهك والمشرف والحقير والقديس والبطل والدنيء

اللاحكمية أقرب لمطالب مثل رفض الإعدام وتقبل المثليين واللاعنف وحرية التعبير، وهي أقرب لتخفيف الأحكام عندما يتعلق الأمر بالقانون لأنها تسائل فكرة الجريمة والعقاب والفعل ونتيجته

اللاحكمية هي في حالة تنافر مع الانتماء والهوية والولاء... أي كلما زادت تلك التركيبات صرامة وتطرفا كلما تلاشت اللاحكمية


هل تتناقض اللاحكمية مع الفعل؟ مع القرار؟ ... هل تساعد على الوصول إلى فهم أفضل للحقيقة... لإجابة تلك الأسئلة علينا أن نفهم أن اللاحكمية هي عكس الدوغما،، وبالتالي لا يمكن أن تتحول هي نفسها إلى دوغما،، ويكفي أن نستخدمها كأداة تحررية في سبيل فهم أكثر حكمة للإنسان وللإنسانية

http://1ofamany.wordpress.com

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس - ليبيا : ما سبب الازدحام الشديد في معبر وازن الذهيبة ا


.. مقتل 11 وفقدان أكثر من 60 بعد غرق قاربي مهاجرين قبالة إيطالي




.. تحذيرات من انهيار السلطة الفلسطينية | #غرفة_الأخبار


.. تصعيد نووي جديد بين روسيا وحلف شمال الأطلسي | #غرفة_الأخبار




.. السودان.. نازحون يؤدون صلاة العيد بعد فرارهم من الاقتتال بال