الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى الأستاذ جواد البشيتي. ردٌّ على ردّ

نعيم إيليا

2011 / 6 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عزيزي الأستاذ جواد البشيتي الموقر
أشكرك أبلغ الشكر على أن تكرّمت بالرد على اعتراضي وبعد:
فإني حين اطلعت على مقالتك النفيسة "كيف نفهم المفاهيم" وعلى ما سبقها من مقالاتك الفلسفية الرائجة بطابعها العلمي الفيزيائي الفلكي الميسّر للجميع، والتي لا تلقى مني إلا الثناء والتأييد، استوقفني في أكثر من مكان أنك ترى بعض السؤال يطرح بهذه الصيغة أو تلك فاسداً مكروهاً؛ لأنه في رأيك لا ينتج إلا جواباً أشأمَ تضيع معه الحقيقة أو تنحرف عن مسارها إلى الوهم والخرافة. وهذا الرأي في ملّتي تخطئه الإصابة في الحكم، وأجدر به أن ينصبّ على الجواب لا على السؤال من حيث إنه سؤال. فالسؤال من حيث إنه سؤال، لا يقبل الحكم عليه بالفساد؛ لأن الغرض منه هو طلب العلم بشيء، وطلب العلم من الإنشاء، والإنشاء هو ما ليس يحتمل الحكم بالتصديق أو التكذيب.
وليس هذا فحسب، بل هو مردود من وجوه أخر: فإنك حين تنعت السؤال أيّ سؤال بالفساد، فكأنك تنهى عنه، والنهي عن السؤال لون من ألوان القمع. وإنك عندما تحكم عليه بالفساد، فأنت في حقيقة الأمر تسبق إلى الحكم على النتيجة المتوخاة من السؤال، أو التي يمكن أن يتمخّض عنها السؤال؛ وبهذا يكون حكمك واقعاً على الجواب من حيث أردت أن يكون واقعاً على السؤال. فلو لم يكن جواب السؤال فاسداً لما كان السؤال فاسداً؛ فيبطل بهذا قولك بأنّ من الأسئلة ما هو فاسدٌ.
ولنأخذ مثال الطفل الذي يسألك: "كيف خَرَج هذا الإنسان الذي يَزِن 80 كيلوغراماً من رَحم أُمِّه؟" ولنسأل بعد ذلك: هل أخطأ الطفل إذ طرح السؤال بهذه الصيغة؟ أو هل يصح – بتعبير آخر - أن نحكم على سؤال الطفل بالفساد؟
الجواب - بالتأكيد - هو: لا؛ وذلك لأنّ الطفل يجهل الأمر، ويبحث عمّا يبدد جهله. ومن هنا فلا يصح أن يقال له إنه مخطئ في طرح سؤاله، أو إنّ سؤاله فاسد.
بيد أن الجواب على سؤاله هذا، لن يخلو من أن يكون إما صحيحاً أو فاسداً: فهو صحيح إمّا جاء على النسق التالي الذي يقضي به منطق السؤال: "إن الإنسان يخرج من الرحم وليداً لا يزن إلا بضع مئات من الغرامات، ثم ينمو بعد ذلك حتى يبلغ وزنه ثمانين كيلوغراماً".
وسيكون بلا شك فاسداً إذا ما جاء على المعنى التالي أو على ما يشاكله: " الرحم عند الولادة يتمدد حتى يتسع لخروج رجل بزنة ثمانين كيلوغراماً".
ومثل هذا يقال في السؤال عن المادة. فما هي المادة؟ ومن أين جاءت المادة؟
الجواب عن ماهية المادة، يمكن أن نستقيه من علماء الفيزياء والفلك ومن الفلاسفة أيضاً. وقد عبر عنها أرسطو من قديم الزمان تعبيراً حائراً، فقال ما معناه: إنها الجوهر الذي تتشكل منه الأشياء جميعها، والذي يمنح هذه الأشياء صورها المتميزة.
فالإنسان مثلاً يتكون من هذا الجوهر، وكذلك الصخرة، والحصان. ولكنْ، ما هو هذا الجوهر؟ وكيف يتاح لنا أن ندركه بعقولنا وحواسنا إذا لم يتمثل لنا في صورة من هذه الصور؟
ما هي المادة (العجينة) التي تؤلف صورَ الأشياء وتنحتها؟ ما هو الفيل؟ ما هو القمر؟ ما هو الماء؟ ما هو الهواء؟ ما هو...؟ من الذي يعطي لكل هذه الأشياء صورَها وأشكالها وصفاتها وطعومها وألوانها وخصائصها الاخرى؟.
إنها بلا شك المادة الأصلية الموجودة قبل الانفجار العظيم - إن صحَّت نظرية الانفجار -؛ التي لا بد من أن تكون جسماً لطيفاً ذا طاقة وحركة دائمة لا تسكن. فإن لم نستطع أن نتخيلها في هذه الصورة، فعلينا أن نعترف بوجود العدم، أو بوجود شيء لا وجود له على الإطلاق، وهذا من المُحال.
فأما "من أين جاءت المادة؟" فسؤال علمي مشروعٌ لا غنى للعقل عن طرحه، وأقرب جواب عنه إلى العقل، هو: إنَّ المادة أزلية قديمة موجودة أبداً. وقد استحال أن تكون مخلوقة؛ لأنها حينئذ لا بد لها من خالق، ولا بد لهذا الخالق من خالق، ولا بد لهذا من خالق آخر، وهكذا دواليك إلى ما لانهاية. واستحال الخلق أيضاً؛ لأن الخلق لا يأتي إلا من العدم. والعدم كما ذكرنا ليس بشيء؛ هو لفظ لا يدل على موجود. وما ليس له وجود لا يأتي منه موجود.
تبقى مشكلة الحياة، وهي من أعقد المشكلات التي تواجه العقل.
وربما بدا الجواب عن السؤال: "من أين جاءت الحياة؟" مستحيلاً، ومع ذلك فقد تمكن الإجابة عنه إجابة علمية، وأخرى فلسفية: فمن الناحية العلمية، فإنَّ الحياة نشأت عند التقاء مواد غير عضوية وامتزجت هذه المواد ببعضها على نحو خاص في ظروف طبيعية سمحت بنشوء مادة عضوية منها، ما لبثت أن تطورت وتنوعت حتى امتلأ بها كوكبنا الأزرق.
ومن الناحية الفلسفية، يمكن القول بأنَّ المادة لها وعيُها الخاص (قوانينها) التي لا تعجز عن خلق ما هو ممكنُ الخلق.
وهكذا نرى أنّ أيّ سؤال مهما كان ساذجاً ضعيفاً أو قوياً، له علينا حقُّ الجواب.
فإن أجبنا، فقد أصبنا وإلا فقد أخطأنا.
مع خالص المودة والتقدير



















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد يطالب عضو مجلس الحرب ب


.. عالم الزلزال الهولندي يثير الجدل بتصريحات جديدة عن بناء #أهر




.. واشنطن والرياض وتل أبيب.. أي فرص للصفقة الثلاثية؟


.. أكسيوس: إدارة بايدن تحمل السنوار مسؤولية توقف مفاوضات التهدئ




.. غانتس يضع خطة من 6 نقاط في غزة.. مهلة 20 يوما أو الاستقالة